غارقون في القذارات

17 نوفمبر 2014
الفساد أكلنا. لا صيانة ولا من يحزنون (فرانس برس)
+ الخط -
كلما هطل المطر، غرقنا. المطر الجميل الذي نصلّي طوال الوقت كي يكون غزيراً، يُغرقنا كلّما هطل. تطوف المسارب والمجاري كلما هطل لأن الفساد أكلنا. لا صيانة تصلها ولا من يحزنون.
كأنه الفيلم نفسه الذي تتكرّر مشاهده علينا عند كل مطر. تعلق الناس في الأنفاق وتعلو صرخات الاستغاثة. تغرق سيارات وتخسر الناس أرزاقها ووقتها وأعصابها. ففي بلادنا لا أحد يقوم بواجباته. لا الوزارات المختصة، ولا الإدارات المحلّية، ولا البلديات، ولا حتى المواطنون.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، هطل المطر غزيراً فوق المدينة فغرقنا بخيره. هذا العام تكرّر الأمر نفسه وغرقنا من جديد. وفي العام المقبل، إذا كنا ما زلنا في هذه البلاد، فسنغرق حتماً.
وكلما هطل المطر انقطع التيار الكهربائي عن المدينة وغرقنا في الظلام. وكلما هطل المطر، غزيراً أو رقيقاً، سينقطع التيار الكهربائي. ومن دون أن يهطل المطر حتى سينقطع التيار الكهربائي. نجلس في الظلام كي نلعن حظّنا العاثر. نعود إلى زمن الشمعة الذي ورثناه من الحرب وما تخلّينا عنه قط.

وكلما هطل المطر خسرنا كثيراً من إيماننا باليوم، ومن إيماننا بالغد. لأن المطر عندما يسقط على رؤوسنا فإنه يغسلنا من كل شيء ويُظهر فسادنا واضحاً. يقول وزير الصحة إننا نأكل القذارات. ويقول وزير البيئة إننا نشرب القذارات. وزير الأشغال لا يقول. كلما غرقنا في نفق أو وقعنا في حفرة أشار بالإصبع إلى سلفه وإلى الشركات المتعاقدة. الوزراء يخبروننا فحسب. يضحكون علينا. لكن شيئاً لا يتغيّر.

الحتميّة الوحيدة التي تحكم يومياتنا هي الانتظار. انتظار أن ينقضي الوقت لا أن يتغيّر الواقع. يعلو صوتنا كلما تعثّرنا. نشتم النظام وأهله ونشتم حالنا التي أوصلتنا إلى هنا. وننتظر.
ننقم على النظام الذي صنعناه بأيدينا وباركناه ومن ثم لعنّاه. لكننا لا نناقش ولا نتحرّك. لم نتعلّم يوماً أن نقوم بهذين الأمرين. ولا نعد أنفسنا بشيء. لأن شيئاً لن يتغيّر.

الحقيقة أننا لم نغرق عندما هطل المطر الأخير. لقد غرقنا بالفساد حتى آذاننا منذ أمدٍ بعيد. غرقنا عندما اكتفينا بدور المشاهدين في البلاد التي تنهار ولم نحرّك ساكناً. غرقنا عندما فكّرنا بمصالحنا الضيقة ونسينا مصيرنا المشترك. غرقنا عندما وضعنا القوانين وتلذّذنا بخرقها. غرقنا عندما قرّرنا بإرادتنا أننا لا نريد أن نكون مواطنين في دولة.

وغداً عندما ينحسر مطر السماء سنكون كالعادة قد نسينا كل شيء. وسيعود الوزراء لممارسة هوايتهم المفضّلة من جديد: الضحك في وجوهنا.
المساهمون