يلاحق الطفل أحمد حمور (12 عاماً)، طابور السيارات عند تقاطع شارعي الجمهورية والملك نمر، وسط العاصمة الخرطوم، ويلحّ على أصحابها لشراء مناديل ورقية يعرضها عليهم بسعر 10 جنيهات سودانية، أي أقل من نصف دولار أميركي.
حمور، الذي نزح مع أسرته إلى الخرطوم من منطقة قاصية بشمال كردفان، غرب السودان، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه ترك الدراسة منذ وقت مبكر، ويعمل بتلك المهنة الهامشية ليساعد أسرته المكونة من 6 أفراد بعد وفاة والده، مشيراً إلى أنه يربح في اليوم نحو 70 جنيهاً، يمنح والدته الجزء الأكبر منها، ولا يوفر لنفسه إلا النزر اليسير.
ويعدّ أحمد حمور واحداً من بين آلاف الأطفال في السودان الذين اضطرتهم ظروف الحياة المعيشية لترك مقاعد الدراسة وقطع مراحل طفولتهم في سوق العمل، ليواجهوا جملة من المخاطر الصحية والبيئية والاستغلال، في حين أن أطفالاً كثيرين وجدوا أنفسهم في أشغال ومهن أجبرتهم عليها ثقافة مجتمعية مستحكمة بأسرهم.
وتشير إحصائيات المجلس السوداني لرعاية الطفولة إلى أن نحو مليون طفل في السودان يعملون في مختلف الأنشطة الاقتصادية. وتعتبر الزراعة والرعي والتعدين والتجارة الهامشية أكثر المهن التي يشتغل فيها الأطفال.
وفي الخرطوم تحديداً، تعمل النسبة الأكبر من الأطفال في مسح الأحذية وبيع المياه وقصص الأطفال والأكياس والمناديل، إضافة إلى حمل البضائع وغسل العربات، وبعضهم يساعدون أمهاتهم ببيع الشاي في الشوارع.
وتنص المادة (36) من قانون الطفل لسنة 2010 على عدم استغلال الأطفال دون سن الـ14، لكن المادة نفسها استثنت عمل الأطفال في الرعي والأعمال الزراعية وغير الخطرة والضارة بالصحة، مع الاشتراط بالتقيد بتعليمهم.
ويعزو خبراء تنامي ظاهرة عمالة الأطفال إلى ارتفاع معدلات الفقر في المجتمع السوداني أساساً، التي فاقت نسبة 36 في المائة، وتصل في بعض الولايات إلى 67 في المائة. ويعقب الفقر تنامي الهجرة الداخلية نتيجة للكوارث الطبيعية في كثير من مناطق السودان، تضاف إليها الحروب والنزاعات في أطراف البلاد. وتلعب العادات والتقاليد أحيانا دورا مهماً في زيادة عمالة الأطفال، إذ يُثمن العُرف عالياً قيمة الأطفال المنتجين في بعض المجتمعات المحلية، كونهم يشاركون أسرهم في جلب الموارد.
وفي واحدة من محاولات معالجة القضية، افتتحت منطقة بحري بالخرطوم مدرسة في عام 2016، لاستيعاب 220 من الأطفال الذين يعملون حمّالين في أحد الأسواق، ووفرت لهم كل المستلزمات المدرسية مجاناً وأعفتهم من كافة الرسوم.
وذكرت سلطات ولاية الخرطوم يومها، أن برنامج تعليم الأطفال العاملين في الأسواق في توسع مستمر وسيمتد إلى أسوق أخرى، لنقل هؤلاء من سوق العمل إلى قاعات التعليم، وتحسين مستقبل عائلاتهم.
وفي أقصى شرقي البلاد وتحديداً في ولاية البحر الأحمر، نفذت الحكومة تجربة فريدة باستحداث برنامج "التعليم مقابل الغذاء"، الذي نجح في استيعاب أكثر من 45 ألف تلميذ في مرحلتي الأساسي والثانوي.
وبموجب البرنامج، توزع شهرياً مواد غذائية على التلاميذ وأسرهم، وتحصل الأسرة على 5 أرطال من الزيت ومثلها من السكر والذرة، وعيّنات أخرى. كما يخصص لطلاب المدارس الثانوية دعم شهري نقدي إضافة لبدل ملابس سنوي.
وتقول آمال محمود، الأمينة السابقة للمجلس القومي للطفولة، إن الفرص الاقتصادية تساهم أحيانا، كما الفقر، في زيادة عمالة الأطفال، مثلما حدث عندما بدأ السودانيون ينقبون بأنفسهم عن الذهب في كثير من مناطق السودان، مشيرة إلى أن أعدادا كبيرة من الأطفال ذهبوا لمناطق التعدين ليواجهوا أسوا مخاطر صحية.
وتضيف محمود في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مشكلة عمالة الأطفال في السودان معقدة وتحتاج لتضافر الجهود لإيجاد حلول متكاملة، يتمثل أبرزها بزيادة الميزانية المخصصة للتعليم، وسن مزيد من التشريعات التي تحرّم توظيف الأطفال، وإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية".
وشددت على دور الدولة ومنظمات المجتمع المدني برفع الوعي لمحاربة عمالة الأطفال، وترسيخ فوائد عيش الطفل لمرحلة الطفولة بكل ما فيها، مع تبين المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال بعد خروجهم للعمل بما في ذلك الاستغلال على أنواعه.