عنف الشرطة يفجّر الغضب في ضواحٍ باريسية

21 ابريل 2020
مواجهات بين محتجّين وعناصر الشرطة (صموئيل بويفين/ Getty)
+ الخط -
انقلب مشهد الهدوء الذي يعم العاصمة الفرنسية باريس، نتيجة إجراءات الحجر الصحي، في عطلة نهاية الأسبوع، إذ شهدت بعض الضواحي الباريسية مواجهات بين محتجين وعناصر الشرطة، نتيجة حادث تعرض له أحد السكان واتهمت الشرطة بالتسبب به.
بدأت الأحداث ليل السبت الأحد الماضي، عند إشارة ضوئية في ضاحية فيلنوف لاغارين شمالي باريس، حيث انتشر مقطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي يظهر شاباً ثلاثينياً ممدداً على الأرض وينزف دماً من ساقه.
الشاب سائق دراجة نارية، وبحسب رواية شهود العيان، قامت سيارة شرطة سرية كانت متوقفة بالقرب من إحدى الإشارات الضوئية بفتح الباب أمامه فجأة، ليصطدم به ويقع على الأرض، ما تسبب بكسر في ساقه، بحسب التقرير الصحي. 

في أعقاب الحادثة، عاشت المنطقة ليلة صاخبة، تخللتها مواجهات بين شبان غاضبين وقوات الشرطة، استخدم خلالها المحتجون الزجاجات الحارقة والمفرقعات، فيما ردت الشرطة بالقنابل المسيلة للدموع، في محاولة لتفريق الحشود الغاضبة. 

ولاحقاً، امتدّت الاحتجاجات إلى ضواحٍ أخرى قريبة، مثل سان دوني، أنيير سور سن، فيل بانت وأولنيه سو بوا.

رواية الشرطة

مع انفلات الأوضاع في ضواحي الشمال، أصدرت الشرطة توضيحاً لمجريات ما حدث، قالت فيه إن الشرطة كانت ترغب في إيقاف الشاب، لأنه يسير بسرعة عالية ولا يضع خوذة على رأسه، وهي الرواية التي ينفيها شهود عيان ومحامي سائق الدراجة تحدثوا لصحف فرنسية. 

ويضيف توضيح الشرطة، الذي وزّع على وسائل الإعلام، أن حوادث الشغب التي اندلعت بعد الحادثة أدت إلى اعتقال تسعة أشخاص لحيازتهم مقذوفات حارقة وارتكابهم العنف وإهانة الشرطة. ونقلت صحيفة "ويست فرانس" عن مصدر قوله، اليوم الثلاثاء، إن الشرطة اعتقلت سبعة أشخاص في ضاحية كليشي لا غارين واثنين آخرين في رويل مالميزون.

وقالت الشرطة إن حوادث الشغب، لا سيما في فيلنوف لا غارين وأولناي سو بوا، تسببت بإحراق نحو 15 سيارة، وكثير من الدراجات، بالإضافة إلى خمسين حاوية قمامة.

مطاردة أم تصميم مسبق على إيذائه؟

طه بوحفص، صحافي وثّق مجريات ما حدث مع ثلاثة صحافيين آخرين كانوا برفقته، يمكن مشاهدتهم في مقطع فيديو انتشر بشدة على الإنترنت وهم يحاولون الاقتراب من مسرح الأحداث بعدما منعتهم الشرطة.

يقول بوحفص على حسابه في "تويتر" إن الشاب الذي صدمته سيارة الشرطة "يعاني من آلام حادة جداً ولا يوجد موعد بعد لإخراجه من المستشفى. وفق الأطباء سيبقى هناك طوال الأسبوع". 

المفاجأة كانت في اعتقال بوحفص لاحقاً أثناء فوضى ما حصل. يقول: "أطلق سراحي بعد اعتقالي بعنف وتقييد اليدين. يبدو أنها بدأت تصبح عادة الآن (انتهاكات الشرطة في الضواحي الفقيرة)". ويضيف أنه عندما كان مع مجموعة من الصحافيين يحاولون تغطية الأحداث، "هددت الشرطة بإلقاء قنبلة علينا من دون أي سبب". 

رابطة حقوق الإنسان في فرنسا قالت، في تغريدة على موقع "تويتر" إثر اعتقال بوحفص، إن "قانون العمل يكفل حرية العمل الصحافي، علاوة على ذلك لكل مواطن الحق في الحصول على المعلومات. يجب على الشرطة التوقف عن عرقلة حرية نشر المعلومات". 

وفي وقت لاحق، قالت الشرطة إنها فتحت تحقيقاً حول الحادثة، فيما نقلت صحيفة "ليبراسيون" عن مكتب المدعي العام في نانتير قوله إن الضحية، البالغ من العمر ثلاثين عاماً تقريباً، "يخضع للإشراف القضائي منذ 16 مارس/ آذار، بتهمة التهديد بالقتل، وينتظر محاكمته في يوليو/ تموز".

هل يوقظ الحادث ذكريات 2005؟

على مواقع التواصل الاجتماعي، دارت مواجهة من نوع آخر. اليمين المتطرف وأنصاره يطالبون بتدخل قاسٍ للشرطة، بينما يدافع سكان الضواحي الفقيرة ومناصروهم عن حقهم بحياة أفضل ورفع تسلط الشرطة عنهم.

هنا يدعو بوحفص، عبر موقع "تويتر"، إلى وقف "حوار الطرشان" مع اليمين الفرنسي المتطرف، ويحذر: "تشتعل الضواحي ويكرر التاريخ نفسه، الانفجار ليس بعيداً هذه المرة، فكثير من الظلم يتراكم. الأيام القليلة ستكون حاسمة. أيها الصحافيون لا ترتكبوا نفس الأخطاء التي ارتكبتموها عام 2005. إنكم تتحملون مسؤولية خاصة". 

وتبقى ذكريات "أحداث الشغب" التي عمت الضواحي الفرنسية عام 2005 كابوساً يتم إيقاظه عند كل حادث تتسبب به الشرطة في الضواحي الفقيرة. واشتعلت تلك الأحداث آنذاك إثر مقتل مراهقين بسبب ملاحقة الشرطة لهما، وللمفارقة فإن شرارة تلك الأحداث انطلقت من المكان ذاته الذي يشهد اليوم احتجاجات قوامها شبان تلك الأحياء.

يشار إلى أن حوادث الانتهاكات التي تقوم بها الشرطة في الضواحي الفرنسية شهدت تصاعداً ملحوظاً خلال فترة الحجر الصحي، وعزا البعض ذلك إلى الصلاحيات التي منحت لأجهزة الأمن والشرطة، ليستغلها العاملون في هذه الأجهزة بصورة سيئة، إذ بعد نحو أسبوعين فقط من بدء الحجر الصحي في فرنسا، تم الإبلاغ عن تقارير عديدة حول انتهاكات قامت بها الشرطة.
ولعل أبرز تلك الانتهاكات التي تم توثيقها كانت حادثة اعتداء دورية شرطة على موظف يعمل في شركة أمازون، تم الاستفراد به في رواق مبنى، لينهال عليه رجال الشرطة بالضرب المبرح لعدم حيازته وثيقة تبرر خروجه أثناء سريان الحجر الصحي.
حول تلك الحادثة، نقلت وكالة "فرانس برس" عن شهادة طبية أن الضحية، ويدعى سفيان، "أصيب في وجهه وفي جسده بكدمات عديدة، فيما سيكون عاجزاً عن العمل لأربعة أيام على الأقل"، فيما قال محامي الشاب، الذي رفعت عائلته شكوى ضد الشرطة، إن "عنف الشرطة الذي نتحدث عنه هو عمل مؤسسي، وهو أمر مخيف للغاية (..) نحن في أحياء يعيش فيها أناس يصرحون علناً بأنهم يعيشون في خوف دائم من الشرطة".

المساهمون