اللوبي اليهودي يُفشل مجدداً حل الدولتين

14 ابريل 2014

أنديك يضع القلنسوة اليهودية، مع أولمرت ديسمبر 2007 (Getty)

+ الخط -
يُحمّل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الفلسطينيين والإسرائيليين، مسؤولية الحال المزري الذي انتهت إليه جهوده التي وصفت كثيراً بأنها "جدية وشاقة": مفاوضات على المفاوضات، واقتراح وحيد واضح، هو إمكانية إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي، جوناثان بولارد، من محبسه في الولايات المتحدة، لدفع "العملية" الهادفة، وفق كلام الجميع المعلن، إلى حلٍّ للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين فلسطين وإسرائيل.
الصحيح أن واشنطن هي من تتحمل المسؤولية، فقد تركت للوبي اليهودي في الولايات المتحدة أمر تفسير ما عناه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزير خارجيته، كيري، بشأن حلٍ يستند إلى "إقامة دولتي فلسطين وإسرائيل وفق حدود عام١٩٦٧، ينهي الاحتلال ويحقق حلاً عادلاً لقضية اللاجئين".
بدا كلام أوباما "معقولاً" كأساس للمفاوضات، لكنه فرّغ هذه المفاوضات من معناها بالكامل، مع نجاح طواقم المبعوث الأميركي لها، مارتن أنديك، وهو أكثر السياسيين الأميركيين تأييداً للسياسات الإسرائيلية، بفرض "خريطة طريق" لحلٍ يلبّي حاجات إسرائيل "الأمنية" الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية، بل والأيديولوجية إن صح التعبير، وليس لحل القضية الفلسطينية.
ظهر الأمر في الواقع كأنه محاولة أخيرة، توفرها إدارة الرئيس أوباما كي يجرب اللوبي اليهودي، بفرض الحل الإسرائيلي متخفياً بمتطلبات أمن إسرائيل، وليس لإقامة دولة فلسطين المستقلة، كما ردد أوباما مراراً. محاولة أخيرة ربما قبل المزيد من فقدان واشنطن تأثيرها، بسبب ما سماه الرئيس الأميركي "التغييرات السريعة والحاسمة في الشرق الأوسط، حيث لم يعد ممكناً الحفاظ على النظام القديم والتوازن القديم".
ويعتقد أنديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل، والذي شارك في مفاوضات كامب ديفيد الثانية قبل ثلاثة عشر عاماً، أن "تحقيق أمن إسرائيل وإنهاء العنف يمهدان للتوصل إلى الحل". ويذهب خطوةً أخرى، مخطئاً نهج الرئيس بيل كلينتون في كامب ديفيد، ويقول "اعتقد الرئيس كلينتون، خاطئاً، أن التوصل إلى حلٍّ ينهي العنف (ويوفر الأمن لإسرائيل)، بدل الاقتناع بأن إنهاء العنف فقط يوفر فرصةً للتوصل إلى صفقة".
منحت إدارة أوباما المبعوث أنديك، والذي ساهم في إفشال "كامب ديفيد"، وحمّل الفلسطينيين المسؤولية الكاملة، لتبنيه حلاً يعتمد نظرية "أمن إسرائيل" أولاً، إلى جانب شريكه الآخر  دينيس روس، منحته فرصةً أخرى ليجرب حظه مجدداً، وبحرية أكبر، لكي يهندس "خطوة خطوة" عناصر الحل الأمني هذا. وليكتشف الجميع أَن ما سرب من اقتراحاتٍ وخطواتٍ وإطار ومبادئ، ما تقدم منها وما تأخر، تحمل بصمات أنديك واللوبي الإسرائيلي المتوارثة من كامب ديفيد، وكل المفاوضات اللاحقة.
بدايةً، نجح أنديك وفريقه من الخبراء، اليهود غالباً، وبعد نحو أربعة شهور في تجنيب الإسرائيليين الخوض الجاد والاكتفاء بإبداء الملاحظات على إطارٍ، يحدد سقف القضايا المثارة، بإلقاء صخرة كبيرة في طريق وعر أصلاً، بإقناع كيري بالطلب من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولةً لليهود على أرض فلسطين. يبصمون على صك في مكانٍ، يدّعون أن الربَّ أعطاه "لليهود آمنين في أرض الميعاد".
وألقى أنديك بملف الحدود والغور الفلسطيني والوجود الإسرائيلي المتواصل. وملأ الصحافة بتسريباتٍ عن دورٍ لحلف الناتو والجيش الأردني غرب نهر الأردن، وصواريخ باتريوت ومعدات هي الأحدث ومحطات إنذار إسرائيلية على التلال خلف النهر.
واستحدث المبعوث الأميركي وجود معابر تراقبها إسرائيل وأميركا بمعدات، قد يمنع استخدامها في دول أخرى لأضرارها، وشاهد زور فلسطيني على طريقة "أوسلو"، ومطارات تنتهي مدرجاتها عند منشآت دخول البلاد، أو الخروج وفق نظامٍ محكمٍ لمراقبة الديموغرافية الفلسطينية، وكل شيء يخرج ويدخل، وله علاقة بالاقتصاد والسياحة وقائمة ممنوعات ستكون الأكبر.
وأشاع أنديك قصة المفاوضات السرية الفلسطينية الإسرائيلية، ورافقتها تسريبات كثيرة عن حلٍّ لقضية اللاجئين، وخصوصاً في الأردن، يقضي بتعويض الدول المضيفة والأفراد، وذلك وفقاً لاعتقاده أن "معظم اللاجئين يدركون أنهم لن يعودوا". وأثار هذا الكلام حفيظة أردنيين كثيرين، ويجري استغلاله سيفاً مسلطاً على التوافق الفلسطيني الأردني، ويهدف لانتزاع التنازلات وإشاعة القلق وهواجس الوطن البديل.
خامس ما روجه أنديك كلام كثير، مجرد كلام، عن قدسٍ جديدةٍ، انتزع منها كل معنى تاريخي وتراثي ورمزي، تضم أحياء حديثة التشكل وعشوائيةً، على أطراف القدس، تعلن عاصمة لما سيسمى دولة.
وفي تكتيكاته لانتزاع التنازلات العربية والفلسطينية، كرر المبعوث الأميركي، اليهودي الموالي لإسرائيل، لعبة المسارات، كما فعل في المفاوضات على المسارين، الفلسطيني الإسرائيلي، والسوري الإسرائيلي سابقاً عشية "كامب ديفيد" الثانية. وحاول استغلال ثلاثة مسارات متشابكة في فلسطين وسورية وإيران، يسميها أوباما مبادرات.
يريد أنديك الذي يؤمن بالمشروع الصهيوني، وشارك في المجهود الحربي الإسرائيلي في حرب أكتوبر تشرين أول عام ١٩٧٣، والداعم الكبير للوبي اليهودي "إيباك"، أن يقتنص حلاً يلبي المطالب الإسرائيلية، معتقداً أن ضعفاً عربياً ووهناً فلسطينياً يوفر فرصةً لاستسلام الشعب الفلسطيني، في اللحظة الأخيرة من عصرٍ يتحول، وسياسات عالميةٍ جديدةٍ، في طور التشكل.
في مفاوضات كامب ديفيد، وُضع الجانب الفلسطيني في "طنجرة ضغط"، للتوقيع على صفقة تنهي المطالب الفلسطينية كلها، ومنها عودة اللاجئين وتعويضهم، من دون "عرض حقيقي"، كما قال وزير خارجية إسرائيل في تلك المفاوضات، شلومو بن عامي.  
مجدداً، انتصر اللوبي الصهيوني اليهودي، ونجح في مقاومة اتجاه أميركي، وأصبح أكثر قوة في السنوات الأخيرة، ينادي بمصالح أميركا أولاً، لكنه لم ينجح في عهد أوباما في دفع الأميركيين للقتال، نيابة عن إسرائيل. 
يراقب أوباما قوس الأزمات يشتد توتراً في المنطقة المحيطة بفلسطين وإسرائيل، ويهز ركائز سياسات واشنطن الإقليمية، ويحذر من زمن مقبل، لا تستطيع واشنطن فيه حماية إسرائيل من سوء أفعالها، وربما من سوء مصيرها أيضاً. أمر لا يصدق الإسرائيليون أنه يقترب، بفعل سياساتهم العدوانية والقصيرة النظر.
 

 
EE3DB56E-644D-4BAF-AC50-8DEE70FD1A57
أحمد سيف

صحافي وباحث فلسطيني، عمل في الاعلام الفلسطيني في بيروت وقبرص، ودرَّس في جامعة بيرزيت مادة الاعلام، وأسهم في الكتابة حول القضية الفلسطينية في غير منبر عربي.