عودة الليرة السورية للتراجع: فشل النظام وغلاء بالسلع

20 سبتمبر 2019
موجة غلاء جديدة بسبب تهاوي الليرة (فرانس برس)
+ الخط -

لم تفلح الإجراءات المشدّدة التي أعلنها نظام بشار الأسد، في إنقاذ سعر صرف العملة السورية الذي تهاوى مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، وقت أن لامس الدولار ولأول مرة 700 ليرة في السوق السوداء، قبل أن تتراجع العملة الأميركية مطلع الأسبوع الجاري إلى نحو 620 ليرة للدولار.
 
وعاودت العملة السورية، يوم الأربعاء، الانخفاض إلى 628 ليرة مقابل الدولار، و694 ليرة أمام العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، في حين يبلغ السعر الرسمي نحو 437 ليرة. وأدى تدهور العملة المحلية إلى موجة غلاء جديدة أصابت مختلف السلع الضرورية.

وكان نظام بشار الأسد أطلق حملات على المضاربين بالعملة وتجار السوق السوداء، في محاولة لوقف تهاوي العملة السورية، وأعلن مجلس وزراء النظام السوري، تشديد الرقابة على الأسعار.

وأكد وزير مالية النظام السوري، مأمون حمدان، أن حكومة بشار وافقت على الإجراءات اللازمة والاحترازية لتخفيف تأثير التقلبات الحادة للعملة المحلية، التي دفعتها إلى مستوى قياسي منخفض قبل نحو أسبوعين.
وأضاف حمدان، مساء الإثنين الماضي، للصحافيين، بعد اجتماع للحكومة: سنعمل على "ضبط الأسواق والتشدد في الإجراءات الرقابية وضرب المحتكرين والمهربين بيد من حديد".

وفي هذا السياق، يقول مدير فرع المصرف التجاري السابق في مدينة إدلب، ياسر عبد الجليل، لـ"العربي الجديد": "ببساطة، عملة بلا أي مقومات أو احتياطي أو إنتاج، فكيف يمكن أن تصمد؟ وتزيد الأزمة إذا ما أضيفت إلى تلك الأسباب الاقتصادية، أخرى سياسية لها علاقة بالحصار الأميركي والأوروبي، وأسباب نفسية أرعبت السوريين، بعد ما قيل عن خلافات ضمن الأسرة الحاكمة ووصول الأمر إلى هرب رجال الأعمال والأموال إلى الخارج".

ولا ينكر المصرفي السوري أن "الأسواق النقدية بسورية، تفتح شهية المضاربين وتجار العملات، ولكن المضاربة ليست السبب الأهم أو الوحيد، بل هناك أسباب خطيرة لها علاقة بعدم رفد الخزينة بالقطع الأجنبي، وارتفاع فواتير الحرب بالعملات الصعبة، ونفاد أو اقتراب نفاد احتياطي الدولة من العملة الأجنبية".

وانعكس تدهور الليرة على أسعار السلع الضرورية، بحسب مصادر في دمشق، إذ شهدت ارتفاعات بنحو 20% خلال هذا الشهر، خاصة للسلع التموينية، وارتفع سعر كيلو الأرز المصري إلى 675 ليرة والسكر إلى 300 ليرة والبرغل إلى 400 ليرة والقهوة إلى 3750 ليرة سورية.

وطاولت ارتفاعات الأسعار الخضراوات الموسمية، فوصل سعر كيلو البندورة "الطماطم" إلى 400 ليرة، في حين استقرت بعض أسعار اللحوم، فحافظ سعر كيلوغرام لحم الخروف على 4500 ليرة.
ويرى المحلل المالي نوار طالب، أن الإجراءات التي أعلنتها حكومة الأسد، هي "نفسية وسياسية وخالية من أية حلول اقتصادية" معتبراً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن سعر الصرف يتأثر بالعوامل النفسية لا شك، لكنها غير كافية لتصحيح الأسعار، خاصة مع تكرارها، إذ لمس المتعاملون أنها للاستهلاك الإعلامي فقط.

ويتابع الاقتصادي السوري: "لم نر أفعالاً على الأرض، وكل ما في الأمر هو وعيد وتهديد ووعود بتأمين السلع والمنتجات بأسعار منافسة، وإن صدقوا بعودة تمويل التجارة والمستوردات بسعر الصرف الرسمي (437 ليرة)، ربما تشهد الأسواق تراجعاً في الأسعار وتحسناً في سعر الليرة، ولكن إن لم يفعلوا وسريعاً، سيكون للوعود والتصريحات مفاعيل عكسية وتعود الأسعار إلى الارتفاع والليرة إلى التهاوي كما بدأنا نلمس اليوم".

ولفت طالب إلى أن سياسات حكومة الأسد، ومنها تشجيع الأسر على الاقتراض، ستزيد التضخم وسترفع أسعار المنتجات والسلع.

وكانت حكومة بشار الأسد قد أقرت، يوم الأربعاء، ما وصفتها بحزمة من الإجراءات الضرورية والاحترازية لتحقيق استقرار نسبي في الأسواق، وتأمين السلع والمتطلبات الأساسية للمواطنين بأسعار منافسة وجودة ونوعية مناسبة.

وقال بيان رئاسة الحكومة إن الإجراءات المتخذة تضمنت الطلب من وزارات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والمالية، والعدل، والداخلية، والأجهزة الرقابية، التشدد في ضبط الأسواق ومكافحة الاحتكار والتهريب.

كما كلفت حكومة الأسد، بحسب بيانها، وزارة الاقتصاد ومؤسسة التجارة الخارجية، الاستيراد المباشر للسلع والمواد الأساسية غير المنتجة محلياً، وتوفيرها للمؤسسة السورية للتجارة بالأسعار المناسبة.

ويعاني السوريون من تردّي أوضاعهم المعيشية، نتيجة تثبيت أجورهم عند 45 ألف ليرة، في حين تزيد نفقات الأسرة الشهرية عن 200 ألف ليرة، بل وتعدت نسبة الفقر 80%، حسب تقرير مؤتمر التمويل المصرفي الذي اختتم أمس في العاصمة دمشق.
ولا ينكر رئيس مجلس الوزراء في حكومة الأسد، عماد خميس، معاناة السوريين، بل يعترف بأن "الحكومة على قناعة تامة بأن الدخل الحالي لا يكفي المواطن، والرواتب قليلة ولا تقاس بتكاليف المعيشة، وطريقة حل هذه المعضلة تكمن في زيادة الإنتاج".

ويضيف، خلال تصريحات نشرها الإعلام السوري، يوم الأربعاء: "لو تم الآن إلغاء الدعم الذي يمكن أن يوفر زيادة في الرواتب تصل إلى 200 ألف ليرة شهرياً للموظف، أو تم التمويل بالعجز، أو الاعتماد على سندات الخزينة، فلن تحل مشكلة الدخل لأكثر من 3 أشهر، وبعدها سترتفع الأسعار".

ليكون تصريح خميس بمثابة رد على مطالب اتحاد العمال الذي طالب، خلال مؤتمره أول من أمس، "الحكومة والجهات المسؤولة بالإسراع في اتخاذ خطوات جدية وحازمة لمواجهة الأزمة الاقتصادية والوضع المتدهور الذي تعيشه الطبقة العاملة".