عن العلاقات المغاربية البينية

23 مايو 2015

نقطة حدودية بين المغرب والجزائر (2 ديسمبر/2014/Getty)

+ الخط -
ينفرد المغرب العربي، منذ سنوات الاستقلال، باستقراره النسبي، وغياب الصراعات المرتفعة الحدة، مقارنة بمشرق العالم العربي الذي يعرف توترات وصراعات مرتفعة الحدة. وعلى الرغم من التوتر البنيوي في العلاقة الجزائرية-المغربية وصراع الصحراء الغربية والأزمة الليبية، فإن المنطقة تبقى مستقرة نوعاً ما، مقارنة بالتخوم الساحلية والجوار المشرقي.

بيد أن المشهد الاستراتيجي بدأ يتغير بعض الشيء، من دون أن يخل ذلك بالاتجاه الاستراتيجي (الثقيل) السائد في المنطقة، فالعلاقة الجزائرية-المغربية غير مستقرة، وبورصة التوتر البنيوي في حركة مستمرة. وتتفاعل في هذه العلاقة عوامل تنافسية-صراعية تقليدية وطارئة. والجديد طبعاً لا يخص الصراع التقليدي حول زعامة النظام الإقليمي المغاربي، والخلاف حول تسوية نزاع الصحراء الغربية، وإنما يخص تحول قضايا طارئة إلى خلافات جديدة تُضاف إلى سجل الخلافات الثنائية والمغاربية البينية الثري... وهناك أربع قضايا خلافية طارئة في العلاقة الجزائرية-المغربية، أولها التدخل الدولي في ليبيا. منذ البداية، رفضت الجزائر أي تدخل أجنبي في ليبيا، متمسكة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والذي تقوم عليه سياستها الخارجية والأمنية، بينما دعم المغرب التدخل في ليبيا. وسرعان ما تحولت الحرب في ليبيا إلى فتنة بين الجزائر والمغرب بعد اتهام الثاني الأولى بدعم كتائب القذافي بمرتزقة وأسلحة، ما نفته الجزائر وتلقت حينها دعماً من الولايات المتحدة التي كذبت التصريحات المغربية. ثانيها التنافس بين الجارين في إطار المؤتمرات الإقليمية حول تأمين الحدود، لاسيما الليبية، انعقد أولها في طرابلس وثانيها في الرباط، حيث اتضح في مؤتمر الرباط أن الأمن في ليبيا وتداعياته الإقليمية أصبح أيضاً مطية للتنافس بين الجارين الأقوى مغاربياً. إذ سعى المغرب تجاوز مؤسسات الاتحاد الإفريقي، الذي يبقى خارجه، بالدفع لتشكيل آليات أمنية جديدة، بينما سعت الجزائر إلى الدفاع عن الآليات الإفريقية، باعتبارها إحدى الدول النافذة في مؤسسات الاتحاد الإفريقي. ثالثها، التنافس حول التسوية السياسية في ليبيا حيث استمرت الأزمة الليبية في تغذية التوتر البنيوي بين الجزائر والمغرب، وتحولها إلى مجال للتنافس بينهما، حيث نظم كل منهما جولات للحوار بين فرقاء الأزمة في ليبيا. رابعها الخلاف حول تأمين وتسيير الحدود لمحاربة الإرهاب والهجر السرية، حيث يتهم المغرب الجزائر بالدفع بمهاجرين أفارقة نحو حدوده، كما شرع في تسييج جزء من حدوده مع الجزائر، ببناء جدار مجهز بأحدث الأنظمة الإليكترونية، ويعد هذا الجدار الأول من نوعه في المغرب العربي. وبغض النظر عن شرعيته من عدمها، فإنه دلالة على التناقض في سلوك المغرب الذي يطالب بفتح الحدود مع الجزائر (المغلقة منذ 1994) وفي الوقت نفسه، يشيد جداراً على الحدود.

أما العلاقة الجزائرية-الموريتانية، فعلى الرغم من هدوئها خلال سنوات، اتسمت بدعم جزائري واضح لموريتانيا، فإنها عرفت، أخيراً، توتراً بسبب طرد موريتانيا دبلوماسياً جزائرياً، وردت الجزائر على ذلك بالمثل، وكأن المغرب العربي عاد إلى سنوات الحرب الباردة البينية للقرن المنصرم.

أما العلاقة التونسية-الليبية فهي الأخرى متوترة، بسبب صعوبة تعامل تونس مع الصراع الأهلي في ليبيا، وانقسام البلاد إلى معسكرين، يدعي كل منهما الشرعية والتحدث باسم ليبيا. ولكن، بحكم الجوار، فتونس مجبرة عملياً على التعامل (أيضاً) مع الفريق الليبي المسيطر على الحدود الليبية-التونسية. ويبدو أن هموم تونس مع جارتها الشرقية لم تنته، فليبيا كانت دائماً معضلة أمنية بالنسبة لتونس، في أثناء حكم القذافي، كما بعد رحيله.


أما العلاقة الجزائرية-الليبية فقد عرفت توتراً في أثناء الحرب الليبية، بالنظر للانتقاد، بل الموقف العدائي للمجلس الانتقالي الليبي إزاء الجزائر، لاتهامها بدعم نظام القذافي. وهذا ما نفته الأخيرة مشددة على حيادها. ولا شك في أن الجزائر لم تدعم الثوار في ليبيا، لكن هذا لا يعني أنها وقفت إلى جانب النظام. بعد نهاية التدخل العسكري في ليبيا، بسقوط النظام وتخبط البلاد في حرب أهلية، تطورت العلاقة بين الجزائر والسلطات الليبية الجديدة، لوعي الطرفين بضرورة تأمين الحدود وتطوير التعاون الثنائي، لتعرف العلاقة تطوراً نوعياً في المجالين الأمني والسياسي، إلا أن الصراع على السلطة في ليبيا حدَّ من هذا التطور، وبقيت العلاقة تتأرجح بين التوتر، المنخفض أحياناً، والتحسن الملحوظ أحياناً أخرى. ومصيرها مرهون بالأساس بتوصل الليبيين إلى الاتفاق على سلطة شرعية واحدة وموحدة تمثلهم.

وفي الختام، يمكن القول إن هذه التفاعلات الثنائية تتم وتتطور في مشهد إقليمي غير متجانس، عكس العقود السابقة. إذن، يمكن تصنيف دول المغرب العربي في أربع فئات أساسية: الدول الانتقالية، وهي في الحقيقة واحدة (تونس)؛ الدول المتأزمة-المضطربة، وهي أيضاً واحدة (ليبيا)، والدول التسلطية (الجزائر، المغرب وموريتانيا) مع اختلاف في طبيعة التسلطية ودرجتها. وبالتالي، تمثل الوحدات التسلطية الأغلبية، ما يخلق متاعب سياسية (من حيث سبل التعاطي مع الجيران) بالنسبة للوحدة الانتقالية (تونس). لكن الفئة الأخطر في الراهن هي التي تمثلها ليبيا كونها أصبحت خطراً أمنياً على نفسها، وعلى جيرانها، فهي مصدر خلافات سياسية مغاربية بينية، وعدم استقرار إقليمي.