لا يزال الجميع يتساءل: ما الذي يريد النائب ميشال عون إثباته من تظاهرة يوم الجمعة؟ هو زعيم طائفي كغيره من الزعماء اللبنانيين القادرين على الحشد وإنزال الناس إلى الشارع. وهو أيضاً أكبر قوة برلمانية (27 نائباً من أصل 128) وحكومية (4 وزراء من 24 وزيراً) وليس بحاجة لإثبات أنّ له جمهوراً عريضاً. حتى أنه ليس بحاجة للتأكيد على نفوذه وتأثيره السياسيين في شلّ البلد، باعتبار أنه عطّل كل المؤسسات الدستورية، من خلال منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتعطيل العمل التشريعي في مجلس النواب، بالإضافة إلى الشلل الذي فرضه على الحكومة منذ شهرين. وبالتالي فإن لا نقاش حول هذه القدرة والقوة وإمكانية الحشد.
بعيداً عن لغة الأعداد والأرقام، لا دافع لنزول جمهور عون إلى الساحة إلا في كون هذا التيار شَعر بالغيرة من عشرات آلاف اللبنانيين الذين تظاهروا احتجاجاً على الفساد والمحاصصة والسلطة التي عون جزء منها.
تيار عون اعتاد، منذ تكوينه، على السعي الدائم إلى تبني كل شيء ورفضه في آن. ضد السلاح المتفلّت لكن مع سلاح حزب الله. ضد الطائفية لكن مع القانون الأرثوذكسي. ضد الإقطاع السياسي لكن مع توريث رئاسة التيار الوطني الحر لصهر عون، وزير الخارجية جبران باسيل. ضد الأحزاب التقليدية لكن مع أساليب عملها التنظيمية والعامة. مع بناء الدولة والمؤسسات لكنه يعطلها. مع الحرية لكن مع بشار الأسد. مع العسكر لكن ضد القمع. مع قانون محاسبة سورية في واشنطن لكن ضد الهيمنة الأميركية على العالم.
يعتقد البعض أنّ الإهانة التنظيمية التي وجهها عون لمحازبيه، من خلال إلغاء الانتخابات داخل تياره وتعيين صهره رئيساً عليهم، دفعته إلى نزول الشارع بهدف شد العصب بين ناسه. لكن فعلياً، كل ما يقوم به عون هو ضرب حراك بيروت من خلال إثبات قدرة أصغر الأطراف الطائفية على احتلال الساحات. ليكتمل هجوم السلطة على حراك بيروت، من هجوم سياسي وأمني إلى هجوم شعبي. فعون اليوم ضد المحاصصة لكن مع اقتسام الغنائم. ضد الفساد لكن موجود في السلطة. مع ولكن، ضد ولكن، أي مع وضد في آن معاً، وهذا تعريف بسيط للأحزاب السلطوية.