19 أكتوبر 2019
عن نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا
تنافست 34 قائمة انتخابية على 79 مقعداً (منها خمسة مقاعد "احتياطية" تصبح فعلية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) في الانتخابات الأوروبية في فرنسا، ما يدل على حالة التشظي السياسي في البلاد، إلا أن عتبة 5% للحصول على مقعد في البرلمان، المعمول بها في فرنسا، تحدّ من هذا التشظي. وكما كان متوقعاً، تصدر حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقاً - يمين متطرّف) نتائج هذه الانتخابات، حائزاً على 23،31% من الأصوات (23 مقعداً) متقدّماً بقليل عن الحزب الحاكم الحاصل على 22،41% من الأصوات (23 معقداً)، إلا أن المفاجأة جاءت من حزب الخضر الذي حاز 13،47% من الأصوات (13 مقعداً) محتلاً المرتبة الثالثة. أما حزب الجمهوريين (يمين جمهوري) فقد حقق أسوأ نتيجة له في تاريخه، إذ لم يحصل إلا على 8،5% من الأصوات (ثمانية مقاعد) متبوعاً بحزب فرنسا غير الخاضعة (أو الأبية) بـ6،3% (ستة مقاعد) والاشتراكيين بـ 6،2% (ستة مقاعد). ويمكن إيجاز أهم دلالات هذه النتائج في العناصر التالية:
أولاً، على الرغم من تصدّره النتائج، فإن إنجاز التجمع الوطني يبقى نسبياً، فهو لم يستفد بشكل كبير من الوضع المتأزم في سياق حركة السترات الصفراء. صحيحٌ أن حوالي 50% من أصحاب هذه السترات صوّتوا لصالحه، إلا أن ذلك لم يسمح له بالرفع من رصيده بشكل يتقدّم فيه كثيراً عن حزب الجمهورية إلى الأمام للرئيس إيمانويل ماكرون. بمعنى أن اليمين المتطرّف حقق نتائجه بفضل أصوات أصحاب السترات الصفراء، لكنه لم يقنعهم كلهم، كما أنه لم يقنع بقية الفرنسيين الذين تعاطفوا معهم، وغير الراضين على سياسة ماكرون. لذا تبقى استفادة التجمع الوطني من أزمة السترات الصفراء نسبية، لأنها لم تتعدّ جزءاً من هؤلاء.
ثانياً، على الرغم من تراجع التجمع الوطني عن بعض خياراته الأساسية السابقة المعادية للاتحاد الأوروبي، كفكرة الخروج من منطقة اليورو (تخلى عنها في سياق الانتخابات الرئاسية أخيرا) وحتى الخروج من الاتحاد، وتأكيده على أوروبا الأمم بديلا للاتحاد الأوروبي، فإنه لم يُقنع مزيدا من الناخبين الفرنسيين بالتصويت لصالحه.
ثالثاً، صحيحٌ أن مارين لوبان فازت بالمواجهة التي أرادها ماكرون بين التيار التقدمي
- الليبرالي والتيار الشعبوي/ اليميني المتطرّف، إلا أن هزيمة الحزب الحاكم تبقى، هي الأخرى، نسبية، نظراً إلى الفارق الضئيل في الأصوات، والتساوي في عدد المقاعد. وإن كانت المسألة رمزياً حساسة، كون ماكرون ألقى بثقله في هذه الانتخابات. ومن ثم، فإنّ عدم الفوز بها يهزّ مصداقيته.
رابعاً، تفضيل الحزب الحاكم المنازلة الثنائية مع التجمع الوطني أفقد، بعض الشيء، الحملة الانتخابية تعدّديتها الكبيرة، وركّز، بفعل الفارق الضئيل بينهما في استطلاعات الرأي، التغطية الإعلامية عليهما دون سواهما، في مشهدٍ يشبه، إلى حد ما، مشهد الانتخابات الرئاسية. وتأتي مراهنة ماكرون على هذه المواجهة الثنائية من أن أي مواجهة يكون اليمين المتطرّف أحد قطبيها، تحشد ناخبين كثيرين، واحتمالات الفوز فيها على التطرّف كبيرة. أما التجمع الوطني، فله هو الآخر مصلحة في هذه المواجهة مع الحزب الحاكم، لأنها دلالةٌ بحد ذاتها على حجمه، خصما سياسيا، يحسب له ألف حساب. كما أنه يجد في الحزب الحاكم ندّاً له يرفع من مقامه سياسياً، ويجعله معارضه الأساسي.
خامساً، إذا كان التجمع الوطني قد استفاد من أصوات أصحاب السترات الصفراء، فإن الحزب الحاكم استفاد من أصوات ناخبي حزب الجمهوريين الذي عرف نزيفاً تاريخياً، لأن جزءاً من ناخبيه صوّتوا لصالح الحزب الحاكم، وجزءا آخر لصالح التجمع الوطني. وبالتالي يستفيد قطبا المواجهة من نكسة الجمهوريين، وإن كان الحزب الحاكم هو الأكثر استفادة منها على ما يبدو، لأن ناخبي حزب الجمهوريين الأكثر اهتماماً بالمسائل الاقتصادية والإصلاحات، صوتوا لحزب ماكرون.
سادساً، على قدر ما كسب ناخبين من اليمين الجمهوري، خسر الحزب الحاكم ناخبين من اليسار الاشتراكي الذين فضل جزء منهم منح أصواتهم لحزب الخضر. وهذا ما يعني أن حزب ماكرون اتخذ صبغة يمينية في هذه الانتخابات بفعل تنقل جحافل من الناخبين من اليمين الجمهوري.
سابعاً، أحدث حزب الخضر المفاجأة باحتلاله المرتبة الثالثة، على الرغم من إدراج كل القوائم المتنافسة المسائل البيئية في خطاباتها وحملاتها الدعائية. وهذا يعني أن الناخبين فضلوا الأصل على النسخة. ويعود سر نجاح الخضر بالأساس إلى تنقل آخر للناخبين، إذ استفاد من تصويت جزءٍ من ناخبي الحزب الحاكم ذوي التوجهات اليسارية والبيئية، والذين لم يرضوا عن أداء حزب ماكرون، وتوجهاته اليمينية، فضلاً عن تراجعه عن الإجراءات المتعلقة بالانتقال البيئي، بفعل أزمة السترات الصفراء. بينما واصل حزب الخضر، على عكس بقية الأحزاب، الدفاع عن تلك الإجراءات، على الرغم من عدم شعبيتها.
ثامناً، على عكس اليمين المتطرّف الذي استفاد من أزمة السترات الصفراء، فإن اليسار
المتطرّف، لا سيما حزب فرنسا غير الخاضعة، لم يستفد منها، إذ حقق نتائج ضعيفة، كما أنه لم يكسب أصوات ناخبي اليسار الاشتراكي الذين فضل بعضهم حزب الخضر، بينما حصل التجمع الوطني على أصوات جزءٍ من ناخبي اليمين الجمهوري.
تاسعاً، تؤكّد هذه الانتخابات نهاية القطبية الحزبية التقليدية في فرنسا، بالنظر إلى النتائج الضعيفة جداً للحزبين، اليميني الجمهوري (الجمهوريون) والاشتراكي، فالحزبان تناوبا على السلطة عقودا قبل أن يضع ماكرون حدّاً لهيمنتهما. وتأتي الانتخابات الأوروبية لتؤكّد نهاية الأحزاب التقليدية المسيطرة على المشهد السياسي في البلاد. ولكن ليست فرنسا الحالة الوحيدة في الانتخابات الأوروبية، فالقطبية الحزبية التقليدية انهارت أيضاً في بريطانيا وجزئياً في ألمانيا.
ثامناً، كالعادة، يحقّق اليمين المتطرّف نسباً مرتفعة في ضواحي المدن الكبرى التي تقطنها أغلبيةٌ تنحدر من أصولٍ أجنبية، كما هو الحال في إحدى المحافظات المحاذية لباريس، وهذا بسبب عزوف الفرنسيين من أصولٍ مغاربية وأفريقية عن التصويت.
عاشراً، يبدو أن استعصاء "بريكست" لم يكن له تأثير على الانتخابات الفرنسية، فهو لم يشجّع التصويت للأحزاب المدافعة عن الاتحاد الأوروبي، ولا للأحزاب المعادية له، ما يعني أن السياق الوطني يبقى عاملاً مستقلاً في توجيه سلوك الناخبين، وإنْ كان ذلك لا يلغي تماماً تأثيرات البيئة الأوروبية. وهذا ما تؤكّده حالة التشظي أوروبياً.
ثانياً، على الرغم من تراجع التجمع الوطني عن بعض خياراته الأساسية السابقة المعادية للاتحاد الأوروبي، كفكرة الخروج من منطقة اليورو (تخلى عنها في سياق الانتخابات الرئاسية أخيرا) وحتى الخروج من الاتحاد، وتأكيده على أوروبا الأمم بديلا للاتحاد الأوروبي، فإنه لم يُقنع مزيدا من الناخبين الفرنسيين بالتصويت لصالحه.
ثالثاً، صحيحٌ أن مارين لوبان فازت بالمواجهة التي أرادها ماكرون بين التيار التقدمي
رابعاً، تفضيل الحزب الحاكم المنازلة الثنائية مع التجمع الوطني أفقد، بعض الشيء، الحملة الانتخابية تعدّديتها الكبيرة، وركّز، بفعل الفارق الضئيل بينهما في استطلاعات الرأي، التغطية الإعلامية عليهما دون سواهما، في مشهدٍ يشبه، إلى حد ما، مشهد الانتخابات الرئاسية. وتأتي مراهنة ماكرون على هذه المواجهة الثنائية من أن أي مواجهة يكون اليمين المتطرّف أحد قطبيها، تحشد ناخبين كثيرين، واحتمالات الفوز فيها على التطرّف كبيرة. أما التجمع الوطني، فله هو الآخر مصلحة في هذه المواجهة مع الحزب الحاكم، لأنها دلالةٌ بحد ذاتها على حجمه، خصما سياسيا، يحسب له ألف حساب. كما أنه يجد في الحزب الحاكم ندّاً له يرفع من مقامه سياسياً، ويجعله معارضه الأساسي.
خامساً، إذا كان التجمع الوطني قد استفاد من أصوات أصحاب السترات الصفراء، فإن الحزب الحاكم استفاد من أصوات ناخبي حزب الجمهوريين الذي عرف نزيفاً تاريخياً، لأن جزءاً من ناخبيه صوّتوا لصالح الحزب الحاكم، وجزءا آخر لصالح التجمع الوطني. وبالتالي يستفيد قطبا المواجهة من نكسة الجمهوريين، وإن كان الحزب الحاكم هو الأكثر استفادة منها على ما يبدو، لأن ناخبي حزب الجمهوريين الأكثر اهتماماً بالمسائل الاقتصادية والإصلاحات، صوتوا لحزب ماكرون.
سادساً، على قدر ما كسب ناخبين من اليمين الجمهوري، خسر الحزب الحاكم ناخبين من اليسار الاشتراكي الذين فضل جزء منهم منح أصواتهم لحزب الخضر. وهذا ما يعني أن حزب ماكرون اتخذ صبغة يمينية في هذه الانتخابات بفعل تنقل جحافل من الناخبين من اليمين الجمهوري.
سابعاً، أحدث حزب الخضر المفاجأة باحتلاله المرتبة الثالثة، على الرغم من إدراج كل القوائم المتنافسة المسائل البيئية في خطاباتها وحملاتها الدعائية. وهذا يعني أن الناخبين فضلوا الأصل على النسخة. ويعود سر نجاح الخضر بالأساس إلى تنقل آخر للناخبين، إذ استفاد من تصويت جزءٍ من ناخبي الحزب الحاكم ذوي التوجهات اليسارية والبيئية، والذين لم يرضوا عن أداء حزب ماكرون، وتوجهاته اليمينية، فضلاً عن تراجعه عن الإجراءات المتعلقة بالانتقال البيئي، بفعل أزمة السترات الصفراء. بينما واصل حزب الخضر، على عكس بقية الأحزاب، الدفاع عن تلك الإجراءات، على الرغم من عدم شعبيتها.
ثامناً، على عكس اليمين المتطرّف الذي استفاد من أزمة السترات الصفراء، فإن اليسار
تاسعاً، تؤكّد هذه الانتخابات نهاية القطبية الحزبية التقليدية في فرنسا، بالنظر إلى النتائج الضعيفة جداً للحزبين، اليميني الجمهوري (الجمهوريون) والاشتراكي، فالحزبان تناوبا على السلطة عقودا قبل أن يضع ماكرون حدّاً لهيمنتهما. وتأتي الانتخابات الأوروبية لتؤكّد نهاية الأحزاب التقليدية المسيطرة على المشهد السياسي في البلاد. ولكن ليست فرنسا الحالة الوحيدة في الانتخابات الأوروبية، فالقطبية الحزبية التقليدية انهارت أيضاً في بريطانيا وجزئياً في ألمانيا.
ثامناً، كالعادة، يحقّق اليمين المتطرّف نسباً مرتفعة في ضواحي المدن الكبرى التي تقطنها أغلبيةٌ تنحدر من أصولٍ أجنبية، كما هو الحال في إحدى المحافظات المحاذية لباريس، وهذا بسبب عزوف الفرنسيين من أصولٍ مغاربية وأفريقية عن التصويت.
عاشراً، يبدو أن استعصاء "بريكست" لم يكن له تأثير على الانتخابات الفرنسية، فهو لم يشجّع التصويت للأحزاب المدافعة عن الاتحاد الأوروبي، ولا للأحزاب المعادية له، ما يعني أن السياق الوطني يبقى عاملاً مستقلاً في توجيه سلوك الناخبين، وإنْ كان ذلك لا يلغي تماماً تأثيرات البيئة الأوروبية. وهذا ما تؤكّده حالة التشظي أوروبياً.