عن قمة الكتلة العربية الأكثر تماسكاً

10 ديسمبر 2016

قمة قادة مجلس التعاون لدول الخليج في البحرين (6/12/2016/الأناضول)

+ الخط -
لم تسجّل القمة الخليجية السابعة والثلاثون التي استضافتها البحرين اختراقاً، كما لمّح إلى ذلك معلقون، غير أنها سجلت مضي الكتلة العربية الأهم في تماسكها على صعد مختلفة. الاختراق الذي لم يحدث هو الإعلان بصيغةٍ ما عن بدء ولادة الاتحاد الخليجي. وقد غذّى هذه التوقعات تصريحٌ منسوب لوزير شؤون مجلسي الشورى والنواب البحريني، غانم البوعينين، قبيل انعقاد القمة، من أن الاتحاد الخليجي قد ينشأ بدون سلطنة عمان، وقد نفى الرجل هذا التصريح، بعد أربعة أيام على نشره في صحيفة الحياة، بعدما أثار صدىً واسعاً في المنطقة. يستحق التنويه، هنا، أن تصريحاً مماثلاً صدر قبل ثلاثة أعوام (ديسمبر/ كانون الأول 2013) عن وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، ذكر فيه حينها أن الاتحاد الخليجي قد يقوم بأقل من ست دول. والمعلوم أن البحرين متحمّسة لإنشاء الاتحاد الذي أطلق فكرته ملك السعودية الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، في قمة الرياض الخليجية 2011. ومنذ ذلك التاريخ، وبند الاتحاد على جدول أعمال قمم مجلس التعاون. وسبق لسلطنة عُمان أن عبّرت بالفعل عن معارضتها إنشاء الاتحاد. وقد جاء الموقف البحريني، وكأنما ينطوي على ضغط ودّي على الشقيق العماني، من أجل ان يلتحق بركب الاتحاد، وإلا فإن ركب الاتحاد قد يُقلع بدونه.. وما زالت مسقط ثابتةً على موقفها الرافض اندماج الدول الست في اتحادٍ يجمعها. و"في حال قيام الاتحاد، فإن سلطنة عمان لن تكون عضواً فيه"، على ما قال وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، في تصريح نشرته صحف سعودية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فيما نوّه البيان الختامي لقمة البحرين (عقدت يومي 6 و7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري) إلى أن الجهود سوف تتواصل على هذا الطريق (طريق الانتقال من صيغة التعاون إلى صيغة اتحادية)، ودعوة الهيئة المتخصصة (لهذا الغرض)، إضافة إلى المجلس الوزاري لمتابعة
العمل ورفع التوصيات إلى القمة الخليجية المقبلة. ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخمس ما زالت تأمل أن تعيد مسقط النظر في موقفها، أو أن تقلّل من حدّة موقفها الرافض، بما يسمح بالتباحث التفصيلي معها حول المشروع. علماً أن التميّز العُماني عن باقي دول الخليج العربي لا يقتصر على الموقف من مشروع الاتحاد الخليجي، بل يشمل الموقف من إيران، وكذلك الموقف من المسألتين السورية واليمنية. لكن ذلك لا يمنع مسقط من التوقيع على البيان الختامي للقمة الذي يعكس رؤية الدول الخمس إزاء هذه المسائل. وتتلخص وجهة النظر العمانية هنا في أن اختلاف مسقط يسمح لها بأن تلعب دور التجسير بين إيران ودول الخليج، وتحرص طهران، في أدبياتها الدبلوماسية والإعلامية، على وصف العلاقات مع مسقط بأنها "استراتيجية"، بينما تكتفي مسقط بوصف هذه العلاقة بأنها عادية وحسنة بين دولتين جارتين.
في واقع الأمر، كانت المسارعة، في هذه الظروف، إلى الإعلان عن البدء بصيغةٍ اتحاديةٍ، ستبدو استباقاً لإنضاج المشروع، وخطوةً تعكس حماسةً كبيرةً، واندفاعاً عاطفياً، أو حتى نوعاً من الهروب إلى الأمام، قبل أن تتوفر الهياكل المناسبة التي ينهض عليها الاتحاد. الأفضل من ذلك هو المضي في بناء المؤسسات وتطويرها، وإشراك المجتمع والرأي العام على نطاقٍ واسع، وبصورة حرّة، في بلورة فكرة الاتحاد، حتى لا تبدو الفكرة، على الرغم من وجاهتها، قراراً فوقياً، وتحقيق تكامل واقعي وفعلي في سائر المجالات الحيوية بين دول الاتحاد الست، يفضي، بصورة تدرجية، إلى إعلان الاتحاد، وهو ما عكسه البيان الختامي في بنودٍ عديدة. كما عكس ثباتاً على المواقف حيال التحدّيات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والخليج، وهو ما رأى فيه معلقون عدم إتيانٍ بجديد.
بينما يستحق الثبات نفسه التقدير ضمن واقعٍ سياسيٍّ عربيٍّ رجراج، لا يستقرّ على شيء، ويكاد يكون فاقداً الذاكرة القومية، وينحو أكثر فأكثر إلى التراجع أمام سلبية المجتمع الدولي، أو حيال الاندفاعة الإيرانية والروسية. إنه لأمرٌ مثير للإعجاب أن يتم الحديث، بلغةٍ واضحةٍ، عن النزعة التوسعية الإيرانية، والتدخل في شؤون الدول والمجتمعات ودعوة طهران إلى الكفّ عن التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وصولاً إلى تحديد موقفٍ من الاتفاق النووي، يقضي بأن يتم الالتزام بالاتفاق، وفي الوقت نفسه، عدم تطوير أسلحةٍ قابلةٍ لحمل رؤوس نووية، كالصواريخ البالستية. وإذ تتحدث دول مجلس التعاون الخليجي بهذا الوضوح، فإنها تسُدّ نقصاً في مجمل الموقف العربي، إضافة إلى شلل جامعة الدول العربية إزاء التحديات المفروضة. وقد دأبت طهران على مهاجمة قرارات القمم الخليجية، لكن ذلك لم يثن القمم عن التمسّك بمواقف ثابتة، منها الموقف من جزر الإمارات الثلاث، وقد شمل البيان الختامي لقمة البحرين، أخيراً، "دعم حق السيادة للإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر الثلاث، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضي الإمارات العربية المتحدة".
وقد تصدّر الموقف من قضية فلسطين والاحتلال الاسرائيلي بيان القمة بما يخص الوضع في
الإقليم، حيث جرى مجدّدا التمسّك بوجوب إنهاء الاحتلال لجميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس وهضبة الجولان السورية، ورفض الاستيطان وإدانته، وتأييد منح فلسطين عضويةً كاملةً في الأمم المتحدة، وقد جاء الموقف الخليجي مطابقاً للموقف الفلسطيني من جهة، ويعكس الالتزام الثابت والمتجدّد بهذه القضية من جهةٍ أخرى، في وقتٍ بات بعضهم لا يأتي على مجرد ذكر القضية الفلسطينية، وهو ما يدلّل على أن لا مكان للتطبيع، وبعد أكثر من عشرين عاماً، على توقيع اتفاقيات عربية إسرائيلية، ولا فرصة أمام اختراق إسرائيلي لأساسيات الموقف السياسي في الخليج، على الرغم من محاولاتٍ صهيونيةٍ محمومةٍ، لم تتوقف على هذا الصعيد.
ولم يخل البيان من موقفٍ مبدئي وصريح، يناصر الشعب السوري في محنته، ويدعو إلى الوقوف معه، وإلى تطبيق القرارات الدولية ذات العلاقة. هذا في وقتٍ يتقهقر فيه الالتزام الرسمي العربي بحق السوريين في الحياة والحرية والكرامة. وفي الوقت نفسه، الوقوف بحزم ضد الإرهاب الذي يمثله تنظيم داعش في العراق وسورية وليبيا، وأي مكان آخر.
تمثل هذه المواقف الحد الأدنى العربي القومي، وقد ثبتت دول مجلس التعاون صموداً بتمسّكها بهذه المواقف. ومن المفارقات حقاً أن دول الخليج التي لطالما وصفت بأنها محافظة، باتت تعتمد مواقف متقدمة على مجمل الموقف العربي، فيما التماسُك الخليجي السياسي ينعكس إيجاباً على الجامعة، وعلى القمم العربية التي تشكو من استفحال اهتزاز الثقة بين مكوّنات الجسم السياسي العربي، وزيادة ميول الانعزال عن الشأن القومي.