عن مشاركتنا في تظاهرة باريس

15 يناير 2015

علم الثورة السورية في مسيرة باريس (11 يناير/2015/getty)

+ الخط -
شاركت مع أصدقاء سوريين في تظاهرة باريس ضد الإرهاب، ورفع كل منّا لافتته الفردية مثل: نظام الأسد أول الإرهابيين، والديمقراطيون السوريون ضد الإرهاب والأنظمة التي ترعاه، والشعب السوري يتضامن مع الشعب الفرنسي ضد الإرهاب، ولوحات كاريكاتيرية كان قد رسمها فنانو صحيفة شارلي إيبدو التهكمية ضد الأسد ونظامه، وكذلك لوحات عديدة أخرى، كان بعضها لرسام الكاريكاتير السوري علي فرزات، وحملت إحدى لوحاتنا عبارة: شارلي هم ضحايانا مع أسمائهم جميعاً. كما رفعنا أعلام الثورة السورية، وخلال سيرنا الطويل من وسط شارع فولتير، فيلسوف الحرية، إلى ساحة الأمة، كان الباريسيون المتجمهرون على الجانبين يصفقون لنا بحرارة ويلتقطون صوراً كثيرة لنا. ومع اكتشافنا العفوي للنغم الإيقاعي لعبارتي "أنا تشارلي أنا سوري" و"الأسد قاتل" بالفرنسية، كان الباريسيون والباريسيات ينضمون إلينا ويرقصون الدبكة معنا، على طول الطريق، أو في الحلقة التي عقدناها وسط الساحة المذكورة.
حاولنا استعادة محبة الباريسيين لاسم سورية وعلم ثورتنا، بعد طول تشوّش وتأثر بفوبيا الإرهاب. وذكّرناهم أن هناك في سورية شيئاً آخر جميلاً ومسالماً ومؤمناً بحرية التعبير، على عكس ظلامية النظام ووجهه الآخر داعش وأخواته. قبّلتنا الباريسيات وصحنَ: نحن سوريات، لدرجة أن سيدة منهن عانقتني، بعد أن أمسكت بيدي وشاركتني الرقص، في أثناء مسيرة العودة، وقالت: نعم أنا سورية، فظننت فعلاً أنها كذلك، سألتها: هل تتكلمين العربية، قالت لا، لكنكم جعلتموني أحب سورية، أنتم أسعدتمونا بهذا التضامن. كانت مشاركتنا قوية التأثير، وأهم من أي بيان ومؤتمر، وكانت مناسبة للحديث وتبادل الرأي والتضامن والتعارف أيضاً، وتبادلنا العناوين مع فرنسيين وفرنسيات، وأعتقد أننا عقدنا بعض الصداقات، وإلى جانب ذلك، حدثت لقاءات تلفزيونية، وأخذت لنا مئات، إن لم يكن آلاف الصور.
كان موقفي أو موقفنا ضد الإرهاب، ومع حرية التعبير بشكل مطلق، فلا يجوز لأي كان أن يلجأ لتنفيذ عقوبة بيده، والعقوبة على الخطأ لا يجوز أن تكون إلا بقانون، وذلك ما يسنّه المجتمع عبر ممثليه. والرد على الكلام يكون بالكلام، والرسم بالرسم، ولا يجوز أن يتعدى ذلك إلى الفعل والعنف، فذلك هو الإرهاب بعينه.
وفي الواقع، أنا لا أحب مستوى مجلة شارلي إيبدو، فهي متدنية بالمقارنة مع مستوى مجلة ساخرة وذكية، "لو كانار أنشينه" مثلاً، ويمكن أن أسمي مستواها بالشعبوي الهزلي، وسخريتها بالركيكة وغير الرفيعة، والتي كانت تشمل جوانب كثيرة في الحياة وجميع الأديان والمقدسات. لكنني أحترم حقها في حرية التعبير بشكل مطلق، وإن كان لي أن أعترض على ممارستها ذلك الحق، وما يمكن أن أعتبره خطأً كبيراً بحق أحد ما، أو قيمة مقدسة ما، فلي أن أرد عليها 
بالشكل والمستوى نفسيهما، وضمن حق الرد المكفول بالقانون. كما أن لي الحق في المطالبة بعقاب محررها أو مديرها، أو إغلاقها حتى، لكن بالقانون والمحكمة، أو بتبني المجتمع قانوناً جديداً يطاول ذلك الخطأ حتى. علماً أن تراثنا العربي الإسلامي مليء بأشعار النقد والسخرية من المقدسات، ولم يكن يجري، دائماً، الرد عليها بالعنف والأحكام، إلا في فترات مضطربة، ولأسباب سياسية استغلها بعض الحكام، أو فئات معينة لأغراضهم الخاصة.
وبالعودة إلى حادث الاعتداء الإرهابي على مجلة شارلي إيبدو، والذي قتل فيه 12 شخصاً، بينهم الرسامون الأربعة، ستيفان غاربونييه (شارب)، وجان كابو (كابو)، وفيليب أونوريه (أونوريه)، وبرنار فيرلا (تينو)، وكان الأشهر بين زملائه، برسوماته الكاريكاتيرية ضد نظام الأسد، فضلاً عن رئيس التحرير، جورج ويلنسكي، والاقتصادي برنار ماريه، والمحللة النفسية إلزا كايات، والتقنيين ميشيل رونو، وفردريك بواسو، والمدقق مصطفى أوراد، والشرطيين المكلفين بحماية المجلة، فرانك برنسولار، والمغربي الأصل أحمد مرابط، فضلاً عن أصول المدقق. كل منهم كان فرداً وشخصاً ذا حياة وإطار اجتماعي وإنساني شامل، أودى بهم مجانين الإرهاب والتكفيريون الجدد، بقرار فردي وفي لحظة واحدة، وباستبداد مطلق، لا يقل عن استبداد نظام بشار الأسد وشبيحته والعصابات التي تؤيده، بما فيها مَن يدّعون نصرة الله والدفاع عن ورثته على الأرض.
أعلم أنني أواجه، وسأواجه، معارضين لكلامي هذا، وسأتقبّل آراءهم بكل ترحاب، لكني أقول لبعض من يمكن أن يتدنى كلامهم إلى ما دون مستوى العقل والذوق، إنهم أحرار في رأيهم، بغض النظر عن إمكانية استمرار الحوار معهم أو عدمها. فأنا رجل حر، وطالما حاولت أن أكون حرّاً وعلناً في بلدي وواجهت في سبيل ذلك ما واجهت، من النظام المجرم. واليوم، أنا في بلد حر، وقد تطور كثيراً، وتغيّر، على طريق تلك الحرية، ولم أجد منه إلا كل تكريم لي ولحريتي، وسأتابع ممارستها، كما أحلم بممارستها في بلدي أيضاً، وفي مستقبل لا أشك أنه قادم، على الرغم من طول الطريق، وكل الآلام والقذارات التي يصنعها النظام، وبعض من يدعون الثورة، وهي منهم براء. وبطبيعة الحال، ليس لأحد المزاودة عليّ في القيام بواجبي تجاه آلام شعبنا. فآمل من بعض السوريين المتحمسين، والذين يرون الأمور بزاوية حادة فقط، آمل منهم تقدير ذلك، وعدم ارتكاب أخطاء في حقي، أو في حق الأفكار المطروحة، بل وفي حق أنفسهم أولاً. كما أذكّر من سيطرح المسألة، وكأنه المنافح الأخير عن الإسلام والمقدسات، بأن الله والإسلام أرحم من بعض الإسلاميين، وأن هناك اجتهادات عديدة ومرنة في تاريخ الإسلام.
أخيراً، أقول لهم: الحساب الأخير عند الله. وليس من حقهم أبداً استعجال ذلك الحساب، والأخطر من ذلك المبادرة إلى تنفيذه بيده أو بلسانه. فذلك ليس شيئاً آخر سوى الإرهاب. أما الجوانب الأخرى التي فتحها الاعتداء الإرهابي، على مجمل علاقتنا بالمجتمع الفرنسي والأوروبي وثقافته، فهي كبيرة وتنذر باحتمالات وآثار خطيرة، علينا أن نستعد جيداً لها، لكن ذلك موضوع مختلف. وسيكون مجال بحث آخر، لا يتسع المجال له هنا بطبيعة الحال.