عمال الجزائر في عيدهم... راتب الكرامة لمواجهة الغلاء

02 مايو 2018
إضراب الأطباء المقيمين تحول ورقة بيد الأحزاب (فرانس برس)
+ الخط -
يحل مايو/ أيار هذا العام، وككل عام، على طبقة العمال في الجزائر، بوعود جديدة وأرقام "كارثية" تُخفي وراءها مأساة يعيشها أكثر من مليون ونصف المليون عامل يتقاضون أجورا زهيدة لا تتعدى 18 ألف دينار (170 دولارا) ولا تغطي تكاليف معيشة شهر كامل، وثلثهم لا يزال يحلم بعقود نهائية.

إنه واقع بات يُعجّل، حسب مراقبين، بتجذّر الطبقية في المجتمع الجزائري.

وعلى رغم تكرار الوعود الحكومية بإقرار زيادات على أجور العمال تماشيا مع التطورات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، أشعلت هذه الوعود جدلاً بعدما تم تداوله في العديد من وسائل الإعلام عن زيادات تتراوح بين 5 آلاف دينار (40 دولارا) و10 آلاف دينار (90 دولارا).

غير أن زيادات الأجور لم تكن في مستوى تطلعات العمال، خاصة أنها شملت شريحة محدودة وبالتقطير، قابلها تقليص قيمة المنح الاجتماعية بنسبة 50%، في وقت حددت الفدرالية للمستهلكين أجر الكرامة بـ50 ألف دينار جزائري شهريا (490 دولارا)، أي حوالي 3 مرات الراتب الوطني الأدنى المضمون المحدد بـ18 ألف دينار جزائري (170 دولارا).


وهذا ما يعني، حسب دراسة أعدتها الفدرالية، أن غالبية موظفي القطاع العام يعيشون بأجور لا تضمن كرامتهم. كل هذا في بلد يعيش اقتصاده انكماشا حادا بفعل تراجع مداخيل النفط وارتفاع نسبة التضخم وتهاوي قيمة الدينار بـ30% خلال سنتين.

في السياق، يقول العامل كمال حابل، إن راتبه "أصبح يصمد أسبوعين إلى 3 أسابيع" وصار "رهينة" الاقتراض لإكمال أيام الشهر. يضيف العامل في مؤسسة حراسة خاصة أن "راتبه لا يتعدى 21 ألف دينار (190 دولارا)، وهو راتب قليل مقارنة بما تعيشه الجزائر من غليان أسعار، يضاف إلى ذلك مصاريف الكهرباء والماء والنقل". و لفت إلى أن "كل شيء في الجزائر ارتفع إلا الأجور ظلت مستقرة".

من جانبه، قال رشيد بن نعجة، وهو سائق في مؤسسة عمومية، إن "العامل الجزائري أصبح تحت خط الفقر، أنا أتقاضى 25 ألف دينار شهريا (230 دولارا)، أي أن دخلي أقل من 7 دولارات يوميا".

وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "كل شيء ارتفع سعره تقريباً 30% في السنة الأخيرة بعد تراجع قيمة الدينار، إلا أجور العمال ظلت ثابتة، الحكومة تتحجج بالأزمة المالية، لكنها لا تتحجج بالأسباب ذاتها فيما يتعلق بأجور الوزراء والنواب والمصاريف التي يكبدونها للخزينة العمومية من سكن مجاني ونقل مجاني وحتى الأكل مجاني".

وحذر النقابي وعُضو المكتب التنفيذي للنقابة المستقلة لمستخدمي القطاع العمومي مراد تشيكو، الحكومة من مغبة الالتفاف حول الزيادات التي أقرتها في أجور العمال، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن هذه الزيادات في الأجور ليست مكسبا، بقدر ما هي استرجاع لحق ضائع وإجحاف في حق العمال استمر لعقدين من الزمن".


وتشير دراسات أجرتها نقابات مستقلة في البلاد إلى أن حوالي 500 ألف عامل جزائري غير مؤمّنين اجتماعياً ويعملون براتب أدنى من الراتب الوطني الأدنى المضمون (الحد الأدنى للأجور).

الدستور يكفل العمل النقابي والحكومة ترفضه

على رغم إقرارها في الدستور الجزائري في المادة 70 التي تعتبر أن "الحقّ النّقابيّ مُعترَف به لجميع المواطنين" وحمايتها من طرف قانون العمل الجزائري، تبقى التعددية النقابية وما يترتب عنها من حقوق نقابية في الجزائر في مقدمتها إنشاء نقابات مستقلة وممارسة العمل النقابي تمثل نقطة سوداء في سجل الحكومة الجزائرية التي عمدت إلى إجهاض العديد من المسيرات والإضرابات التي أقامتها النقابات المستقلة.

إذ يتعرض كثير من النقابات لعمليات تضييق من طرف وزارة العمل، التي لجأت بداية مارس/ آذار المنصرم إلى إلزام النقابات الناشطة في البلاد والمقدر عددها بـ63 نقابة، بإعادة وضع ملف اعتماد جديد، في أجل أقصاه 31 مارس/ آذار الماضي. وبعد انقضاء المهلة، كشف وزير العمل مراد زمالي أن "35 نقابة لم تضع ملفاتها، وتعتبر هذه النقابات بدءا من الفاتح إبريل/ نيسان غير معتمدة ولا يحق لها مفاوضة الحكومة ولا الدخول في حركات احتجاجية".

وقال رئيس النقابة الجزائرية لممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة العمل ومن ورائها الحكومة تريد أن تضغط على النقابات المستقلة التي أحرجتها مؤخرا بسلسلة الإضرابات، التي مست قطاعات التربية والصحة، وتريد أن تقمع العمل النقابي المكفول في الدستور والقانون".

وأضاف مرابط: "من المؤسف أن تعود الحكومة 30 سنة إلى الوراء، بأن تطلب من النقابات أن تجدد طلبات الاعتماد. والمؤسف أكثر هو أن تتخفى الحكومة وراء الإجراءات الإدارية".

وفي السياق ذاته، يقول رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، صالح دبوز، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك دستورا موجها للخارج يكفل الحقوق، وواقعيا أنت ممنوع من التفكير والتعبير والتصرف".


وتشهد العلاقة بين الحكومة والنقابات المستقلة توتراً منذ قرابة سنتين، بعد نجاح الحكومة في تمرير تعديل نظام التقاعد في البرلمان، والذي رفضته النقابات المستقلة، كونه يلغي "التقاعد المسبق"، الذي يحيل كل عامل أكمل 32 سنة خدمة على التقاعد مهما كان عمره، وأبقت على التقاعد على أساس السن والذي يلزم العمال بإكمال سنوات العمل إلى غاية 60 سنة كاملة يوم وضع طلب الإحالة على التقاعد، وهو ما ترى فيه النقابات "اقتطاع" مكسب من المكاسب التي حققها العمال في الجزائر بعد سنوات من النضال.

وحسب المنسق العام للنقابة الجزائرية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، مزيان مريان، فإن "الهدف الأساسي من لجوء الحكومة إلى مثل هذه الممارسات هو منع إقامة الإضرابات مستقبلا، وإسكات صوت الطبقة العمالية التي تريد الحكومة أن تبقيها ممثلة في نقابة واحد موالية لها وهو أمر غير ممكن، فالدستور كما يكفل التعددية الحزبية يكفل التعددية النقابية والعمل النقابي". 

وأضاف مزيان لـ"العربي الجديد" أن "الإضرابات التي نفذتها نقابات التربية والصحة نجحت في إحراج الحكومة التي لم تجد هامش مناورة كبيرا في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وبالتالي تسعى إلى تحييد النقابات مستقبلا خاصة أن الجزائر تتجه نحو استحقاقات سياسية مهمة في السنة القادمة".

بعد الإضراب... الشارع لانتزاع الحقوق

أخذت الاحتجاجات العمالية منحى تصاعديا في السنة الأخيرة، وأصبحت ككرة ثلج تكبر مع انتقال العدوى من قطاع لآخر، في ظل وصول العمال وممثليهم إلى طريق مسدودة مع أرباب العمل والوزارات، فتحول الشارع إلى منبر للعمال للتعبير عن سخطهم من حالتهم الاجتماعية و المهنية، فتناوب الأطباء والأساتذة والمقتصدون التربويون وعمال الشركات العمومية على النزول إلى الشارع لإسماع صوتهم.

ولعل أبرز حدث ميز سنة الاحتجاجات العمالية في الجزائر هو إضراب المعلمين الذي دام أكثر من 3 أشهر، وإضراب الأطباء المقيمين الذي يدخل شهره الخامس، وهو الملف الذي تحول ورقة سياسية في يد الأحزاب.