قبل أسابيع، استفاقت مدينة المسلمية في وسط السودان على وقع جريمة صادمة. فقد اكتشف الأهالي مقتل امرأة (75 عاماً) وابنها الأكبر (48 عاماً) وابنها الأصغر (38 عاماً) وابنتها (43 عاماً)، وقد استخدم الجاني وسائل قتل عدّة من طعن وخنق وحرق بالبنزين والغاز. ولعلّ الصدمة الحقيقية كانت عندما كشفت الشرطة خلال 48 ساعة أنّ الجاني هو حفيد المرأة المغدورة وابن أخت أبنائها المغدورين الثلاثة، ويبلغ من العمر نحو 25 عاماً.
وبعد التحقيق مع المتهم، أوضحت الشرطة أنّ دوافع الجريمة مادية بحتة، فهو سرق 57 ألف جنيه سوداني (نحو ثلاثة آلاف و150 دولاراً أميركياً) بالإضافة إلى حليّ من الذهب بهدف شراء مخدّرات. أضافت أنّه نفّذ جريمته بعد تعاطيه الترامادول. وهذه الحادثة واحدة من حوادث العنف الأسري في السودان، وإن بدت أكثر مأساوية من سواها من الجرائم.
إلى ذلك، شهدت العاصمة الخرطوم حادثة من النوع نفسه، عندما عُثر على زوجة رجل أعمال شهير يُدعى مهدي شريف، مقتولة داخل منزلها. وبعد أيام من التحرّي، توصّلت المباحث إلى أنّها لقيت حتفها على يد زوجة أحد أبنائها، وهي طبيبة. وبحسب ما كشفت الشرطة، فإنّ المتهمة كانت على خلاف مستمر مع المجني عليها، لا سيّما أنّهما تعيشان في منزل واحد. ويوم الحادثة، بعد تناول وجبة الفطور ومغادرة زوج الضحية المنزل، نفّذت الكنّة جريمتها وخنقت الضحية بواسطة وسادة. يُذكر أنّ المتهمة اعترفت بجريمتها ومثلتها في مسرحها، لكنّها، بعد انطلاق المحاكمة، أنكرت أقوالها وما زالت الجلسات متواصلة.
من جهة أخرى، انفصلت امرأة سودانية عن زوجها الأول بعدما أنجبت منه ابناً وابنة، وتزوّجت بآخر. وفي يوم، فقدت ابنتها الكبرى وراحت تبحث عنها في كلّ مكان قبل أن تعثر عليها جثّة هامدة. وجاء التقرير الطبي ليبيّن أنّها قُتلت بسبب كسر في العنق، ودُوّن البلاغ ضدّ مجهول. وبعد أشهر، فقدت طفلها الثاني، قبل أن تجده جثة هامدة مرميّة في منزل مهجور. وبعد تحريات مكثفة من قبل الشرطة، تبيّن أنّ زوجها هو الجاني، وقد أقرّ بأنّه فعل ذلك لأنّه لم يعد قادراً على تحمّل وجود الطفلين في منزله. والمحاكمة ما زالت قائمة، ومن المنتظر أن تصدر حكمها قريباً.
وفي آخر حادثة عنف أسري سُجّلت، صبّ طليق إحدى النساء سائل حمض الكبريت عليها لرفضها العودة إليه، الأمر الذي أدّى إلى تشويه وجهها بصورة كبيرة، قبل أن تلقى حتفها بعد أسبوع متأثرة بجراحها.
لا تتوفّر إحصاءات معلنة حول جرائم العنف الأسري، لكنّ باحثين اجتماعيين يحذّرون ممّا يحصل. وتعزو الباحثة الاجتماعية الدكتورة جميلة الجميعابي ذلك إلى "تراكمات نفسية سابقة في داخل الإنسان، أبرزها التربية والإحباطات العامة وانعدام الحوار بين أفراد الأسرة". تضيف الجميعابي لـ"العربي الجديد" أنّ "من بين الأسباب كذلك المشكلات المجتمعية والثقافية والاقتصادية"، مشيرة إلى "وسائط جديدة تساهم في التنشئة الثقافية مثل المسلسلات والأفلام ووسائل الإعلام التي تعلّم الناس كيفية تنفيذ الجريمة ولا تركّز على طرق علاج المشكلات". وتشير الجميعابي إلى أنّ "السودان عرف في الماضي مفهوم الأسرة الممتدة، وأنّ كل فرد - حتى الزوجة الغريبة - يعدّ نفسه جزءاً من الأسرة وقيمها ويحترم البقية. لكن في الفترة الأخيرة، برزت الأسر الصغيرة المنغلقة وباتت تنشر ثقافات عدائية جداً، من قبيل أنّ أمّ الزوج هي عدوّة الزوجة". وفي حين يحمّل كثيرون الظروف المعيشية مسؤولية العنف الأسري، ترى الجميعابي أنّ "النظرة المادية إلى العلاقات الأسرية طغت على النظرة المعنوية، بالتالي يكون التعليل بالظروف المعيشية". وتحدد الجميعابي "طرق معالجة المشكلات من خلال تعميم وسائل الإرشاد الأسري وتأهيل كل فرد في الأسرة للمرحلة التي يقبل عليها، خصوصاً الأزواج". وتشدد على "ضرورة الانتباه مبكراً إلى تعاطي المخدّرات المحتمل لدى الأبناء، وانحرافاتهم السلوكية".
من جهته، يربط الدكتور عوض محمد أحمد في دراسة أعدّها "ما بين العنف والفقر وما يرافق الأخير من شعور باليأس والإحباط. كذلك يربط العنف الأسري بالبطالة وإدمان الخمور والمخدّرات، بالإضافة إلى الإجهاد والصعوبات المهنية". يدعو محمد أحمد إلى "وضع برنامج قومي متعدد التخصصات للتعامل مع هذه المشكلة، بهدف زيادة وعي الرأي العام والجهات ذات الصلة حول حجم المشكلة، وتوفير الخدمات الطبية والدعم المعنوي والمادي والعون القانوني للضحايا. كذلك، لا بدّ من إدخال تعديلات على مناهج الكليات الجامعية ذات الصلة بالمشكلة، مع إصدار دليل قومي للأطباء حول كيفية كشف ضحايا العنف الأسري والتعامل معهم".
أمّا هيئة علماء السودان، فقد عزت في وقت سابق ظاهرة العنف الأسري المتنامية في المجتمعات السودانية إلى الجهل بأمور الدين والضوائق الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد. وقد دعا رئيس الهيئة البروفسور محمد عثمان صالح، في تصريحات صحافية، إلى تفعيل قيم الرحمة والعفو والتسامح وبرّ الوالدين والزوجة والأبناء والآخرين، وفقاً لما جاء في شرع الله الحكيم. ورأى صالح أنّ ما يحصل ظاهرة دخيلة على المجتمعات السودانية التي عُرفت بالأخلاق الفاضلة والتسامح والرحمة والعفو عند المقدرة. وللحدّ من ذلك، اقترح صالح تكثيف التوعية الدينية عبر المساجد وحلقات العلم، إلى جانب التوزيع العادل للثروة على مستوى المركز والولايات والتوسّع في مشروعات الإنتاج وخلق وظائف لاستيعاب الشباب ونقل المجتمع من حالة الاستهلاك إلى مجتمع الكفاية والعدل.