عمرو خالد والرواية التي لم يقرأها أحد

22 يناير 2015
+ الخط -

لسبب ما لم أستطع تحديده على وجه الدقة، تعاطفت مع عمرو خالد في تجربته الأولى كروائي، هذه المرة أمام الهجوم الكاسح عليه من مثقفي وسط البلد المأزومين، بمجرد أن أعلن الرجل أنه قد انتهى للتو من كتابة رواية اسمها "رافي بركات وسر الرمال الغامضة" وقبل حتى أن تنشر، وبالطبع من دون أن يقرأوها!

ربما تعاطفت معه، لما سمعته منه في لقاء تلفزيوني يحكي عن تجربته في الكتابة، وكيف كانت مستعصية عليه في البداية، صدقت الرجل وتأثرت وأنا أسمعه يتكلم عن أنه نفسه يكتب، لكن لم يكن يعلم كيف؟ لامس كلامه شيئاً في قلبي!

ربما ذلك الحلم الذي تحقق بعد تلك المعاناة في البحث عن الكلمات المناسبة للتعبير عما يجول في عقله وقلبه، شعرت بأنه يشبهني!

لكن هناك أكثر من نقطة استوقفتني في الجدل الدائر حول عمرو خالد وروايته ولم أستطيع أن أتجاوزها:

النقطة الأولى: لو كانت المشكلة في جودة المحتوى الذي لا نستطيع أن نحكم عليه، لأننا لم نقرأه بعد، فنحن في عصر يستطيع فيه كل من يريد أن يؤلف هراء ويسميه كتاباً، أن يؤلف وسيجد من ينشر له حتماً، والرجل لم يدعِ أنه نجيب محفوظ، على أية حال فلنقرأ أولاً إذا كنا نريد أن ننقد.

النقطة الثانية: هل كتابة الروايات حكر على فئة أو تيار فكري معين؟ هل الهجوم على الكاتب وعدم الترحيب به له علاقة بكونه داعية إسلامياً؟ وهل هو أمر جيد أم سيئ أن يكتب الداعية رواية؟

أنا أرى أنها خطوة شجاعة تستحق أن تقابل بالنقد والتشجيع، لا بالاستعلاء والسخرية من كاتبها، كما فعلت إحدى الجرائد التابعة لوزارة الثقافة المصرية.

النقطة الثالثة: هناك من هاجم الرجل لأنه على حد قولهم يسلّع القيم وأشياء من هذا القبيل، يصعب على أصحاب العقول المحدودة من أمثالي إدراكها، لأنه قال إن روايته مشوقة ومحملة بالقيم، لكن هل سمعوا الرجل مثل ما سمعته، ما داموا لم يقرأوا له؟ هل يعرفون أنه قال إنه لم يكتب هذه الرواية للكبار بالأساس؟ وإنما كتبها للصغار أو للسن الصغيرة على حسب تعبيره.

وحين يكتب الكاتب للصغار في أي مكان في العالم، ما المفترض أن تحمل كتابته؟!

النقطة الرابعة والأخيرة: بخصوص الكلام عن "التسليع"، هناك خطوة إيجابية تستحق التعميم والتشجيع قام بها الرجل ولم يلتفت إليها أحد في معرض هجومهم عليه، وهي أنه بمجرد صدور الرواية ستكون متاحة على الإنترنت مجاناً لمن يريد قراءتها.

لا أعلم في الحقيقة إن كان غيره من الكتّاب قد سبقه إلى ذلك أم لا؟ لكن جدير بالجميع أن يفعلها لأن أسعار الكتب أعلى من مقدرة أغلب القراء.

في النهاية، أنا لا أعلم إن كانت "رافي بركات وسر الرمال الغامضة" رواية جيدة أم سيئة، لكنني لم أستسغ هذا الكم من التعالي على الكاتب، بغض النظر عمن يكون، ومن دون أن يكلف المتعالون أنفسهم خاطر القراءة أو حتى التجاهل! لسان حال بعضهم يقول "مش باقي غير ده، واللي هم زيه يكتبوا روايات!" لكنهم يتجاهلون أنني حين كنت في العاشرة كان أول ما قرأته في حياتي ولم أتوقف منذ ذلك الحين عن القراءة وأحببتها، هي رواية مغامرات أخرى اسمها "ثمانون عاماً بحثاً عن مخرج" لم يكن متاحاً لي غيرها، لأن الكاتب وأبي الذي أحضر لي الرواية كانا يحملان قيماً شبيهة بالقيم التي يحملها عمرو خالد، ربما لم أحمل أنا تلك القيم أو استبدلتها، لكني لم أنسَ حتى الآن سحر مغامرة القراءة الأولى وإبهارها لخيالي، والتي قد تكون رافي بركات بالنسبة إلى طفل آخر يشبهني هي نافذته الوحيدة على درب السحر والأحلام!


*مصر