بدا محمد (14 عاماً) منشغلاً بإصلاح دراجة نارية، أمسك بيده الصغيرة الملطخة بالبنزين والمكسوة بالسواد مفتاحاً حديدياً، حمل الدراجة الثقيلة التي كادت تغلب جسده النحيل وتسقطه أرضاً، ووضعها خارج الورشة حيث يعمل في العاصمة التونسية.
هكذا يقضي الفتى محمد يومه في العمل في الورشة الصغيرة، بعد أن ترك مقاعد الدراسة باكراً. يرمق المارة تارة ويسترق النظر إلى صاحب الورشة تارة أخرى، خشية أن ينهره إن تلكأ في العمل.
محمد ليس الطفل الوحيد الذي يعمل في تونس، بل كثيرون غيره تجدهم يومياً يعملون في أعمال شاقة وأخرى موسمية، بعضهم في ورشات الميكانيك والدهان والبناء والمطاعم، وآخرون على قارعة الطريق يبيعون الخبز والغلال والخضر والياسمين. مشاهد كثيرة ألفها التونسيون، حتى إنه يخيل للناس أن تشغيل الأطفال لا يمنعه القانون، لأن الدولة تصمت عن الظاهرة.
تحيي تونس اليوم 12 يونيو/ حزيران اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، ورغم أن الدولة صادقت على ثلاث اتفاقيات تتعلق بتجريم عمل الأطفال، إضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، إلا أن ظاهرة عمل الأطفال متواصلة في تونس بل في طريقها إلى مزيد من الاستفحال.
أما مرتضى (9 أعوام) فيقول لـ"العربي الجديد": "أعمل عادة بعد انتهاء الدراسة وأيام العطل لمساعدة أسرتي البسيطة، فوالدتي هي التي تعدّ الخبز وأتولى بيعه، سواء كان ذلك في الشتاء أو في الصيف لنكسب قوتنا".
غير بعيد عن مرتضى كان وقاض (13 عاماً) يبيع التوت البري. يرصف البضاعة على قارعة الطريق ويرمق السيارات علّه يظفر ببعض الزبائن. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه يجمع التوت رفقة شقيقه أحمد (15 عاماً) ثم يبيعانه على الطريق، فهما يعرضان الغلال حسب الفصول، تارة يبيعان عباد الشمس وتارة التين ومختلف أنواع الغلال قريباً.
وفي السياق، يوضح الكاتب العام لجمعية أطفال تونس، رفيق نور الكيلاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن لا إحصائيات رسمية عن الظاهرة، ولكن التقديرات تشير إلى وجود ما لا يقل عن مليون طفل تونسي بين منقطعين عن الدراسة ومئات الآلاف الذين يشتغلون في المطاعم وبيع أكياس البلاستيك وفي الميكانيك وبيع خبز الطابونة والغلال وفي الأسواق.
ويبين أن ظاهرة عمل الأطفال اليافعين بين سن 13 و14 عاماً في تفاقم مستمر في تونس، وتأخذ منحى خطيراً أحياناً، لأن هؤلاء الأطفال معرضون للخطر في الشارع، وقد تستغلهم عصابات إجرامية في ترويج المخدرات وفي السرقة، خصوصاً في وسط العاصمة، التي يتم فيها تقسيم مناطق عمل الأطفال.
كذلك يلفت إلى أن تدهور الظروف الاجتماعية وغلاء المعيشة دفعا كثيراً من الأسر إلى تشغيل أطفالها والدولة تبدو عاجزة عن احتواء الظاهرة.
بدوره، يقول المندوب العام لحماية الطفولة التابعة لوزارة المرأة، مهيار حمادي، إن ظاهرة تشغيل الأطفال تكثر في العطل الصيفية وفي الموسم السياحي، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن مندوبي حماية الأطفال يتحركون عند وجود إشعارات، مشيراً إلى التنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والفرق الأمنية في إطار فرق تتنقل وسط تونس الكبرى لرصد الحالات.
ويضيف أن عمل هذه الفرق يبقى منقوصاً على مستوى التوقيت والإطار البشري، خاصة أن هناك نوعاً من التسامح على المستوى الجزائي والعقوبات مع الأطراف المشغلة للأطفال والعائلات.
ويلفت إلى عدم التوجّه نحو الإجراءات السالبة للحريات عادة، بل إلى معالجة اجتماعية، مؤكداً عدم وجود آليات كفيلة بحماية الأطفال العاملين من المخاطر الموجودة، التي تؤدي في حالات كثيرة إلى الانقطاع المدرسي.
ويذكر أن هناك خطة وطنية تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية وبقية الوزارات المعنية انطلقت منذ 2015، ومستمرة حتى عام 2020 لمنع تشغيل الأطفال تحت شعار "كلنا ضد عمل الأطفال في تونس"، وتهتم بمراجعة التشريعات القانونية وتكثيف حملات التحسيس.