03 اغسطس 2022
عون احتياطاً عربياً لإيران
يمارس الرئيس اللبناني، ميشال عون، عهده الرئاسي بأريحية واضحة، مستفيداً من الدعم الواسع الذي لقيه عند انتخابه، سواء على الصعيد الداخلي أو في الخارج. يمارس الحكم على طريقته بشكل مباشر وشخصي جدا، لا يغيب عنه تاريخه وتربيته العسكرية. يتابع عن قرب الملفات والمشكلات العالقة، ويحسم في طرق معالجة بعضها الآخر، علما أنه أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين، تتقدمهم ابنته البكر، فهو يطمئن من يلتقيه من سياسيين ووفود اقتصادية وقطاعية وشعبية مختلفة، مكثرا من الوعود القاطعة. فهو ورث ملفات جد شائكة ومعقدة، تبدأ بملف الفساد المخيف والمتفشي بقوة، مرورا بالوضع الاقتصادي المأزوم، ولا تنتهي بأشدها استعصاء على الحل، أي قانون انتخاب عصري يصحح عدالة التمثيل قبل فوات المهلة الدستورية. ومع ذلك، يعلن ويجزم بما يريد، ويطلق مواقف في السياسة الداخلية والخارجية، ليست كلها من صلاحياته، عملا بنظرية "الرئيس القوي" المحببة على قلبه.
عدا عن أنه حقق حلما انتظره 27 سنة، فإن الجنرال عون يريد أن يثبت أنه، بأدائه وقوة التعبير عما هو مقتنع به، قادر أن يستعيد مركز القرار في السلطة إلى رئاسة الجمهورية (المارونية)، عبر استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتزعت منه في اتفاق الطائف عام 1989، بعد نحو خمس عشرة سنة من حروب واقتتال داخلي بين مختلف الأفرقاء السياسية والطائفية. وهو مصمم على "استعادتها"، على الرغم من إعلانه يوم انتخابه، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التزامه اتفاق الطائف في خطاب القسم. وهو يخوض اليوم معركته رافعا شعار "الإصلاح والتغيير"، انطلاقا من إعادة صياغة قانون انتخابي يجسد صحة التمثيل، علما أن المسألة تتخطى رغبته، وتمس بوجود القوى السياسيو- طائفية ودورها وموقعها في السلطة وتركيبة النظام اللبناني.
وعلى الرغم من ذلك، يخوض الكباش، ويمارس دور الرئيس والمشرّع والسياسي، ويحاول
حشر البرلمان والحكومة والنواب وقادة الأحزاب جميعا، فقد أعلن رفضه قانون الانتخاب المعمول به حاليا، والساري المفعول منذ عام 1960، وإن مع بعض التعديلات، ورفضه، في الوقت عينه، التمديد للبرلمان، على الرغم من أنه لم يتم إقرار قانون آخر بديل إلى غاية اليوم. ويصر، في المقابل، على اعتماد نظام يقوم على النسبية، ولا يجد حرجاً في الجزم بأنه يفضل الفراغ على التمديد لمجلس النواب. وهو الذي سبق وفرض الفراغ سنتين ونصف السنة في موقع رئاسة الجمهورية، بدعم من حزب الله، ما لم يتم انتخابه هو رئيسا. ثم يذهب إلى حد طرح فكرة الاستفتاء التي لا يلحظها الدستور(!).
وينسحب "النهج العوني" في ممارسة الحكم على أكثر القضايا الخلافية، داخليا وعربيا، فعشية قيامه بزيارة رسمية إلى مصر، فجر عبر قناة "سي بي سي" المصرية قنبلة من العيار الثقيل، معلنا من موقعه رئيساً للجمهورية شرعنة سلاح حزب الله بقوله: "طالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية، فنحن نشعر بضرورة وجود سلاح حزب الله، لأنه مكمل لعمل الجيش، ولا يتعارض معه". كلام أثار عاصفة ما زال يتردد صداها عربيا، قبل أن تفعل فعلها على الصعيد الداخلي. إذ كيف لقائد الجيش السابق ورئيس الجمهورية الحالي أن يعتبر جيش بلاده الشرعي ورمز السلطة وسيادتها عاجزا عن حماية البلد، وأن لبنان يحتاج إلى مليشيا لكي تدافع عن أراضيه؟! فحزب الله مليشيا غير شرعية في نظر قسم كبير من اللبنانيين، وتنظيم إرهابي بنظر عرب كثيرين وفي الخارج، وخصوصا لدول الخليج التي كانت السباقة في مباركة انتخاب عون رئيسا ودعمه، وإقناع سعد الحريري بتبني ترشيحه، علما أن عون دشن عهده بقيامه بأول زيارة عربية إلى السعودية التي كانت قد قاطعت لبنان، وجمدت مساعداتها وهبات بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، احتجاجا على دور حزب الله في لبنان، وتدخله العسكري في شؤون الدول العربية، من سورية إلى العراق واليمن.
كما أن شرعنة رئيس الجمهورية سلاح حزب الله تبدو كأنها تسليم أيضا بدوره في سفك دماء الشعب السوري، وتهجير أبنائه، وقبله الشعبين العراقي واليمني. ناهيك عن استعمال سلاحه ضد اللبنانيين في أكثر من مناسبة، وخصوصا في 7 أيار/ مايو 2008، عندما اجتاح بيروت واقتحم الجبل. على الرغم من أن الرئيس - الجنرال الذي كان يومها إلى جانبه، ينكر ذلك في حديثه إلى القناة المصرية. واستطرادا، يبدو عون على تناغم أيضا مع موقف حزب الله في سورية، عندما يؤكد أن رحيل بشار الأسد سيغرق سورية في الاقتتال والفوضى، وكأن مئات آلاف القتلى الذين سقطوا حتى اليوم إنما سقطوا بسبب كوارث طبيعية.
وخلال زيارته القاهرة، زار عون أيضا جامعة الدول العربية، وقال فيها كلام رئيس جمهورية
لبنان، داعيا إلى توافق العرب وتضامنهم، وطارحا نفسه وسيطا وراعيا هذا التوافق والمصالحة العربية، غير أن حليفه أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، انبرى بعد ذلك ليصب الزيت على الجسر الذي مده عون باتجاه ترميم العلاقات العربية التي يسعى إليها رئيس الجمهورية، عبر شنه هجوما على السعودية، واتهمها برعاية الإرهاب، وبأنها هي من صنع "داعش" بالتكافل والتضامن مع الولايات المتحدة وإسرائيل! فعن أي دور يسعى عون للبنان، وعن أي موقف حيادي وعدم انحياز في الخلافات العربية تكلم في خطاب القسم، وكرّره في جامعة الدول العربية وفي مقابلاته الصحافية؟ وهل نصب حزب الله فخا لحليفه الجنرال؟ وهل هذه هي السياسة التي يريد أن ينتهجها العهد الجديد، والتي سيعيد من خلالها بناء دولة المؤسسات وسيادة القانون عبر تشريع سلاح مليشياوي خارج سلطة الدولة؟ ومن يعتقد أنه سيكون نصيره في عملية الإصلاح، إذا كان قد نكث بكل الاتفاقات والوعود التي أطلقها عشية انتخابه؟ أما حزب القوات اللبنانية، حليفه المسيحي الأساسي الذي بنى كل خطابه السياسي على رفض السلاح غير الشرعي، وعلى التصدي لمواقف حزب الله، فيبدو أنه ينام على حرير وعود المقاعد الانتخابية!
ويبقى السؤال الأخير والمفصلي ما إذا كان رئيس لبنان يفضل التضامن مع من حمله إلى موقع الرئاسة تحسبا لاحتمالات المواجهة بين إيران والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي بدأت تباشيرها تلوح في أفق الشرق الأوسط؟
عدا عن أنه حقق حلما انتظره 27 سنة، فإن الجنرال عون يريد أن يثبت أنه، بأدائه وقوة التعبير عما هو مقتنع به، قادر أن يستعيد مركز القرار في السلطة إلى رئاسة الجمهورية (المارونية)، عبر استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتزعت منه في اتفاق الطائف عام 1989، بعد نحو خمس عشرة سنة من حروب واقتتال داخلي بين مختلف الأفرقاء السياسية والطائفية. وهو مصمم على "استعادتها"، على الرغم من إعلانه يوم انتخابه، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التزامه اتفاق الطائف في خطاب القسم. وهو يخوض اليوم معركته رافعا شعار "الإصلاح والتغيير"، انطلاقا من إعادة صياغة قانون انتخابي يجسد صحة التمثيل، علما أن المسألة تتخطى رغبته، وتمس بوجود القوى السياسيو- طائفية ودورها وموقعها في السلطة وتركيبة النظام اللبناني.
وعلى الرغم من ذلك، يخوض الكباش، ويمارس دور الرئيس والمشرّع والسياسي، ويحاول
وينسحب "النهج العوني" في ممارسة الحكم على أكثر القضايا الخلافية، داخليا وعربيا، فعشية قيامه بزيارة رسمية إلى مصر، فجر عبر قناة "سي بي سي" المصرية قنبلة من العيار الثقيل، معلنا من موقعه رئيساً للجمهورية شرعنة سلاح حزب الله بقوله: "طالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية، فنحن نشعر بضرورة وجود سلاح حزب الله، لأنه مكمل لعمل الجيش، ولا يتعارض معه". كلام أثار عاصفة ما زال يتردد صداها عربيا، قبل أن تفعل فعلها على الصعيد الداخلي. إذ كيف لقائد الجيش السابق ورئيس الجمهورية الحالي أن يعتبر جيش بلاده الشرعي ورمز السلطة وسيادتها عاجزا عن حماية البلد، وأن لبنان يحتاج إلى مليشيا لكي تدافع عن أراضيه؟! فحزب الله مليشيا غير شرعية في نظر قسم كبير من اللبنانيين، وتنظيم إرهابي بنظر عرب كثيرين وفي الخارج، وخصوصا لدول الخليج التي كانت السباقة في مباركة انتخاب عون رئيسا ودعمه، وإقناع سعد الحريري بتبني ترشيحه، علما أن عون دشن عهده بقيامه بأول زيارة عربية إلى السعودية التي كانت قد قاطعت لبنان، وجمدت مساعداتها وهبات بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، احتجاجا على دور حزب الله في لبنان، وتدخله العسكري في شؤون الدول العربية، من سورية إلى العراق واليمن.
كما أن شرعنة رئيس الجمهورية سلاح حزب الله تبدو كأنها تسليم أيضا بدوره في سفك دماء الشعب السوري، وتهجير أبنائه، وقبله الشعبين العراقي واليمني. ناهيك عن استعمال سلاحه ضد اللبنانيين في أكثر من مناسبة، وخصوصا في 7 أيار/ مايو 2008، عندما اجتاح بيروت واقتحم الجبل. على الرغم من أن الرئيس - الجنرال الذي كان يومها إلى جانبه، ينكر ذلك في حديثه إلى القناة المصرية. واستطرادا، يبدو عون على تناغم أيضا مع موقف حزب الله في سورية، عندما يؤكد أن رحيل بشار الأسد سيغرق سورية في الاقتتال والفوضى، وكأن مئات آلاف القتلى الذين سقطوا حتى اليوم إنما سقطوا بسبب كوارث طبيعية.
وخلال زيارته القاهرة، زار عون أيضا جامعة الدول العربية، وقال فيها كلام رئيس جمهورية
ويبقى السؤال الأخير والمفصلي ما إذا كان رئيس لبنان يفضل التضامن مع من حمله إلى موقع الرئاسة تحسبا لاحتمالات المواجهة بين إيران والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي بدأت تباشيرها تلوح في أفق الشرق الأوسط؟