عيدٌ للمرأة السورية
عرض تلفزيون أورينت، قبل أيام، تقريراً بعنوان "متطوعات علويات يقدّمن خدمات ترفيهية لـ1300 جندي روسي ويطالبن بطبيبة نسائية مختصة"! اعتبره كثيرون بمثابة الفضيحة والتحريض الإعلامي، وفنّده الناشط السوري، رامي سويد، على صفحته على "فيسبوك"، وبيّن كيف تمّت فبركته. وقال السوريون الذين رفضوا أسلوب "أورينت" هذا، إنه لا يختلف عن فبركة فضائية الميادين جهاد النكاح ذات يوم. للفبركتين الأسلوب التحريضي المهين نفسه، والأداء الأخلاقي نفسه في التعامل مع الخصم أو العدو، وهو ما استنكره كثيرون، معتبرين أن استخدام الأساليب التحريضية نفسها هو تماهٍ مع المنظومة الأخلاقية المتدنية لدى إعلام النظام وحلفائه. والحال، أن من سيخطر له أن يفنّد مجموعة الأكاذيب التي اعتمدها النظام وحلفاؤه عن الثورة، ثم قلّدته بها مجموعات إعلامية تدّعي الثورية، عن النظام، سيحتاج لعمل بحثي مكثف، تقوم به مجموعة خبراء متمرسين بالتقصّي عن الحقائق، وأخصائيين نفسيين، لفهم كيف يفكّر القائمون عليها، وما هي النتائج (العظيمة) التي يمكن أن تخلّفها ظواهر كهذه، عدا زيادة منسوب التحريض ومنسوب الكراهية، وقطع كل طريق يؤدي إلى إعادة لم شمل المجتمع السوري الذي تم تفتيته وتشويهه، والتنكيل بجميع مكوناته، على أن الأكثر إثارةً للقرف استخدام الطرفين نساء الطرف الآخر سلاحاً من أسلحة هذه الحرب اللاأخلاقية.
لم يترك النظام وحلفاؤه سيدة أو شابة، سواء من البيئات الحاضنة للثورة أو اللواتي من خارج هذه البيئات وأعلَنَّ انضمامهنّ للثورة، إلا وطعن بها وبأخلاقها، وشهّر بسمعتها، واتهمها بأشنع الصفات والأوصاف. لم تسلم أية سيدة أو شابة من هذا، تعرّضن جميعهن لانتهاك سمعتهن. لم يكن حال إعلام الثورة والصفحات الثورية، بأحسن من حال النظام وحلفائه، كل من تنتمي لإحدى البيئات الحاضنة للنظام، أو اللواتي من خارج هذه البيئات، وأعلنّ انحيازهن للنظام، تعرّضت لما تعرّضت له نساء الثورة، طعن بالأخلاق والتاريخ، انتهاك للسمعة، والاتهام بأشنع الأوصاف والصفات، بسياقٍ مشابهٍ تماماً لسياق النظام. ولا يختلف عنه إلا بما هو أشد سوءاً، إذ تعرّضت سيدات الثورة وشاباتها لانتهاك السمعة والطعن بالأخلاق نفسيهما ممن يفترض أنهم في الخندق نفسه.
يكفي أن تكتب امرأةٌ ما رأياً مخالفاً للسائد (الثوري)، حتى تصبح عرضةً لكل ما يمكن أن تتعرّض له امرأة في المجتمع الشرقي. وإذا كان المخالف للسائد ذكراً، فهذا يعني أنه وضع كل نساء عائلته بين أنياب غيلان (الثورة) ليبدأ النهش والتمزيق. أي خلاف بالرأي على صفحات "فيسبوك" حول أي شأن، أو أية وجهة نظر، يعرضها أحد يخالف فيها وجهة نظر أخرى، هذا سيؤدي، بالضرورة، إلى مجموعة شتائم تستهدف المخالف، عبر أمه وزوجته وشقيقته وابنته وعمته وخالته وجدته، إلى آخر سلالته النسائية، في امتهانٍ لكل ما يمت للأخلاق الإنسانية بصلة. أما الأكثر إثارة للمهانة، فهو حين تستخدم النساء منظومة الشتم والإساءة نفسها ضد أخريات وآخرين، ولا أتحدث عن شبّيحات النظام السوري هنا، بل عمّن يقدمن أنفسهن ناشطات ثوريات، إسلاميات وعلمانيات وبيْن بيْن. ولا يقتصر الأمر على الشتائم، بل على تحقير نساء آخريات لمجرد الاختلاف معهن بالرأي، وهو ما يثير الاستغراب حول فهمهن الثورة، وحول آلية تعاملهن مع أنفسهن نساءً يستعرن ذكورة مريضة ومشوّهة أصلاً، من دون أية لحظة تأمل بمعنى الأنوثة وماهيتها!
قبل أيام، تعرّض شاب سوري، انتقد ظاهرة الحجاب والنقاب في بيئات الثورة، إلى وصلة شتائم مذهلة، شارك فيها كثيرون ممن يقدمون أنفسهم علمانيين، كان الأفظع فيها شتيمة طالت أم الشاب، تركتها إحداهن على صفحته، يعجز أي سوقي مبتذل عن التفوّه بها! المدهش أن هذا كله، بما فيه التقرير الذي عرضته "أورينت"، تزامن مع اليوم العالمي لحقوق المرأة، والذي تحوّل على صفحات السوريين إلى يوم مديح بالمرأة السورية التي ينتهكها الجميع كل يوم.
ثمّة خبر آخر، مرّ مرور الكرام على صفحات السوريين، يوم المرأة العالمي: طفلة سورية، في مدينة غازي عنتاب التركية، بعمر الخامسة عشرة تنتحر ببندقية صيدٍ، إثر طلاقها!