عين العرب تصحو على نكبة بعد دحر "داعش"

30 يناير 2015
دمار هائل خلفته أشهر من المعارك في المدينة(إسبر أيايدين/الأناضول)
+ الخط -
لا يمكن لفرحة الانتصار على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في عين العرب (كوباني)، أن تحجب الأوضاع المزرية التي باتت عليها هذه البلدة بعد ما يقرب من أربعة أشهر من المعارك الطاحنة، والتي خلفت مئات القتلى من الجانبين، فضلاً عن تدمير أكثر من نصف منازل البلدة التي كان يقطنها نحو مئتي ألف نسمة نزحوا جميعاً إلى تركيا.

ورغم إدراكهم لدمار منازلهم وانعدام سبل الحياة في بلدتهم، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا أية خدمات أخرى، فإن المئات من سكان المدينة لا يزالون يحتشدون على تخومها في الجانب التركي، بانتظار السماح لهم بدخولها. غير أنّ السلطات التركية تمنعهم من العبور، بانتظار استكمال تطهير المنطقة من مخلفات الحرب، وإعادة حدّ أدنى من الخدمات إليها، وهو ما أيّدته السلطات المحلية في البلدة، التي ناشدت السكان التريث في العودة إلى حين استكمال تأمين البلدة وتفكيك الألغام والقنابل التي لم تنفجر، أو تلك التي يمكن أن يكون عناصر "داعش" قد زرعوها قبل انسحابهم، فضلاً عن سحب ودفن عشرات الجثث من عناصر التنظيم التي لا تزال تحت الأنقاض.
وتبلغ مساحة عين العرب حوالى سبعة كيلومترات مربعة. وفي الطريق إليها، احتل التنظيم منذ 16 سبتمبر/أيلول أكثر من 350 قرية وبلدة في محيطها. وتمكّنت "وحدات حماية الشعب"، وهي القوة الرئيسية التي قاتلت التنظيم خلال الفترة الماضية، من السيطرة على بعض القرى مثل حلنج جنوب شرق عين العرب، بينما تتواصل الاشتباكات مع "داعش" في مناطق أخرى جنوب غرب المدينة وجنوب شرقها، حيث هناك مجموعات من عناصر التنظيم محاصرة في قرى في الريف الجنوبي الغربي للمدينة، مع تواصل غارات طيران التحالف الدولي على محيط المدينة.

نصف المدينة مدمر
وقال نائب وزير خارجية مقاطعة عين العرب (الإدارة الذاتية) ادريس نعسان، إن السلطات المحلية تطلب من الناس التريث في العودة إلى منازلهم، لأن "نصف المدينة على الأقل مدمر. ونطلب منهم عدم التوجه إلى المدينة على الفور بسبب غياب الحاجات الأساسية. لا يوجد طعام ولا أدوية، ولا كهرباء ولا ماء".

وتابع "نحتاج إلى مساعدة وإلى خبراء في إعادة الإعمار، كما نحتاج إلى أسلحة لمتابعة المعركة"، مشيراً إلى أن الحكومة المحلية قد توجه نداءً إلى المجتمع الدولي للمساعدة.
وإذا كان المجتمع الدولي، ممثلاً بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قد سارع إلى تقديم مساعدة فعّالة إلى الأكراد في حربهم ضدّ تنظيم "الدولة"، كان لها الأثر الحاسم في دحر التنظيم خارج المدينة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت القوى الدولية والإقليمية لديها الاستعداد نفسه لتقديم مساعدة مماثلة على صعيد إعادة الإعمار، خصوصاً في ظل واقع أن معظم المدن السورية مدمرة، وتحتاج، بدورها، إلى إعادة إعمار.
وقد تم تشكيل مجموعتين لإعادة الإعمار في عين العرب، إحداهما تابعة للإدارة الذاتية الكردية، والثانية مستقلة، غير أنّ دخول مواد البناء إلى المدينة والتمويل وعملية إعادة الإعمار برمتها تحتاج إلى رعاية دولية.
ولعلّ أبرز الجهات المرشحة للمساهمة في إعادة إعمار المدينة إقليم شمالي العراق، الذي سبق أن أرسل مقاتلين للقتال ضدّ التنظيم في "عين العرب"، إضافة إلى تركيا التي تستضيف كل اللاجئين من المدينة وقراها، وربما ترغب في تسريع عودتهم إلى ديارهم، على الرغم من اعتراضها العلني والمتكرر على مسألة الادارة الذاتية للأكراد التي تتخوف من أن تكون مقدمة لقيام كيان كردي منفصل، يشكل إلهاماً لأكراد تركيا الذين يزيد عددهم عن 15 مليون نسمة.

الإدارة الذاتية الكردية
وهذا الهاجس هو أول ما خطر في بال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال تعليقه على تمكن الأكراد من استعادة مدينة عين العرب، إذ جدد رفض "قيام حكم ذاتي كردي في شمال سورية على غرار الإقليم الكردي في شمال العراق، ويجب أن نحافظ على موقفنا الرافض من هذا الموضوع، لأن هذا الكيان سيكون مصدر مشاكل كبرى في المستقبل".
وكان هذا الموقف محل انتقاد وتشكيك من جانب العديد من القوى الكردية، باستثناء رئيس إقليم شمال العراق، مسعود بارزاني، الذي أثنى على "الدور الكبير الذي لعبته تركيا في تحرير مدينة عين العرب".
وفي هذا السياق، يقول الصحافي التركي أوكتاي يلماظ، لـ"العربي الجديد"، إنّ لدى تركيا مخاوف من أن تؤثر إقامة كيان كردي شبه مستقل في شمال سورية، على مواطنيها الأكراد، إذ هناك نزعات انفصالية عند بعضهم، خصوصاً أولئك المتأثرين بحزب "العمال الكردستاني" الذي لا يزال يحتفظ بسلاحه برغم عملية السلام الداخلي في تركيا ولديه مطالب انفصالية.
ويضيف يلماظ أن حزب "الاتحاد الديمقراطي" الموجود في سورية هو امتداد لحزب "العمال" في تركيا، و"لديه نفس النزعة الشوفينية الانفصالية الاستبدادية، وهو بهذا يشبه الأحزاب البعثية العربية، إذ قام بطرد جميع الفصائل الكردية التي تخالفه في الموقف، ولذلك فإن تركيا تعتبره تنظيماً إرهابياً".

وأعرب عن اعتقاده بأنه "على المدى المتوسط والبعيد هناك مخططات غربية وكردية لقيام كيان شبه مستقل في شمال سورية يتحالف مع الإقليم الكردي في شمال العراق، ومن ثم توحيد هذه المناطق مع مناطق في جنوبي تركيا لإقامة كيان كردي منفصل يصل إلى سواحل البحر المتوسط".
وأكد أنّ تركيا غير مطمئنة إلى النيات الأميركية، إذ شجّعت واشنطن على إقامة كيان كردي في شمال العراق رغم معارضة تركيا، إضافة إلى أن الموقف التركي المبدئي المعارض لتمزيق سورية، والداعي إلى الحفاظ عليها كدولة موحدة.
وحول إمكانية مساهمة تركيا في إعادة إعمار عين العرب، قال يلماظ إن هذه المساهمة لا بد أن تكون في إطار تفاهمات معينة، بحيث لا يتم تسليم المنطقة إلى جهات معادية لتركيا أو لا تثق بها، مشيراً إلى أن أنقرة أجبرت "الاتحاد الديمقراطي" على قبول دخول مقاتلين أكراد من شمالي العراق ومقاتلين من الجيش الحر إلى عين العرب، لكي تكسر تفرد حزب "الاتحاد الديمقراطي" في تلك المنطقة.
ولعل طريقة إدارة مدينة عين العرب من قبل القوى الكردية المسيطرة، ستكون هي المحك للموقف التركي، الذي يحظى بأهمية كبيرة في مستقبل المدينة وكيفية تطور المسألة الكردية في سورية.
من جهة ثانية، فإنه رغم الصدامات التي جرت أخيراً في الحسكة بين مقاتلين أكراد وقوات النظام السوري، غير أن شبهة التعاون مع النظام لا تزال تلاحق الأكراد، أو جزءاً منهم. وفي آخر التسريبات أن هناك وعوداً روسية بانتزاع اعتراف دستوري من النظام السوري بهيئة الإدارة الذاتية، قُدّمت للاتحاد الديمقراطي الذي يشارك في الحوار مع النظام بموسكو.
وحول هذه النقطة، يقول عضو لجنة العلاقات العامة في حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، ابراهيم مسلم، لـ"العربي الجديد" إنه لا يعرف شيئاً حول هذه الموضوع، ولكن الروس وعدوا بأن يقفوا إلى جانب حقوق الشعب الكردي، لكنه لفت إلى أن الروس تاريخياً لعبو أداوراً مخزية بحق الشعب الكردي، وحتى مرحلة تسليم عبد الله اوجلان، لعب الروس دور حصان طروادة، على حدّ تعبيره.
المساهمون