غزة .. ساعدوها قليلاً

27 يوليو 2014

مطالبة في بانكوك بوقف القتل في غزة (يوليو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

لو نجحت إسرائيل في تحطيم آخر إرادة عربية في التمسك بالحياة وبالكرامة.
لو لم يهرب آخر المقاتلين العرب من العرب إلى الأنفاق، ليقاتل عدو العرب، كما لا نزال نرى.
لو لم يكن دم أهل غزة وجنودها، أو قل جيش الدفاع العربي الفلسطيني، متخفياً عند آخر دفاعات البلاد.
لو نجح الصهاينة في العبور، لكان لما بعد هذا العبور عبور آخر. عبور إسرائيل إلى منطقة أخرى نحو مال العرب، ونفطهم، وما تبقى من مستقبلهم، كما نظن.
ترفض إسرائيل حل الدولتين، وقبل ذلك، حل الدولة والتعايش المشارك، ذلك لأن للصهاينة أجندة مختلفة لشرق أوسطٍ آخر، هم سادته، وفي صياغته يفرضون حلاً للقضية الفلسطينية على حساب العرب. ويعتقد هؤلاء، الآن، أن الظروف مواتية لذلك، ما داموا قادرين على التحكم بالسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.
خلال الأربعة الأشهر الاولى من المفاوضات، لم يقل الإسرائيليون شيئاً، وفي الشهور اللاحقة، أخذوا "التنازلات" الفلسطينية، ووضعوها في جيوبهم، حسب الرئيس الفلسطيني، ولم يعطوا شيئاً واحداً.
أفشلت إسرائيل واللوبي اليهودي حل الدولتين، وترفض، بطبيعة الحال، حل الدولة الواحدة، حل محاولة التفاهم والتعايش، إن أمكن.
وكل ما تمكن وزير الخارجية الأميركي قوله، بعد الفشل ونحو سنة من المطاردة، همساً وعلانية، وقرب ميكروفونات مفتوحة ومغلقة، هو التحذير من تحول إسرائيل إلى دولة عنصرية.
الصحيح أن جون كيري وواشنطن، ومن يضعون مصالح أميركا أولاً، خسروا، مجدداً، محاولةً تكاد تكون أخيرةً، لكبح التوسع والهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط. لقد نجح اللوبي الإسرائيلي، على الرغم من معارضة الرئيس أوباما المحدودة في فرض مصالح إسرائيل وسياساتها، وجعل السياسة الأميركية الخاصة بالقضية الفلسطينية سياسة إسرائيلية خالصة.
إذا كان في وسع نتنياهو أن يفعل ذلك، فلماذا، إذن، لا يجرب فرض أجندة إسرائيلية، وأخذ الصراع إلى منطقة أخرى، في محاولةٍ مفتوحةٍ لاختبار إمكانات جديدة، تستجيب لقوة إسرائيل الجديدة، الاقتصادية والعسكرية، ويهيئ لحل القضية الفلسطينية في الأرجاء العربية، ويدفن، إلى الأبد، حل الدولة، أو الدولتين، حلاً يتحمل الكل، ما عدا إسرائيل، تبعاته في ظل ظروف دمويةٍ، تضرب المنطقة، ويلجأ فيها الحكام، أكثر فأكثر، إلى الولايات المتحدة (وإسرائيل) لتحميهم.
يرى الإسرائيليون، الآن، أن ثمة فرصة، إذا ما اجتازوا عقبة الفلسطينيين، ولم يظنوا أنها كأداء إلى هذا الحد، للعبور إلى مكامن القوة في "الشرق الأوسط الجديد" الذي طالما حلموا به، أي الوصول إلى الطاقة والمال في الخليج. لم تنفع مشاريع السلام الملفق والخداع لتحقيق ذلك، فلماذا لا يفعل التخريب والحرب ذلك.
لم يعد يكفي إسرائيل من العلاقات مع العرب العلاقات الأمنية المحدودة والعلاقات التجارية، وانتهي زمن الصفقات السرية والعيش في الأنفاق، ولم يعد حضور إسرائيل يتطلب إذناً من أحد، وظن الصهاينة أنهم على وشك منح رخص البقاء والحياة للآخرين على هذه الأرض.
تتطلب القوة الإسرائيلية التي طوّعت السياسة الخارجية الأميركية حضوراً آخر، تشارك وتقاسم فيه الآخرين توزيع الحصص. كان لإسرائيل دائماً حصتها، منها التغاضي عن ضياع فلسطين وأهلها، وإهدار ثروات العرب. ذلك لم يعد كافياً في مرحلة جديدة من الصراع الراهن على مستقبل المنطقة بأسرها.
بإمكان العرب أن يساندوا غزة، دفاعاً عن أنفسهم أيضاً. لا أظن أن إسرائيل ستسمح لغزة أن تنتصر، وقد نرى أياماً حالكة أخرى، قبل أن يسلم الإسرائيليون أن مستقبلهم صار خلفهم.
يمكن للعرب أن يساهموا من غزة، نعم من غزة، في صنع الفجر الجديد، لم لا. أليست القصة هي قصة بو عزيزي إياها، كرامةً ودفعاً للظلم والقهر.
ألم تكن غزة الخط الأول للدفاع عن المحروسة، مصر، عبر التاريخ.
ألم تكن غزة خط الدفاع الأول عن الشام، وفي قلبها فلسطين.
أليست غزة غزة هاشم، وسفر ساعة من القدس ويافا، والممر إلى بيروت ودمشق والقسطنطينية، وشرقها القاهرة وجنوبها مكة والمدينة.
ألم يمر منها غزاة وفاتحون، وكل الأنبياء وحملة رسائل السلام.
وهل من رسالة يكتبها أحد، الآن، على هذا النحو الرهيب غير هؤلاء. من يقال فيهم قوم "أشداء جبارون"، مع أنهم لاجئون مقهورون على مرمى حجر من بلادهم، ويحلمون فقط بأن يكونوا عاديين تماماً.
انصروا غزة وفلسطين، قبل أن تمد إسرائيل يدها في كل جيوبكم، وما دونها.
هؤلاء لا يبقون شيئاً. اسألوا أهل فلسطين وباقي الأهل في الجوار.
هؤلاء لا يردعهم شيء. اسألوا أهل غزة، ولا تطلبوا صفحاً. فقط ..ساعدوها قليلاً.

 

EE3DB56E-644D-4BAF-AC50-8DEE70FD1A57
أحمد سيف

صحافي وباحث فلسطيني، عمل في الاعلام الفلسطيني في بيروت وقبرص، ودرَّس في جامعة بيرزيت مادة الاعلام، وأسهم في الكتابة حول القضية الفلسطينية في غير منبر عربي.