"كُتب عليّ صيام نهار رمضان وليله، إذ لا أستطيع توفير قوت يومي، وأعتمد على ما أبيعه من مقتنيات خاصة بأسرتي، أو ما أستطيع اقتراضه من الأقرباء والأصدقاء الأفضل حالاً". هكذا يصف عامل البناء اليمني، محمد الحميدي (42 عاماً) أوضاعه المعيشية، ومصدر دخله في ظل الحرب التي أوقفت عمله، كعامل بسيط في قطاع البناء.
بحزن وقلق يروي الحميدي لـ"العربي الجديد"، ظروفه وظروف أسرته الصعبة منذ اندلاع الحرب في 26 مارس/أذار الماضي، ويقول "منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي، والأعمال في تراجع مستمر"، مشيراً إلى أن أغلب الناس أوقفوا أعمال البناء المختلفة خوفاً من تداعيات الحرب، وبعد توقف قطاع البناء وحركة الاستثمار في العقارات على مختلف المستويات.
يضيف الحميدي أنه رغم مستويات البطالة المرتفعة التي كانت تسود اليمن قبل العام الماضي، كان آلاف عمال البناء يصطفون في أهم تقاطعات المدن الرئيسية، على أمل إيجاد فرصة عمل، لكن وبعد دخول الحوثيين العاصمة نهاية العام الماضي، فقد هؤلاء أي أمل بفرص عمل مع انهيار قطاع البناء.
وجاء قرار الحوثيين بإعلان التعبئة العامة، وتسخير كل موازنة البلاد من أجل المجهود الحربي على المناطق الجنوبية والوسطى، ليوقف رسمياً كافة المشاريع والمناقصات الخاصة بالبناء والصيانة التابعة للحكومة، ما انعكس سلباً على المقاولات وأعمال البناء في اليمن.
ويضيف الحميدي أن الأوضاع ازدادت سوءاً مع بدء قصف مقاتلات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على العاصمة صنعاء ومدن أخرى.
أمّا العامل في مجال التسليح خليل البعداني (33 عاماً)، فقد غادر العاصمة صنعاء إلى قريته في محافظة إب (وسط) بعدما تقطعت به السُبل في ظل التوقف التام في أعمال الخرسانة.
ويقول لـ "العربي الجديد" "كنت أعمل في صبّ الخرسانة في مشاريع بناء المدارس والمراكز الصحية وغيرها التابعة لبعض المؤسسات التنموية الحكومية والدولية، لكن حدث أن أغلق البنك الدولي وسفارات الممولين أبوابها في فبراير/شباط الماضي، لتوقف تلك المؤسسات أغلب مشاريعها بسبب انعدام التمويل بحسب المقاول. ومنذ ذلك الوقت لم أحصل على عمل"، باستثناء يوم عمل واحد حصل مقابله على ثلاثة ألاف ريال يمني (14 دولاراً أميركياً)، لافتاً إلى أن هذا المبلغ يكفي لتأمين الغذاء ليوم واحد فقط.
ويوضح البعداني بأنه اضطر للعودة إلى قريته، لتوفير ما يخسره في معيشته بصنعاء وهو عاطل عن العمل، "لدي مزرعة ومنزل في القرية يسكن فيه سبعة من أفراد أسرتي، والبقاء هناك حتى انتهاء الحرب يوفّر علي ما أصرفه في صنعاء يومياً على الغذاء والسكن والتنقل".
كذلك هو الحال بالنسبة للشاب سليم السامعي الذي لا يمتلك أي مهارة في البناء سوى حمل الرمل والطوب إلى الأدوار العلوية، فقد عاد إلى قريته بعد أربع سنوات في العمل في البناء في صنعاء.
ويقول السامعي "يساعدني إخوتي على توفير الغذاء، لكني أعمل الآن في حمل الأحجار والرمل في القرية بنصف ما كنت أتقاضاه في المدينة، لكن هذا الأجر يؤمن أقل ما يمكن من متطلبات الأسرة من الغذاء الأساسي".
الجدير بالذكر، أن قطاع المقاولات يشغل قسماً كبيراً من العمالة اليمنية في مختلف المجالات المعتمدة عليه، ويعاني من توقف البرنامج الاستثماري للحكومة منذ عام 2010، إضافة إلى إيقاف الحكومة صرف مستحقات المقاولين والاعتمادات المالية للمديريات في هذا القطاع، ما يضطر المقاولين والجهات المنفذة إلى إيقاف أعمالهم وتسريح عمالتهم.
وكانت الحكومة اليمنية أكدت ارتفاع نسبة الفقر في البلاد بمقدار 9 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إذ يعاني اليمنيون من صعوبة شديدة في التكيف مع تلك المتغيرات، بالنظر إلى خروج 60 في المائة من القوى العاملة إلى رصيف البطالة، وانخفاض الأجور خلال نفس الفترة، بحسب نائب رئيس الاتحاد العام لعمال اليمن.
اقرأ أيضاً: عمّال بناء المواطَنة