عناق...

24 يناير 2016
(Getty)
+ الخط -
في اليوم العالمي للعناق، أضم قلبي إلى صدري كثيراً وأقول له بكل صدق افتقدتك، وما زلت في كل نبضة أتفقدك وأصلي فقط أن أموت قبلك.

أعرف يا قلب أنك لم تعد تحتمل، أعرف، وأنك بت تلهث كثيراً كلما مشت عليك المسافات أو صعدت بك الأدراج إلى طابقها الأخير، وأعرف أنك سقطت مني مراراً وأني خذلتك ولم أستطع أن أحميك من حصى الطريق، لكني يا قلب حاولت، ووقعت قبلك وأنا أحملك في راحتي ومع هذا فقد قفزت من يدي وتدحرجت أمامي، لم ينفع صراخي فقد انكسر قلبك ولن تغفر.

في اليوم العالمي للعناق، يصيح بي قلبي يا غريبة، حين كنت أحملك في ذاك اليوم وكنت تقفزين بي ولا تصدقين أن هواءك مملوء بتلك الأصوات التي تملأ السماء بتلك الحناجر التي تحمل قلوبها على كفيها وتنادي حرية، كنت خفيفة وجميلة يا غريبة، وكنت أخاف عليك من هذا الطيران في المعنى، فالمعنى واسع لكنه لا يستطيع أن يرتدي واقيات الرصاص وحين جاء ذاك اليوم الذي ثقبت الرصاصات قلب أخيك الأجمل، ثقبته كله بكل القلوب التي تعيش فيه، ثقبته كاملا بكل العصافير التي كانت على الأشجار والتي سمعت ورأت والتي حطت على قلبه، بعد أن تركته البندقية وكان قلبه يلعب معكم لعبة الغياب، وكان قلبه لا يصدق أنه لن يعانقك لن يعانق أمك لن يعانق والدك لن يعانق لن يحف قلبه بشعر طفليه، ولن يأوي أبدا إلى زند امرأته بعد، قلبه كان يروي للعصافير الكثير من النكات، وكان يسخر من الرصاصات لكنه كان يتوقف، وهو الذي لم يتوقف يوما عن مد قلبه لك في كل المحطات، قلبه الذي كان يلعب مع ابنه وابنك وكل أطفال المكان، يجلب لهم سيارات التحكم عن بعد ثم يلعب هو بها ويتحكم بقلوبهم عن كل قرب.

في اليوم العالمي للعناق يقول لي قلبي أعترف أني خذلتك يومها، نعم أعترف وأني تركت ودخلت إلى تلك الغرفة في المشفى، إلى ذلك المكان البارد جدا والمظلم، نعم لقد غافلتك، وفي زحمة النساء اللواتي حولك، وفي زحمة ذهولك، وزحمة البحات في صوت أمك والدهشة في عين أختك، في زحمة الزجاج الذي هوى من شبابيك قلب والدك، غافلتك وذهبت إلى تلك الغرفة الباردة، وعانقت قلبه كثيرا، كان قلبه هادئا كعادته، واسعا ككل لحظة، خجولا وفخورا، وكان قلبه البارد قد توقف عن الركض، لكنه أمسك بيدي وابتسم، سامحيني يا غريبة، إذ لم أعد إليك كاملا مذ ذاك اليوم أنا عدت إليك بلا قلبي، فهو أيضا خانني وبقي معه.

في اليوم العالمي للعناق، أمسك قلبي وأضمه إلى صدري ألف ذراعي على عنقه وأعانقه، وهو يفهم دون أن يسأل، فلا يسألني عن بيتنا ولا يسألني عن شغب الجيران، ولا عن التماثيل التي كانت في الزوايا ولا عن صوت الياسمينة الأبيض، لا يسألني عن الطريق إلى صيدليتي، عن القلوب التي كنت أربحها كل يوم، هو يعرف فلا يسأل، لكنه ينظر في عيني مليا ويقول لي لقد خفت مثلك على قلوب ولديك وخفت على قلبك إذا وجدوك وأخذوك إلى المعتقل، لكن ما لا يفهمه قلبي الذي بقي هناك معه في تلك الغرفة الباردة، بما ستحمين قلبهما، الاثنان اللذان طعنا بموت ذاك القلب واللذان سكنوني كل هذا العمر، اللذان لحق بك قلباهما حين رحلت وتمسكا بأصابع رائحتك وبأطراف صوتك، وبما ستحمينني حين يسقطني حنينك إلى قدميك، وتصيرين تجرجرينني خلفك فوق كل هذا الشوك في غربتك هذه، وحين تعشقين العشق، وتقاتلين بي الموت.

صمت، صمت طويلا
وفي يوم العناق العالمي
تذكرت وجهك لحظة أول المطر وأول أيلول
أمسكت قلبي وقلت
سأحميكم بهذا القلب



اقرأ أيضاً: إلى حيث يذهب الخيال
دلالات
المساهمون