09 سبتمبر 2024
غزة وحيفا وكسر حصار الفلسطينيين
تعيش جميع التجمعات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها حالة حصار متفاوتة الشكل والشدة، وإن كان حصار قطاع غزة أبشعها وأقساها وأشملها. وهو حصار يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، ويساهم الظرف المحلي في استمراره وترسيخه، نتيجة خيارات القيادات الفلسطينية السياسية، والتي تتراوح بين خيار الدولتين أو الخيار الاستسلامي وخيار اللهاث خلف أحلام سلطوية. كما تساهم الدول الإقليمية بنسبٍ متفاوتةٍ في هذا الحصار أيضاً، وخصوصاً مع اللاجئين داخل دول الطوق الذين فرضت عليهم الأنظمة الاستبدادية والأمنية الانكفاء عن أي دور سياسي ووطني حقيقي، واللهاث خلف تأمين مستلزمات الحياة اليومية، أو الانخراط بالعمل السياسي الذي توجهه الأنظمة خدمةً لمصالحها، بصورةٍ مشابهةٍ لأوضاع الشعوب العربية قاطبة.
بيد أن الحراك الفلسطيني أخيراً في كل من غزة وحيفا عمل على كسر الحصار في المنطقتين خصوصا، والفلسطيني عموماً، كيف لا وهو يسدّد ضربةً قويةً للاحتلال، ولجميع المساهمين باستمرار الحصار. فمن ناحيةٍ، يعبر حراك غزة عن فشل تلك السياسة، بل يمثل نموذجاً لقدرة القطاع على تحويل حصاره إلى حصار للاحتلال، سياسياً وأمنياً وقانونياً، لينتقل القطاع، في الشهرين الأخيرين، إلى مواقع صنع القرار والتأثير على الأحداث، بينما تحول الاحتلال إلى متلقٍّ للصدمات والضربات، نتيجة نجاح منظمي الحراك وناشطيه في ضبط هذه المواجهة، بالشكل الذي يبرز قوة الحق والصمود الفلسطيني، جنبا إلى جنب، مع إبرازه إجرامية الاحتلال ووحشيته، فقد نجح الحراك في تجنب جميع استفزازات الاحتلال التي تسعى إلى إخراجه من سلميته، أو لتحويله إلى مجرد رد فعل لحظي وآني، يفتقد الاستمرارية والفاعلية المتكرّرة.
الأمر الذي كسر منظومة الحصار السياسية والأمنية، من خلال عودة القطاع إلى القيام بدوره النضالي، وبفاعليةٍ وتأثيرٍ أكبر مما كان عليه في مرحلة ما قبل الحصار، فضلاً عن كشف الأكاذيب الإسرائيلية، وجرائم الاحتلال بحق الإنسانية والقانون الدولي. كما ساهم حراك غزة في كسر جليد الانقسام الشعبي الفلسطيني، وأعاد النضال الفلسطيني إلى بوصلته الحقيقية؛ سواء فيما يتعلق بوحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة نضاله من غزة إلى حيفا، مروراً بالقدس والضفة الغربية والشتات الفلسطيني، أو فيما يتعلق بالهدف والغاية التي نناضل من أجلها، وهي استعادة كل الحقوق المستلبة.
وهي الرسائل والمعاني نفسها التي يرسلها الحراك في حيفا اليوم، يُضاف إليها نجاحه في كسر مساعي الاحتلال الرامية إلى عزل عرب 48 عن هموم شعبهم ووطنهم من ناحية، وسعيه إلى زجّهم كذلك في أسر قوانينه العنصرية والفاشية، كأنهم أمام خيارين، لا ثالث لهما، إما القبول بسلطة الاحتلال العنصرية التي تحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثالثة، وربما الرابعة أو الخامسة، أو السجن والنفي وسحب الجنسية التي تعني تهجيرهم قسريا من أرضهم التاريخية واقتلاعهم من بيئتهم ووسطهم الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى نجاح حراك حيفا في توجيه صفعةٍ قويةٍ للقيادة الفلسطينية المتخاذلة التي ارتأت التخلي عنهم، وعن أكثر من 78% من أرض فلسطين التاريخية، عبر تبنيها خيار الدولتين الذي مهد الطريق لاتفاق السلام المزعوم. تحت ذرائع الرضوخ للقانون الدولي، ومراعاة خصوصية أوضاع فلسطينيي 48. لتتناسى هذه القيادة أن خصوصية أوضاع هؤلاء الفلسطينيين تتطلب منا دعم نضالهم، من أجل صمودهم داخل أراضينا الفلسطينية المحتلة منذ 1948 أولاً، وكشف عنصرية الاحتلال وفاشيته وإجراميته بحقهم، وبحق جميع الفلسطينيين ثانيا، من أجل ضمان حقهم القانوني والإنساني، وحقهم في البقاء داخل فلسطين، ومقاومة الاحتلال ومواجهته، جزءا من مجمل الوضع الفلسطيني. وعليه، تتحول خصوصية عرب الداخل إلى مسؤولية جماعية، تتطلب منا حمايتهم، ودعم تحركاتهم قانونيا وسياسيا وإعلاميا، بدلاً من حصارهم وعزلهم وتحويلهم إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ ومحاصرةٍ من الاحتلال أولاً ومنا ثانياً.
طبعاً، لا يمثل الحراك في غزة وحيفا سابقة تاريخية جديدة من نوعها، بقدر ما يمثل امتدادًا للنضال الفلسطيني في كل من الضفة الغربية والقدس والشتات، النضال الذي خاض شتى أنواع الصراع من أجل التغلب على جميع الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي تعمل على تكبيله وإفشاله، من تقسيم القدس والضفة الغربية جغرافياً وأمنياً، من أجل منع الفلسطينيين من النجاح، في تحويل مظاهراتهم واحتجاجاتهم الأسبوعية والمتفرقة إلى ملحمة جماهيرية تشابه الملحمة الغزية. إلى حصار غالبية المخيمات الفلسطينية في دول الجوار، وتحويلها إلى بؤر أمنية معزولة، وفاقدة لمقومات الحياة الطبيعية، وفاقدة حقوقها السياسية والقانونية، بما فيها حقوقها التي أقرّتها جامعة الدول العربية والقوانين الناظمة في الدول المستضيفة ذاتها، والقوانين الدولية عموماً، سواء الإنسانية أو التي تتحدّث عن حقوق اللاجئين عموماً.
لكن وعلى الرغم من نجاح الحراك الفلسطيني في كل ما سبق ذكره، فإن كسر جميع أوجه الحصار، سيما حصار الموت في غزة، يتطلب تحصين الحراك الشعبي وتطويره، عبر العمل
على محورين منفصلين ومتكاملين، يقوم الأول على حماية الحراك، وحماية استمراريته قدر الإمكان، مع العمل على تطويره وتطوير أساليبه، وتمدّده داخل فلسطين وخارجها، من خلال فلسطينيي الشتات، والتعاون والتواصل مع جميع القوى والتجمعات العالمية الناشطة والداعمة للحق الفلسطيني، ما يشكل منطلقا لتوسيع قاعدة داعمي فلسطين، وداعمي الحق الفلسطيني عالمياً، في الوقت الذي يشكل عامل قوة وحماية للحراك داخل فلسطين.
ويتجسد المحور الثاني في دمج التحركات الشعبية الفلسطينية مع السياسية الناشئة في الفترة الأخيرة، سواء السابقة أم اللاحقة للحراك، فلا بد من أن يصطفي الحراك الشعبي قيادته التنظيمية والسياسية، وبالتالي برنامجه السياسي، أو برنامج النضال الفلسطيني، عاجلاً أم آجلاً. كما لا بد من سعي المبادرات السياسية إلى اكتساب ثقة الفلسطينيين وشرعيتهم، من أجل تمثيلهم، والدفاع عن حقوقهم وأهدافهم، لا سيما المبادرات السياسية التي تهدف إلى تصحيح أخطاء الماضي، والقطع مع البرنامج المرحلي وحل الدوليتن، والقيادات الفلسطينية التقليدية التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن التدهور الذي أصاب القضية الفلسطينية، نتيجة خياراتها الخاطئة، ولهاثها خلف مصالحها الضيقة، ومصالح داعميها الإقليميين.
نحن اليوم بحاجة إلى معالجة جميع الظروف الحياتية اللاإنسانية التي تعاني منها التجمعات الفلسطينية العديدة، والتصدّي بكل حزم لجميع أخطاء القيادات الفلسطينية، سواء الانهزامية والاستسلامية أم الانتهازية واللاعقلانية، من أجل ترسيخ نضال شعبي طويل الأمد وواضح وثابت الأهداف والغايات التي لا تنازل عنها ولا مساومة بها، وهو ما سيؤدي إلى أولى هزائم الاحتلال، وداعميه سياسيا وميدانيا، وربما بنيويا.
بيد أن الحراك الفلسطيني أخيراً في كل من غزة وحيفا عمل على كسر الحصار في المنطقتين خصوصا، والفلسطيني عموماً، كيف لا وهو يسدّد ضربةً قويةً للاحتلال، ولجميع المساهمين باستمرار الحصار. فمن ناحيةٍ، يعبر حراك غزة عن فشل تلك السياسة، بل يمثل نموذجاً لقدرة القطاع على تحويل حصاره إلى حصار للاحتلال، سياسياً وأمنياً وقانونياً، لينتقل القطاع، في الشهرين الأخيرين، إلى مواقع صنع القرار والتأثير على الأحداث، بينما تحول الاحتلال إلى متلقٍّ للصدمات والضربات، نتيجة نجاح منظمي الحراك وناشطيه في ضبط هذه المواجهة، بالشكل الذي يبرز قوة الحق والصمود الفلسطيني، جنبا إلى جنب، مع إبرازه إجرامية الاحتلال ووحشيته، فقد نجح الحراك في تجنب جميع استفزازات الاحتلال التي تسعى إلى إخراجه من سلميته، أو لتحويله إلى مجرد رد فعل لحظي وآني، يفتقد الاستمرارية والفاعلية المتكرّرة.
وهي الرسائل والمعاني نفسها التي يرسلها الحراك في حيفا اليوم، يُضاف إليها نجاحه في كسر مساعي الاحتلال الرامية إلى عزل عرب 48 عن هموم شعبهم ووطنهم من ناحية، وسعيه إلى زجّهم كذلك في أسر قوانينه العنصرية والفاشية، كأنهم أمام خيارين، لا ثالث لهما، إما القبول بسلطة الاحتلال العنصرية التي تحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثالثة، وربما الرابعة أو الخامسة، أو السجن والنفي وسحب الجنسية التي تعني تهجيرهم قسريا من أرضهم التاريخية واقتلاعهم من بيئتهم ووسطهم الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى نجاح حراك حيفا في توجيه صفعةٍ قويةٍ للقيادة الفلسطينية المتخاذلة التي ارتأت التخلي عنهم، وعن أكثر من 78% من أرض فلسطين التاريخية، عبر تبنيها خيار الدولتين الذي مهد الطريق لاتفاق السلام المزعوم. تحت ذرائع الرضوخ للقانون الدولي، ومراعاة خصوصية أوضاع فلسطينيي 48. لتتناسى هذه القيادة أن خصوصية أوضاع هؤلاء الفلسطينيين تتطلب منا دعم نضالهم، من أجل صمودهم داخل أراضينا الفلسطينية المحتلة منذ 1948 أولاً، وكشف عنصرية الاحتلال وفاشيته وإجراميته بحقهم، وبحق جميع الفلسطينيين ثانيا، من أجل ضمان حقهم القانوني والإنساني، وحقهم في البقاء داخل فلسطين، ومقاومة الاحتلال ومواجهته، جزءا من مجمل الوضع الفلسطيني. وعليه، تتحول خصوصية عرب الداخل إلى مسؤولية جماعية، تتطلب منا حمايتهم، ودعم تحركاتهم قانونيا وسياسيا وإعلاميا، بدلاً من حصارهم وعزلهم وتحويلهم إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ ومحاصرةٍ من الاحتلال أولاً ومنا ثانياً.
طبعاً، لا يمثل الحراك في غزة وحيفا سابقة تاريخية جديدة من نوعها، بقدر ما يمثل امتدادًا للنضال الفلسطيني في كل من الضفة الغربية والقدس والشتات، النضال الذي خاض شتى أنواع الصراع من أجل التغلب على جميع الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي تعمل على تكبيله وإفشاله، من تقسيم القدس والضفة الغربية جغرافياً وأمنياً، من أجل منع الفلسطينيين من النجاح، في تحويل مظاهراتهم واحتجاجاتهم الأسبوعية والمتفرقة إلى ملحمة جماهيرية تشابه الملحمة الغزية. إلى حصار غالبية المخيمات الفلسطينية في دول الجوار، وتحويلها إلى بؤر أمنية معزولة، وفاقدة لمقومات الحياة الطبيعية، وفاقدة حقوقها السياسية والقانونية، بما فيها حقوقها التي أقرّتها جامعة الدول العربية والقوانين الناظمة في الدول المستضيفة ذاتها، والقوانين الدولية عموماً، سواء الإنسانية أو التي تتحدّث عن حقوق اللاجئين عموماً.
لكن وعلى الرغم من نجاح الحراك الفلسطيني في كل ما سبق ذكره، فإن كسر جميع أوجه الحصار، سيما حصار الموت في غزة، يتطلب تحصين الحراك الشعبي وتطويره، عبر العمل
ويتجسد المحور الثاني في دمج التحركات الشعبية الفلسطينية مع السياسية الناشئة في الفترة الأخيرة، سواء السابقة أم اللاحقة للحراك، فلا بد من أن يصطفي الحراك الشعبي قيادته التنظيمية والسياسية، وبالتالي برنامجه السياسي، أو برنامج النضال الفلسطيني، عاجلاً أم آجلاً. كما لا بد من سعي المبادرات السياسية إلى اكتساب ثقة الفلسطينيين وشرعيتهم، من أجل تمثيلهم، والدفاع عن حقوقهم وأهدافهم، لا سيما المبادرات السياسية التي تهدف إلى تصحيح أخطاء الماضي، والقطع مع البرنامج المرحلي وحل الدوليتن، والقيادات الفلسطينية التقليدية التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن التدهور الذي أصاب القضية الفلسطينية، نتيجة خياراتها الخاطئة، ولهاثها خلف مصالحها الضيقة، ومصالح داعميها الإقليميين.
نحن اليوم بحاجة إلى معالجة جميع الظروف الحياتية اللاإنسانية التي تعاني منها التجمعات الفلسطينية العديدة، والتصدّي بكل حزم لجميع أخطاء القيادات الفلسطينية، سواء الانهزامية والاستسلامية أم الانتهازية واللاعقلانية، من أجل ترسيخ نضال شعبي طويل الأمد وواضح وثابت الأهداف والغايات التي لا تنازل عنها ولا مساومة بها، وهو ما سيؤدي إلى أولى هزائم الاحتلال، وداعميه سياسيا وميدانيا، وربما بنيويا.