عن الضغط لإطاحة تيلرسون

09 مارس 2018
+ الخط -
توظف الدول قنوات خلفية موازية لقنوات الدبلوماسية التقليدية، للضغط على صُنَّاع القرار وقادة الرأي في دول أخرى، لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، أو دَرْء مخاطر قد تَضُرُّ بمصالحها. وغالبًا ما تدار هذه القنوات الخلفية عبر "جماعات الضغط" أو "جماعات المصالح"، غير أن المصطلح الأكثر استخدامًا للدلالة على هذه الجماعات هو اللوبي، وقد أُطلق على ممثلي جماعات الضغط الذين غالبًا ما يتجوَّلون في ردهات المؤسسات الحكومية والتشريعية، حيث يلتقون صناع القرار ويحاولون التأثير عليهم.
وتستخدم الدول أدوات الضغط السياسي والعلاقات العامة، أو ما تسمى "الدبلوماسية الموازية"، للتأثير على سياسات الدول الأخرى، ولتسهيل مصالحها الخارجية، وتحسين صورتها، وتشويه سمعة خصومها، وهو ما تجلى واضحا في سنوات الحرب الباردة بين الغرب والإتحاد السوفييتي. وليس خافيا أن الحكومات الأميركية المتعاقبة استخدمت وكالات العلاقات العامة والدعاية السياسية في العقود الأخيرة بشكل أساسي، لتغيير أنظمة سياسية أو تبرير تدخلات عسكرية خارج الحدود، كما وقع في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما وظفت الإدارة الأميركية فعاليات العلاقات العامة وحملات الدعاية السياسية لإطاحة رئيس بنما، مانويل نورييغا، وحشد التأييد العالمي لعملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت، وتعبئة الرأي العام وراء ما سميت منذ ذلك الحين "الحرب على الإرهاب"، وكذا "خطر امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل".
ولا تقف الدول العربية استثناء في توظيف الضغط السياسي والعلاقات العامة، للتأثير على سياسات الدول الأخرى، لا سيما منها الدول العظمى، لتسهيل مصالحها الخارجية، وتحسين صورتها، وتشويه سمعة خصومها، وهو ما تجلى في كشف هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أخيرا، عن تجنيد الإمارات العربية شركات علاقات عامة، وجماعات ضغط لتشويه سمعة دولة قطر وصورتها في العالم حتى ما قبل الأزمة التي فجرتها الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في وجه قطر، في مايو/ أيار 2017. وقالت "بي بي سي" إنها حصلت على رسائل بريد إلكتروني مسربة، تكشف وجود مساع لإقالة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من منصبه، بعد رفضه دعم المقاطعة التي تقودها الإمارات ضد جارتها قطر.
ليس ما كشفته "بي بي سي" سابقة، إذ لم يعد سراً ما تبذله دول خليجية من أموال على حملات لشيطنة قطر، وتقليم دورها. فقد كشف تحقيق أجرته صحيفة ميل أون صنداي البريطانية، أواخر عام 2015، أن حكومة أبوظبي دفعت لمؤسسة كويلر للعلاقات العامة، ومقرّها لندن، ملايين الجنيهات لتنظيم حملات هجوم وتشويه في بريطانيا ضد قطر. وكشف التحقيق أن أبوظبي استأجرت شركة كويلر البريطانية للاستشارات والعلاقات العامة لفبركة الأخبار والتقارير الصحافية التي تشوه سمعة قطر، وتتهمها بتمويل الإرهاب. وتوازت الحملات المعادية لقطر في وسائل إعلام بريطانية مع حملات مماثلة في وسائل إعلام أميركية. وقد كشف موقع "إنترسبت"، في عام 2014، أن الإمارات استعانت بشركة كامستول لأجل تنظيم حملات مناهضة لدولة قطر. وكشف الموقع أن القائمين على الحملة اقترحوا بالموازاة بين ملفي "دعم قطر للمنظمات الجهادية الإرهابية" و"الفساد في منح قطر تنظيم كأس العالم 2022". وتُظهر المعلومات التي قدمتها "كامستول" للهيئة الأميركية المكلفة بمراقبة نشاط وكالات العلاقات العامة التي تعمل لصالح جهات أجنبية سلسلة من المحادثات بين موظفي الشركة وصحافيين في صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست وديلي بيست وفايننشال تايمز، ووكالتي داو جونز نيوزويرز وبلومبرغ نيوز، وشبكة سي إن إن، وآخرين، نشروا مقالات متتالية ضد قطر.
ولطالما أثار نشاط شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط مخاوف الحريصين على سلامة عمل المؤسسات الدستورية في الولايات المتحدة. وقد تنبه أول رئيس للولايات المتحدة الأميركية، جورج واشنطن، لخطورة لجوء الدول والأنظمة السياسية إلى القنوات الخلفية، للتأثير على صنّاع القرار في واشنطن، ولذلك عمد إلى تحذير الشعب الأميركي من "التأثير الخبيث للقوى الخارجية على عمل الحكومات المُنتخبة شعبياً".
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.