عنصرية ما بعد الملك

21 مايو 2015
+ الخط -
(1)
لم يكن مفاجئاً تصريح وزير العدل المصري المستشار، محفوظ صابر، بأن "ابن عامل النظافة لا يصح أن يصبح قاضياً". لأن المفاجئ حقا هو الأسباب التي ذكرها لذلك، فالوزير يرى أن ابن عامل النظافة لو أصبح قاضياً "حتصله حاجات كثير وهيجيله اكتئاب ومش هيستمر في شغله".

في عام حكمه اليتيم، أصدر الدكتور مرسي قراراً بتعيين 138 من أوائل خريجي كليات الحقوق والشريعة، وبعد عزله من منصبه استبعدهم مجلس القضاء الأعلى، بسبب ما سماه "عدم اللياقة الاجتماعية".

محمد كمال كان أحد هؤلاء المستبعدين، تخرج من كلية حقوق قسم اللغة الإنجليزية في جامعة الإسكندرية، وحصل علي درجة الماجيستير في القانون، لم يتحمل والده صدمة خبر استبعاده، فأصيب بجلطة توفي على إثرها.

محظوظ محمد كمال لم يصب باكتئاب، لكن والده مات بجلطة!

الوزير لم يضع قاعدة جديدة في التعامل، وإنما كشف عما يجري بالفعل، فابن القاضي لا يتساوى في بلادنا مع ابن عامل النظافة، وحقوق القاضي ليست كحقوق عامل النظافة، وما ينطبق على القاضي لا ينطبق على عامل النظافة، وأبناءهم، أيضاً، ليسوا سواء، حتى وإن ساوى القانون بينهما في الشكل وعلى الورق، فإنه لا يساوي بينهما في المضمون على الواقع.
وهذا باختصار معنى العنصرية "أن ترى لنفسك ما لا تراه لغيرك"، فالناس، عند العنصريين، ليسوا سواسية كأسنان المشط.

(2)

بعض أفلام السينما المصرية القديمة (كرد قلبي)، صورت لنا العنصرية التي كانت سائدة في العهد الملكي، عنصرية تفرق بين طبقتين من الناس، أغنياء وفقراء، سادة وعبيد، أو أبناء المدن وأبناء القرى.

انتهت الملكية وجاء العهد الناصري بشعار القضاء على العنصرية "ارفع رأسك يا أخي". و"ابن الجنايني بقى ضابط يا إنجي" كما قال الفنان، أحمد مظهر، في فيلم رد قلبي، مفسراً طبيعة ما جرى، حيث حلت طبقة الضباط محل طبقة الأثرياء، وهو إحلال صورته بوضوح رواية عمارة يعقوبيان لكاتبها علاء الأسواني، في مشاهد استيلاء الضباط على شقق عمارة الأثرياء.

مرت السنوات وتبين أن ما جرى لم يكن قضاء على فكرة العنصرية في ذاتها، بقدر ما كان تبديلاً لمن يمارسونها، وتغييراً في معاييرها، فعنصرية ما بعد الملكية عنصرية جديدة قائمة على طبقية اجتماعية من جهة، وعلى مدى القبول بهذه الطبقية من جهة أخرى.

قيل إن عنصرية النخبة المصرية، كانت سبباً في عزل مرسي، فبعض هذه النخب كانت تراه ابن فلاح، قادماً من الريف، وهذه عنصرية قائمة على نوع الطبقة الاجتماعية، لكن الحبس والتنكيل الذي طال مرسي "ابن الفلاح" طال، أيضاً، السفير رفاعة الطهطاوي، حفيد أشهر قادة النهضة العربية في مصر، رفاعة رافع الطهطاوي، وهو من ارتبط اسمه بالبعثات إلى فرنسا، وهي عنصرية قائمة على رفضه هذه العنصرية وليس من القابلين فكرتها.

(3)

العنصرية الجديدة لم تجد غضاضة في التكريم والاحتفاء وفتح الشاشات أمام إعلامي مؤيد للسلطة في كل مواقفها، وهو ريفي حتى في لغته وحديثه، فيكرم باعتباره أفضل مذيع في مصر العام الماضي، وذلك على حساب إعلاميين آخرين، ليسوا مؤيدين، بعضهم يدرس الإعلام في كبرى الجامعات.

والعنصرية الجديدة تحتفي بفنان مؤيد للسلطة ولد في حي البساتين، وعاش طفولته في السيدة زينب، ولا ترى حرجاً في فتح الباب أمام نيل الدكتوراة الفخرية لآخر مؤيد، قادم من إحدى حارات شبرا، وكان يعمل مكوجيا، لكنها تمنع إذاعة أغان لفنان شاب، يشتبه في معارضته، رغم أنه يدرس الموسيقى في بيركلي ميوزيك التابعة لكلية بيركلي الأميركية للموسيقى.

العنصرية الجديدة لا تجد مشكلة في أن يقدم مذيع لبناني مؤيد أحد البرامج الثقيلة التي تتناول الشأن المصري، ولا تطيق مقالاً لكاتب معارض، فتلمز فيه باعتباره ذا أصول يمنية. والعنصرية الجديدة لا مشكلة لديها مع القيادات المسيحية المؤيدة لها، في حين أنها تسجن ناشطين معارضين من الطائفة ذاتها.

العنصرية الجديدة ترحب بأن يكون هناك قناتان تلفزيونيتان مؤيدتان للسلطة وتتسميان باسم مصر وتابعتان لدولة عربية، في حين شنت هجوماً حاداً على قناة أخرى تسمت باسم مصر، لكنها تحسب على المعارضة.

معايير العنصرية الجديدة لم تعد ذات مضمون طبقي فحسب، بل ترتبط كذلك بمعيار جديد هو مدى قبولك أو رفضك لهذه العنصرية الطبقية، ومدى التماهي أو التضاد مع قيم السلطة التي تتبناها وتحافظ عليها سلوكاً وقولاً.

(مصري)
المساهمون