12 نوفمبر 2024
عن واقعة انتخابية تونسية
تم إعلان نتائج الانتخابات عن المقعد الشاغر في مجلس النواب التونسي لتمثيل المغتربين في ألمانيا. ومع أن الأمر يتعلق الأمر بمقعد يتيم، إلا أنه أثار من الجدل، وأسال من الحبر، أكثر من أي حدثٍ آخر. الغريب أن هذه الانتخابات الجزئية عرفت تقلباتٍ مختلفة، بداية من الصراع العلني بشأن إمكانية ترشح نجل الرئيس الحالي، حافظ قائد السبسي، للمنافسة على المقعد، وصولا إلى إعلان النتائج ونسبة المشاركة.
شكل فوز المرشح ياسين العياري صدمة للطبقة السياسية المتنفذة في تونس، وخلّف ارتداداتٍ واسعةً في المشهد العام، فقد عجز الحزب الحاكم (نداء تونس)، على الرغم من إمكاناته الضخمة، في تحشيد العدد الكافي من الأصوات لضمان الفوز لمرشحه، خصوصا أن المقعد موضوع المنافسة كان يشغله أحد المنتسبين إليه ممن تم تعيينهم أخيرا في منصب ضمن حكومة يوسف الشاهد. وما أثار الاستغراب أكثر أن حركة النهضة رفضت المنافسة على المقعد، بل أعلنت دعمها الانتخابي مرشح شريكها في الائتلاف الحكومي، وحليفها في التوافقات. لينحصر التنافس الانتخابي بين مرشح "نداء تونس" وقوائم صغيرة شملت تقريبا كل ألوان الطيف السياسي التونسي، بالإضافة إلى مستقلين. وجاءت هزيمة "نداء تونس" لتكشف عن حقائق كان يتم التغاضي عنها، على الرغم من وعي كل المتابعين الجديين للمشهد السياسي بها، ومن أهمها الدور المركزي الذي أصبحت تلعبه أدوات التواصل الاجتماعي في مواجهة الإعلام الرسمي الذي بذل جهدا دعائيا واضحا لمساندة مرشح "نداء تونس" في مقابل اكتفاء المرشح الفائز بتوجيه رسائل إلى الناخبين عبر "فيسبوك"، ما يعني أن المتلقي التونسي لم تعد لديه الثقة التامة في الإعلام التونسي، الحكومي والخاص، نظرا لانحياز هذا الإعلام الفاضح، وتورّطه في ترويج أكاذيب ودعايات اكتشف الجمهور زيفها.
كما جاءت النتيجة بمثابة رسالة إلى أحزاب السلطة، وخصوصا "نداء تونس"، أنه لم يعد قادرا على جذب الجمهور، وأن وصوله إلى السلطة في انتخابات سنة 2014 على خلفية حديثه عن فشل حكومات ما بعد الثورة، وأنه سيصلح الأوضاع، لم تعد تنطلي على أحد، فهذا الحزب بالغ في الوعود الانتخابية، والحديث عن البرامج المذهلة التي أعدّها لينكشف الغطاء عن حالة تخبط سياسي، عجز عن حل المشكلات الملحة للبلاد.
ثالث الحقائق أن نسبة المشاركة الضعيفة جدا (أقل من 5% من النسبة العامة للمرسمين في قوائم الناخبين) جاءت لتطلق نفيرا بشأن حالة الاستقالة السياسية التي أصبح يشعر بها الجمهور العام. فأن يفوز المرشح بمقعد نيابي بما جملته 265 صوتا يشكل صفعة حقيقية للنخبة السياسية التي فقدت تأثيرها لدى الجمهور، والأخطر أنها قد تعبر عن علامة يأس من جمود المسار السياسي، في ظل هيمنة طرف محدد، هو في النهاية من بقايا النظام السابق الذي قامت الثورة من أجل إطاحة نفوذه عن كرسي الحكم.
وقد أثارت هذه الانتخابات ما يمكن تسميتها أزمة سياسية مكتومة داخل أطراف الائتلاف الحكومي، حيث طالبت عناصر نافذة في الحزب الحاكم بمراجعة تحالفها مع حركة النهضة، على خلفية ما سمّته عدم جديتها في دفع جمهورها إلى التصويت للمرشح الحكومي، وهو أمر يثير السخرية، لسببين: أولهما أن حركة النهضة لم تقدّم مرشحا منافسا لحليفها. وثانيهما كيف يمكن لحزبٍ يدّعي أنه الأقوى في البلاد، وأنه جاء بشرعية انتخابية كاسحة، أن يستجدي الأصوات من أحزابٍ أخرى، إلا إذا كان مقرّا بوصوله إلى حالة من الإفلاس الجماهيري، تدفعه إلى بناء استمراريته في السلطة على أكتاف الحلفاء. وفي المقابل، كان واضحا أن الجناح المنشق عن "نداء تونس"، أي حزب مشروع تونس، لم يتمكّن من استقطاب عناصر الحزب الذي كان شقا منه ذات يوم، وأنه تحول إلى مجرد رقم هامشي، شأنه في ذلك شأن "الجبهة الشعبية" و"آفاق تونس" وغيرهما من القوى الحزبية الكلاسيكية في المشهد السياسي.
وبقراءة أولية للمشهد، ومن دون التورّط في أحكام قطعية جازمة، يمكن القول إن المشهد السياسي التونسي بصدد التحول بوضوح، وأن في وسع الجيل الجديد أن يصنع المفاجأة في الانتخابات المقبلة، بشرط أن يحشد قواه الذاتية، ويوظف كل قدراته المتاحة، لتقديم قوائم موحدة، يمكنها اجتذاب جيل الناخبين الشباب، ممن يئسوا من الطبقة السياسية المحترفة، والتي لم تعد قادرةً على التفكير بحلول فعلية خارج المعتاد. على أن الأكيد أن ما جرى سيجعل القوى السياسية الحاكمة تراجع كثيرا من حساباتها، وربما طريقة تواصلها مع الجمهور. وقد توجه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أخيرا إلى الجمهور العام بكلمة عبر "فيسبوك" فيما يشبه محاولة لتلميع صورته، والنسج على منوال المرشح الفائز في انتخابات ألمانيا. ويبقى كل هذا التجاذب والجدل السياسي علامة صحية في المشهد السياسي التونسي الذي تخلص من عقدة الحاكم المطلق، أو صاحب السلطان الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وذلك هو جوهر الوعي الديمقراطي.
شكل فوز المرشح ياسين العياري صدمة للطبقة السياسية المتنفذة في تونس، وخلّف ارتداداتٍ واسعةً في المشهد العام، فقد عجز الحزب الحاكم (نداء تونس)، على الرغم من إمكاناته الضخمة، في تحشيد العدد الكافي من الأصوات لضمان الفوز لمرشحه، خصوصا أن المقعد موضوع المنافسة كان يشغله أحد المنتسبين إليه ممن تم تعيينهم أخيرا في منصب ضمن حكومة يوسف الشاهد. وما أثار الاستغراب أكثر أن حركة النهضة رفضت المنافسة على المقعد، بل أعلنت دعمها الانتخابي مرشح شريكها في الائتلاف الحكومي، وحليفها في التوافقات. لينحصر التنافس الانتخابي بين مرشح "نداء تونس" وقوائم صغيرة شملت تقريبا كل ألوان الطيف السياسي التونسي، بالإضافة إلى مستقلين. وجاءت هزيمة "نداء تونس" لتكشف عن حقائق كان يتم التغاضي عنها، على الرغم من وعي كل المتابعين الجديين للمشهد السياسي بها، ومن أهمها الدور المركزي الذي أصبحت تلعبه أدوات التواصل الاجتماعي في مواجهة الإعلام الرسمي الذي بذل جهدا دعائيا واضحا لمساندة مرشح "نداء تونس" في مقابل اكتفاء المرشح الفائز بتوجيه رسائل إلى الناخبين عبر "فيسبوك"، ما يعني أن المتلقي التونسي لم تعد لديه الثقة التامة في الإعلام التونسي، الحكومي والخاص، نظرا لانحياز هذا الإعلام الفاضح، وتورّطه في ترويج أكاذيب ودعايات اكتشف الجمهور زيفها.
كما جاءت النتيجة بمثابة رسالة إلى أحزاب السلطة، وخصوصا "نداء تونس"، أنه لم يعد قادرا على جذب الجمهور، وأن وصوله إلى السلطة في انتخابات سنة 2014 على خلفية حديثه عن فشل حكومات ما بعد الثورة، وأنه سيصلح الأوضاع، لم تعد تنطلي على أحد، فهذا الحزب بالغ في الوعود الانتخابية، والحديث عن البرامج المذهلة التي أعدّها لينكشف الغطاء عن حالة تخبط سياسي، عجز عن حل المشكلات الملحة للبلاد.
ثالث الحقائق أن نسبة المشاركة الضعيفة جدا (أقل من 5% من النسبة العامة للمرسمين في قوائم الناخبين) جاءت لتطلق نفيرا بشأن حالة الاستقالة السياسية التي أصبح يشعر بها الجمهور العام. فأن يفوز المرشح بمقعد نيابي بما جملته 265 صوتا يشكل صفعة حقيقية للنخبة السياسية التي فقدت تأثيرها لدى الجمهور، والأخطر أنها قد تعبر عن علامة يأس من جمود المسار السياسي، في ظل هيمنة طرف محدد، هو في النهاية من بقايا النظام السابق الذي قامت الثورة من أجل إطاحة نفوذه عن كرسي الحكم.
وقد أثارت هذه الانتخابات ما يمكن تسميتها أزمة سياسية مكتومة داخل أطراف الائتلاف الحكومي، حيث طالبت عناصر نافذة في الحزب الحاكم بمراجعة تحالفها مع حركة النهضة، على خلفية ما سمّته عدم جديتها في دفع جمهورها إلى التصويت للمرشح الحكومي، وهو أمر يثير السخرية، لسببين: أولهما أن حركة النهضة لم تقدّم مرشحا منافسا لحليفها. وثانيهما كيف يمكن لحزبٍ يدّعي أنه الأقوى في البلاد، وأنه جاء بشرعية انتخابية كاسحة، أن يستجدي الأصوات من أحزابٍ أخرى، إلا إذا كان مقرّا بوصوله إلى حالة من الإفلاس الجماهيري، تدفعه إلى بناء استمراريته في السلطة على أكتاف الحلفاء. وفي المقابل، كان واضحا أن الجناح المنشق عن "نداء تونس"، أي حزب مشروع تونس، لم يتمكّن من استقطاب عناصر الحزب الذي كان شقا منه ذات يوم، وأنه تحول إلى مجرد رقم هامشي، شأنه في ذلك شأن "الجبهة الشعبية" و"آفاق تونس" وغيرهما من القوى الحزبية الكلاسيكية في المشهد السياسي.
وبقراءة أولية للمشهد، ومن دون التورّط في أحكام قطعية جازمة، يمكن القول إن المشهد السياسي التونسي بصدد التحول بوضوح، وأن في وسع الجيل الجديد أن يصنع المفاجأة في الانتخابات المقبلة، بشرط أن يحشد قواه الذاتية، ويوظف كل قدراته المتاحة، لتقديم قوائم موحدة، يمكنها اجتذاب جيل الناخبين الشباب، ممن يئسوا من الطبقة السياسية المحترفة، والتي لم تعد قادرةً على التفكير بحلول فعلية خارج المعتاد. على أن الأكيد أن ما جرى سيجعل القوى السياسية الحاكمة تراجع كثيرا من حساباتها، وربما طريقة تواصلها مع الجمهور. وقد توجه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أخيرا إلى الجمهور العام بكلمة عبر "فيسبوك" فيما يشبه محاولة لتلميع صورته، والنسج على منوال المرشح الفائز في انتخابات ألمانيا. ويبقى كل هذا التجاذب والجدل السياسي علامة صحية في المشهد السياسي التونسي الذي تخلص من عقدة الحاكم المطلق، أو صاحب السلطان الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وذلك هو جوهر الوعي الديمقراطي.