عودة الاغتيالات إلى إدلب: "ذئاب منفردة" أم خلايا نائمة؟

16 يوليو 2018
تشهد إدلب فلتاناً أمنياً ملحوظاً في الآونة الأخيرة(فرانس برس)
+ الخط -
عادت الاغتيالات وعمليات التصفية المتبادلة في شمال غربي سورية إلى الواجهة، عقب مقتل قياديين في فصيل معارض وآخر من "هيئة تحرير الشام"، التي قالت بدورها إنها أعدمت ما وصفته بأنه مسؤول أمني في تنظيم "داعش" كان وراء العديد من عمليات الاغتيال في محافظة إدلب. كذلك، تشير أصابع الاتهام إلى النظام الذي يدير خلايا عدة في شمال غربي البلاد، بالوقوف وراء عمليات اغتيال عدة، في محاولة منه لخلق ظروف تمهّد لعودته مرة أخرى بعد سيطرته على الجنوب السوري.

وقُتل القيادي في لواء "السلطان مراد" أبو أحمد السنساوي برصاص مجهولين السبت في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، في أحدث عملية اغتيال يشهدها شمال غربي سورية الذي بات يضم أغلب فصائل المعارضة السورية المسلحة، بالإضافة إلى "هيئة تحرير الشام"، وفصائل متشددة أخرى. وأكدت مصادر محلية أن القيادي في "هيئة تحرير الشام"، وقائد ما يُسمى بـ "قطاع البادية" في "الهيئة"، المدعو أبو هريرة معرشمارين، نجا من محاولة اغتيال فجر السبت، في حين لقي أبو طلحة القيادي في "الهيئة" أيضاً، التي تشكّل "جبهة النصرة" نواتها الصلبة، مصرعه الجمعة. كذلك، جرح قيادي آخر، إثر إطلاق نار من قبل مجهولين في أطراف مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، في حادث تتجه كل أصابع الاتهام إلى تنظيم "داعش" بالوقوف وراءه.

وبدأت خلايا نائمة و"ذئاب منفردة" تتبع للتنظيم النشاط في شمال غربي سورية في الآونة الأخيرة، حيث تصاعدت خلال العام الجاري عمليات الاغتيال في محافظة إدلب، التي طاولت قياديين في فصائل المعارضة وآخرين في فصائل متشددة أهمها "هيئة تحرير الشام" التي تتهم تنظيم "داعش" والنظام بالوقوف وراء هذه العمليات.

وكانت "الهيئة" قد أعدمت المدعو أبو البراء الساحلي الجمعة، مشيرةً إلى أنه "الأمير الأمني لدى داعش في منطقة جسر الشغور والساحل وأريحا" في محافظة إدلب. وقالت "الهيئة" إنها ألقت القبض على الساحلي بكمين نصبته له في منطقة حارم شمال إدلب، ثمّ عمدت إلى إعدامه في المكان نفسه الذي قتل فيه عدداً من عناصرها سابقاً.

من جهة أخرى، قالت "هيئة تحرير الشام" إنّ "جهازها الأمني" "قبض على خلية تجمع معلوماتٍ وصوراً ومشاهد فيديو، لحساب قوات النظام السوري، قرب الحدود مع تركيا"، مضيفةً أنّ "الخلية تتألّف من أربعة أشخاص، تمّ القبض عليهم في قرية قاح بريف إدلب الشمالي".


ونقلت وكالة "إباء" التابعة لـ"الهيئة"، عن المسؤول الأمني للأخيرة، خالد الشامي، قوله إنّ متزعّم الخلية "أقرّ خلال التحقيق معه بعلاقته بشخص من الاستخبارات الجوية التابعة للنظام ويدعى محمد نذير، الذي كان يمدّه بالمال مقابل تصوير الأرتال العسكرية التركية في البداية، ليتطوّر الأمر ويطلب منه معلومات عن بعض قادة المجاهدين وأماكن وجودهم".

كذلك، قُتل عنصران من "جيش العزة"، أبرز فصائل "الجيش السوري الحرّ" في ريف حماة الشمالي، أثناء مرورهما في مدينة خان شيخون في ريف إدلب منذ يومين، إضافة إلى مقتل عنصر من "فيلق الشام" في منطقة الدانا. وأكّد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنّ مئات المدنيين قتلوا خلال هذا العام من خلال تفجير مفخخات وعبوات ناسفة وإطلاق نار واختطاف وقتل. وأشار إلى أنّ "هيئة تحرير الشام" بدأت حملة أمنية في منطقة سهل الروج الواقعة في غرب مدينة إدلب، بحثاً عن "خلايا نائمة" تابعة لتنظيم "داعش"، من المرجح أنها مسؤولة عن الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تجرى في الريف الإدلبي ومحيطه.

ويشهد شمال غربي سورية فلتاناً أمنياً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، ترجعه مصادر محلية تحدّث معها "العربي الجديد"، إلى "انعدام التنسيق الأمني بين فصائل المعارضة السورية من جهة، وتعدّد الجهات المسيطرة على محافظة إدلب من جهة أخرى". إذ تسيطر "هيئة تحرير الشام" وعمودها الفقري "جبهة النصرة" على جانب مهم منها، خصوصاً مدينة إدلب مركز المحافظة، ومدن وبلدات في شمال المحافظة، فيما تُسيطر فصائل معارضة، منها فصيل "أحرار الشام" و"فيلق الشام" و"جيش إدلب الحر" و"الفرقة 13" وغيرها من الفصائل على مناطق أخرى، وهو ما يربك الحالة الأمنية ويفتح ثغرات يستغلها تنظيم "داعش" لتوجيه ضربات لهذه الفصائل ولـ"هيئة تحرير الشام" المختلفة فكرياً وعقائدياً مع التنظيم.

وإلى جانب الهيئة، وفصائل المعارضة السورية، هناك تنظيم يُدعى "حراس الدين"، الذي يضمّ بقايا فصيل "جند الأقصى"، وتنظيمات جهادية تابعة لتنظيم "القاعدة" ومنشقة عن "هيئة تحرير الشام". وينتشر مسلحو هذا التنظيم المتطرّف، المقدّر عددهم بنحو 700 مسلّح، في محيط مدينة سراقب، مروراً بسرمين ومدينة إدلب وريف جسر الشغور، وصولاً إلى جبهات لا تزال مفتوحة في ريف اللاذقية الشمالي جرى تحريكها في الآونة الأخيرة.

وأعطى الفلتان الأمني فرصة لعصابات محلية للقيام بـ "عمليات انتقام فردية"، وفق المصادر المحلية، التي أوضحت أنّ "هذه العمليات تظلّ محدودة وفي نطاق ضيّق، إذا ما قورنت بعمليات اغتيال قادة عسكريين يتبعون فصائل عدة في المعارضة السورية المسلحة".

بدوره، يحاول النظام السوري إثارة القلاقل الأمنية وخلق حالة من عدم الاستقرار الأمني في المحافظة، وتوفير بيئة للاقتتال بين الفصائل لدفع المدنيين في إدلب إلى المطالبة بعودة قوات النظام، للتخلّص من حالة الفلتان الأمني.

وتتزامن عمليات الاغتيال مع تصاعد الحديث عن عملية عسكرية مرتقبة لقوات النظام لسحق المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب، المحافظة الوحيدة المتبقية بيد المعارضة المسلحة، أو إجراء تسويات شبيهة بتسويات الجنوب السوري التي سمحت للنظام بالعودة من باب الاستسلام أو "المصالحة"، التي كانت سبباً مباشراً وراء انهيار فصائل "الجيش السوري الحر". ولكنّ محافظة إدلب مختلفة عن بقية المناطق السورية، إذ باتت تضمّ ما بقي من أهم فصائل المعارضة السورية المسلحة، بالإضافة إلى نحو 3 ملايين مدني ينتشرون في بقعة جغرافية ضيقة.

وجاءت الاغتيالات المتلاحقة لتعمّق القلق الشعبي في شمال غربي سورية، فأي فلتان أمني يسهّل لخلايا النظام وتنظيم "داعش" العودة إلى النشاط من جديد، وهو ما يوفّر بيئة لاحتراب داخلي يخلط الأوراق، ويدفع الموقف إلى كل الاحتمالات، بما في ذلك محاولة النظام اقتحام المنطقة وخصوصاً من جهة منطقة جسر الشغور المتاخمة لريف اللاذقية الشمالي، تحت ستار محاربة الإرهاب. ومن المرجّح أن يلعب اختلاف الرؤى والأهداف بين هذه الفصائل والتنظيمات دوراً في تسخين محافظة إدلب التي باتت بمثابة "قنبلة بشرية"، بعد دفع عشرات آلاف السوريين إليها في سياق عملية تهجير متعمّد ربما تسهم في تعزيز الفلتان الأمني.