غرداية تستعيد سلامها: انتشار أمني كثيف

10 يوليو 2015
خشية الانزلاق نحو أخطر فتنة عرقية ومذهبية(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد الجزائر خلية طوارئ وتحركات أمنية كثيفة بعد الأحداث الدامية التي شهدتها غرداية وخلفت نحو 22 قتيلاً، إذ تم إرسال تعزيزات عسكرية من القوات الخاصة إلى المدينة، أمس، بعدما قرر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وضع المدينة تحت سلطة الجيش، بالتزامن مع وصول رئيس الحكومة عبد المالك سلال في زيارة عاجلة إلى غرداية، فيما اعتقلت أجهزة الأمن 32 شخصاً متورطاً في الأحداث. 

اقرأ أيضاًفتنة غرداية... الجزائر تقترب من الطوارئ
وبعدما نقلت السلطات أكثر من ألفي عسكري من القوات الخاصة المدربة، إضافة إلى عدد كبير من قوات الدرك والأمن، بدأ الهدوء يعود تدريجياً إلى المدينة وأحيائها وبلداتها، فيما شنت القوات الأمنية حملة اعتقالات وتفتيش في المنازل، بحثاً عن المتورطين في الأحداث.
وقال الناشط الإعلامي الشيخ بلحاج نصر الدين إن الوضع في المدينة هادئ، لكن الحركة قليلة، وغالبية المحلات التجارية مغلقة، كما أن المصلين لم يلتحقوا بالمساجد أمس (أول من أمس) وبسط الجيش سلطته على أحيائها بعدما وضع الرئيس الجزائري المحافظة تحت سلطة الجيش وكلف قائد المنطقة العسكرية الرابعة عبد العزيز شريف، بالإشراف على كامل السلطات الإدارية والأجهزة الأمنية. كما كلفه بوضع خطة لإعادة الأمن والاستقرار في مدينة غرداية التي تشهد منذ الثلاثاء مواجهات عنيفة بين العرب والأمازيغ". وتابع أن الرئيس الجزائري كلف شريف كذلك "الإشراف على عمل مصالح الأمن والسلطات المحلية المعنية من أجل استتباب النظام العام والحفاظ عليه عبر محافظة غرداية".
ونشرت قوات الجيش حواجز في الأحياء السكنية وعند مداخل المدينة، وضربت طوقاً على منطقة القرارة وبريان لمنع هروب أي من المتورطين في الأحداث. كما بدأت أجهزة الأمن بجمع الصور وأشرطة الفيديو من المواطنين وكاميرات المراقبة لتحليلها وتحديد هويات المتورطين في الأحداث. واعتقلت أجهزة الأمن حتى مساء الخميس 32 شخصاً، بعد التعرف إلى هوياتهم.
من جهة ثانية، وجه الرئيس الجزائري أوامره إلى النيابة العامة ببدء تحقيقات وتحريات لكشف وتحديد كل شخص مسؤول أو متورط في عمليات القتل والتخريب التي طاولت المنطقة في الأيام الأخيرة. وكلف رئيس الحكومة ووزير العدل، الطيب لوح، بالسهر "على تكفّل النيابة العامة بسرعة وبحزم بكل خروقات القانون عبر ولاية غرداية لاسيما المساس بأمن الأشخاص والممتلكات"، بحسب ما جاء في بيان التكليف.

كذلك كلّف "الحكومة بالتكفل العاجل بعائلات الضحايا وتعويضهم وجبر أضرارهم" و"السهر على التسريع بتنفيذ البرامج المسطرة بهدف بعث التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعودة الأمور إلى مجاريها الطبيعية عبر إقليم ولاية غرداية".
إلى ذلك، دخل تجار الأمازيغ منذ أمس في إضرب مفتوح في غالبية المدن الجزائرية، وأغلقوا محلاتهم، وعلقوا عليها لافتات تدين الأحداث العنيفة، وتصفها بالإرهاب، وتنتقد تعاطي السلطات مع الأحداث وعدم صرامتها وجديتها في حماية الأمازيغ في غرداية. وكانوا قد نظموا في وقت سابق عدداً من التجمعات الاحتجاجية في العاصمة الجزائرية وبعض المدن، احتجاجاً على الانزلاق الخطير الذي تشهده الأوضاع في مدينة غرداية.
بدوره، جدّد مجلس أعيان منطقة القرارة، وهو مؤسسة عرفية مجتمعية أباضية، الطلب من الرئيس الجزائري التدخلَ بحزم ومتابعة تنفيذ كل القرارات المتخذة في الاجتماع الذي عقده بوتفليقة قبل يومين وضم كلا من رئيس الحكومة سلال ووزير الدولة مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أويحيى وقائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، وقائد جهاز الاستخبارات محمد مدين وقائد جهاز الشرطة الغني هامل، وقائد جهاز الدرك أحمد بوسطيلة.
وطالب المجلس بتوقيف جميع المتورطين في الأحداث وإحالتهم على العدالة، وحذّر من تفاقم الوضع وانزلاقه إلى مستوى أخطر مما هو عليه. وكانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قد أصدرت بيانا عقب الاشتباكات، أكّدت فيه أن الحوار أفضل سبيل لحقن الدماء في غرداية جنوب البلاد.
واستنكرت الرابطة مماطلة "الحكومة في حل مشكلة غرداية"، مع ارتفاع عدد القتلى. ودعت إلى "انتهاج الحوار كسبيل لحلّ الأزمة، معتبرة أن طاولة التفاوض الطريق الأوحد لتهدئة النفوس وترسيخ ثقافة التسامح والتعايش".

ورأت صحيفة "لا تريبون"، في عددها الصادر أمس، أن "الأزمة هي وجه من الوجوه التي تعبّر عن أزمة الدولة الوطنية التي لم تعمد إلى الاستفادة من خصوصية المناطق بل تجاهلت أشكال التنظيم الذاتي للأجداد".
وقتل 22 شخصاً في المواجهات العرقية والمذهبية التي تشهدها بلدات محافظة غرداية بين مجموعتين من السكان العرب والأمازيغ، استخدمت خلالها زجاجات "المولوتوف" والأسلحة البيضاء، فيما تم حرق منازل ومحلات تجارية. فيما دفعت أعمال العنف العشرات من العائلات إلى هجر منازلها والابتعاد عن مناطق المواجهات في الأحياء السكنية. وشكلت الأحداث في غرداية صدمة كبيرة، وهي تهدّد بانزلاق نحو أخطر فتنة مذهبية وعرقية تشهدها الجزائر منذ الاستقلال بين السكان العرب المنتمين إلى المذهب المالكي، والسكان الأمازيغ المنتمين إلى المذهب الأباضي. ويشكل المزابيون (مجموعة عرقية تنتمي إلى قبائل زناتة الأمازيغية) الأكثرية في المنطقة، وتعتبر غرداية المشهورة بهندستها المعمارية المميزة والمصنفة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، معقلهم، وهم يمارسون حياتهم وفق طريقتهم الاجتماعية الخاصة بهم.

اقرأ أيضاً: بوتفليقة يكلّف الجيش بوقف المواجهات في غرداية