ويعدّ التوغل التركي هو الأول من نوعه، إذ لم تصل القوات التركية إلى هذا العمق داخل العراق منذ اندلاع الصراع المسلح مع مسلحي "العمال الكردستاني" في ثمانينيات القرن الماضي، ولجوء مسلحي الحزب إلى قمم جبال قنديل التي وفرت ملاذا طبيعيا لهم.
ووفقا لمصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ القوات التركية باتت ضمن حدود منطقة بارزان، مسقط رأس الزعيم الكردي مسعود البارزاني، ونصبت ما لا يقل عن 30 ثكنة عسكرية ونقطة مراقبة مع مدرعات ودبابات ومدافع ثقيلة.
وذكر مسؤول بحكومة إقليم كردستان العراق، في اتصال مع "العربي الجديد"، طالبا عدم ذكر اسمه: "نعم، أعتقد أنهم (الأتراك) يستعدون لعملية عسكرية داخل العراق"، مؤكدا أن "قوات البشمركة انسحبت من القرى والمناطق التي يتواجد بها الجيش التركي تحاشيا لأي تماس أو احتكاك بين الطرفين".
وحمل "حزب العمال الكردستاني" مسؤولية الخراب الذي سيحصل بالمنطقة بقوله "يريدون جعل المنطقة موصل أو فلوجة ثانية كما فعل (داعش)".
من جهته، قال عضو المجلس البلدي لمدينة سوران العراقية الحدودية مع تركيا، دلشاد عمر، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش التركي أنشأ مقرات ثابتة له ولم يتعرض للأهالي بسوء، لكن أغلب سكان القرى تركوا منازلهم خوفا من القادم واندلاع معارك، كما أنهم لا يفضلون التعامل مع الأتراك ويعتبرونهم محتلين لأراضيهم".
وأوضح أن "الحكومة العراقية ببغداد وكذلك حكومة أربيل تحاول عدم التطرق للموضوع، بل وتتجنب الحديث عنه، وكأنه اتفاق بين الجانبين على هذا التوغل".
وتابع عمر "القوات التركية تتواجد اليوم في مناطق عدة من قضاء سوران وسيدكان وبرزان وبرميز عند أطراف حدود قنديل، وقصفت الطائرات التركية مناطق رزكه وماردو وآليه رش وديردا داخل جبال القنديل".
وتضم منطقة جبال قنديل أكثر من 700 قرية صغيرة موزعة على سفوح الجبال بمساحة تبلغ أكثر من 40 ألف كيلومتر مربع، وتتميز بوعورة وصعوبة تضاريسها والتجويفات الجبلية التي خلقت ملاذات آمنة للمسلحين هناك.
ويقول المسؤولون الأتراك إن تواجدهم داخل العراق جاء للرد على هجمات مليشيات "حزب العمال الكردستاني"، الذي يتخذ من الأراضي العراقية منطلقا لهجماته.
وذكر شهود عيان في المثلث العراقي التركي، شمال البلاد، أن القوات التركية قصف بالمدافع قرى عدة داخل قنديل نجمت عنها خسائر مادية وحرائق طاولت مساحات من غابات الجوز بالمنطقة.
بدوره، قال الأمين العام لوزارة البشمركة في إقليم كردستان العراق، الفريق جبار ياور، إن حماية الحدود العراقية من مسؤولية الحكومة العراقية في بغداد، مؤكدا عدم وجود قوات البشمركة في مناطق وجود الجيش التركي داخل الإقليم عند الحدود مع تركيا.
وأضاف ياور في حديث لوسائل إعلام كردية، ترجم "العربي الجديد" مقتطفات منه، إنه "من المفترض أن تُسأل بغداد عن ذلك، لا نحن، فهذه مسألة سيادية، والبشمركة لا تتواجد في مناطق توغل الجيش التركي"، وفقا لقوله.
وتابع أن "انتهاك أرض وسماء ومياه العراق، شأن سيادي، بحسب الدستور"، لافتا إلى أن الحكومة الاتحادية عليها إيضاح موقفها من التوغل التركي داخل الإقليم.
وأكد أن الطائرات والمدفعية التركية تقصف وبشكل يومي أيضا مناطق في إقليم كردستان العراق، مشددا على أن حكومة الإقليم لا تستطيع التدخل لحل المشاكل مع تركيا قانونيا، "لأن الحكومة الاتحادية معنية بالمشاكل السيادية".
وقال النائب بالبرلمان العراقي، ماجد شنكالي، إن "التوغل التركي اليوم يرجح أنه ضمن اتفاق غير معلن بين الجيشين العراقي والتركي". وتابع "أعتقد أن هناك اتفاقا بين بغداد وأنقرة، خصوصاً بعد الزيارات المتبادلة العسكرية بين رئيسي أركان الجيشين يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، وما تلاها، ونحن نراه غير مقبول بالمطلق، كما لا نقبل تواجد مسلحي العمال الكردستاني، ونطالب الأتراك بالحل عبر الحوار وليس القوة، ونأمل من الجانب التركي، خاصة بعد الانتخابات لديهم، أن يتخذوا نهج الحوار لا العنف"، وفقا لقوله.
وأضاف "نعم للأسف الآن وفي هذه الأثناء هناك توغل عسكري تركي بالعراق، وهم يتهيأون لتنفيذ عملية عسكرية، وقد تصل إلى مناطق أخرى من الإقليم".