غارة الشجاعية: الاحتلال يغيّر قواعد الاشتباك مع الطائرات الورقية

18 يونيو 2018
تزايد عدد مطلقي الطائرات الورقية أخيراً (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
مع اتساع رقعة الحرائق والأضرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة المحاذية لقطاع غزة المحاصر، أو ما يطلق عليه إسرائيلياً "غلاف غزة"، الناتجة عن الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي يطلقها الغزيون باتجاه المستوطنات، غيّر جيش الاحتلال من قواعد التعامل مع هذه الظاهرة، وذلك بعد سلسلة من التهديدات التي أطلقها أيضاً قادة الجيش وكذلك المستوى السياسي في دولة الاحتلال لمطلقي هذه الطائرات.

وفي الأسبوع الأخير، نفّذت طائرات استطلاع إسرائيلية هجمات عدة ضدّ مطلقي الطائرات الورقية والبالونات الهوائية عبر قصف مناطق قريبة من مطلقيها. ورغم ذلك القصف، إلا أنّ تغيير قواعد الاشتباك بين الطرفين بدأه الاحتلال بشكل تدريجي كما يبدو. وحصل آخر الردود الإسرائيلية غير المسبوقة على مصادر الطائرات الورقية الحارقة، فجر أمس الأحد، عندما قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن إحدى طائراته قصفت سيارة تابعة لشخص في حي الشجاعية، أرسل طائرات ورقية حارقة إلى مستوطنات غلاف غزة.

ولم يكن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف بشكل مباشر مطلقي الطائرات والبالونات المحملة بالمواد الحارقة، بل يستهدف الأراضي التي بجوارهم لمنعهم من إطلاقها، في إشارة إلى أنّه لا يريد أنّ يتسبب في قتلهم، ومن ثمّ الذهاب إلى جولة جديدة من العدوان على القطاع والردّ منه بالصواريخ. غير أنّ غارة فجر الأحد على السيارة التي يدّعي الاحتلال انطلاق طائرة ورقية منها، يشكّل تغييراً في قواعد الاعتداءات الإسرائيلية على الظاهرة البدائية التي تمعن في إزعاج الدولة العبرية.

وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان، قال في وقت سابق إن "الحرائق التي تسببها الطائرات الورقية هي محاولات قتل، مما يتطلب إطلاق النار باتجاه من يطلقها، لأن آثارها المدمرة تطاول الحقول الزراعية في معظم مستوطنات غلاف غزة".

ورغم ذلك، يواصل الفلسطينيون إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة المعبأة بالهواء إلى الأراضي المحتلة. وسُجّل في اليومين الأخيرين تزايداً في هذه الظاهرة، مع ما يرافقها من الأذى الذي تلحقه بأراضي المستوطنين الزراعية وبالمناطق الحدودية.

وعلى عكس هدف الاحتلال الإسرائيلي من تغيير قواعد التعامل مع مطلقي الطائرات والبالونات الحارقة، تزايد عدد مطلقيها بشكل ملحوظ في الأسبوعين الأخيرين، وشُكّلت لأجل ذلك مزيد من الفرق الميدانية من قبل المتظاهرين للقيام بهذه المهمة السهلة، رغم التهديدات الكثيرة التي أطلقها مسؤولو الاحتلال على المستويين الأمني والسياسي.


وبدأت الفكرة لدى الفلسطينيين بعد أسبوعين من انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار، والتي انطلقت بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من مارس/آذار الماضي، ولا تزال مستمرة، وتأخذ أشكالاً جديدة من العمل السلمي.

ويقوم شباب فلسطينيون بصناعة الطائرات الورقية من الأوراق والخيوط وبعض الأخشاب الصغيرة ويتم وضع شُعلٍ ومواد حارقة في ذيلها الذي يكون طويلاً، وبعد مسافة معينة يتم قطع الخيط الواصل بينها وبين مطلقها ومن ثم تساعد الرياح غالباً في وصولها إلى عشرات الأمتار داخل الأراضي المحتلة.

وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والأسير المحرر، رأفت حمدونة، في دراسة عن الطائرات الورقية أصدرها "مركز الأسرى للدراسات"، إنّ على قادة الاحتلال أن يدركوا أن كل سياسات التهديد والوعيد لن تتمكّن من احتواء هذه الظاهرة والنقلة الإبداعية في المقاومة السلمية، ولن يجدوا حلا اقتصادياً ولا سياسياً ولا عسكرياً ولا تكنولوجياً للسيطرة عليها".

ويوضح حمدونة أنه "مهما تكن القيود والحصار، فالشعوب قادرة على تخطيها، وبإرادتها الحرة تستطيع أن تقلب الموازين بأقل الإمكانات. هذه حقيقة تاريخية إنسانية"، مضيفاً أنّ "ما نراه في الحالة الفلسطينية يبشّر بنموذج فريد من المقاومة السلمية سوف تؤتي ثمارها ولو بعد حين".

لكن الملاحظ محاولة المسؤولين الإسرائيليين الربط بين مطلقي الطائرات والبالونات وبين مطلقي القذائف الصاروخية، وفي هذا إشارة إلى توسيع دائرة الاستهداف تدريجياً وربما الوصول لمرحلة الاغتيال المباشر.

ويعتقد فلسطينيون كثر أنّ الاحتلال يضخّم من أضرار هذه الطائرات وما تحدثه من أجل تصعيد الموقف واستجلاب استعطاف دولي معه للضغط على غزة ووقف هذا الأمر، لكن على الأرض لن يحصل ذلك قبل إحداث تغيّر جذري في الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المتدهورة في القطاع المحاصر منذ أكثر من اثني عشر عاماً.

ولا يبدو أنّ منظّمي مسيرات العودة وكسر الحصار سيتراجعون في ظلّ التهديدات الإسرائيلية المستمرة، وفي ظلّ ما يمكن وصفه بتراجع العروض الدولية عن إحداث تغيير حقيقي في الأوضاع المتدهورة بالقطاع، وربط إسرائيل أي تسهيلات لغزة بمصير جنودها لدى حركة "حماس".

دلالات