"الرّيح تلهثُ بالهجيرة كالجثام على الأصيل". أظنّ أنّه من الرّعونة أن أسألَك: كيف جئتَ بهذا المقطع؟ بالأحرى؛ بهذه المتتالية الصوتية؟ لكنّه، عزيزي السيّاب، لا يكفّ في كلّ مرّة عن إدهاشي؛ فقبل وصولي إلى آخر كلمةٍ فيه، يكون ريقي قد كاد يجفّ من الظّمأ.
كان هذا مطلع قصيدتك "غريبٌ على الخليج"، التي توقظنا صرخاتُك فيها من كوابيسنا الآن؛ إذ تُناديه وتُخاطبه في آن: "يا عراق".. لحظة، هل قلتُ كوابيس؟ لا، ليست كذلك، إنّه حقيقة، حقيقةٌ كذكراك هذه، حقيقةٌ كـ"الحب، كالأطفال، كالموتى".. كما العراق.
أكتبُ لك من حيثُ كنتَ أنتَ، لكنني أراوغ قائلاً: غريبٌ "في" الخليج. لا شيء يُذكر هنا، تمضي الأيّام من دون أن ننتبه إليها، طاحونةٌ كبيرةٌ تلتهم كلّ شيء، طاحونةٌ تدور، كما تلك الأسطوانة، لكن من دون مقاهٍ. ثمّة ملجأٌ نأوي إليه بين حينٍ وآخر؛ الأغنيات. وهنا، أتذكّر دائماً فؤاد سالم، مواطنك الذي مضى مقهوراً قبل عام، تاركاً وراءه الكثير من الأغاني، طبعاً "غريبٌ على الخليج" واحدةٌ منها: "واللقاءُ على يديّ.. هو العراق".
حسناً، لعلّها تداعيات تنسلُّ من دون وعي؛ لذا سأصمت، وأبحثُ عن سطحٍ في واحدةٍ من هذه المدن، أصعدُ إليه، لعلّي أرى الليل وهو يحتضنه العراق. لقد قُلتَ إنه أجمل هناك، وأنا أصدّقك.