علّمتني كنز: الطفل والأمّ منذ يومهما الأوّل

02 نوفمبر 2018
غزل بغدادي وابنتها كنز (فيسبوك)
+ الخط -
لم تكن الإعلامية السورية غزل بغدادي (28 عامًا)، تتوقع أن تحظى صفحة تربوية حول عالم الطفل أنشأتها على فيسبوك بهذا القدر من المتابعة، خلال نحو عام ونصف العام فقط.
ففي إبريل/ نيسان من عام 2017، أطلقت الصحافية المقيمة في لندن صفحة حملت اسم "علّمتني كنز"، فيما كانت طفلتها كنز في الشهر الخامس من العمر. وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، بلغ عدد متابعات ومتابعي الصفحة على فيسبوك أكثر من 800 ألف، غالبية المتابِعات أمّهات من مختلف البلدان العربية.
تسعى الصفحة إلى أن تتحول إلى "مصدر متكامل" تجد فيه الأمّ الناطقة بالعربية كل ما يلزمها من معلومات حول تنشئة الأطفال، وفق ما تشير بغدادي، في حديثها لـ"العربي الجديد". اختمرت الفكرة في رأس الأم الشابة على مدى سنوات من دون أن تأخذ شكلاً واضحاً، ثم جاءت تجربتها الشخصية في المملكة المتحدة، إذ شاهدت العناية التي توليها السلطات للأمهات في مختلف فترات الحمل وما بعد الولادة، بما يشمل اتباع ورشات تعليمية وتدريبية وعملية قصيرة، في مقابل "الكم الهائل من الأخطاء الشائعة والمعلومات المغلوطة وغياب التوعية بخصوص التعامل مع الطفل صحياً ونفسياً في عالمنا العربي".
قررت بغدادي إنشاء منبرها الخاص، بعدما جوبهت بالرفض محاولاتها لترجمة مقالات طبية وتربوية ونشرها في صفحات مجموعات سوريّة وعربية في موقع فيسبوك تضم أمهات يتبادلن الآراء والمعلومات بخصوص تربية الأطفال وفترات الحمل والإرضاع وما يسبقها وما يليها: "بعض المقالات كان يتم حذفها لاعتقاد المشرفات على المجموعات بأنها خاطئة ومختلقة"، تتحدث الإعلامية السورية عن المصاعب التي واجهتها.
تقدم "علّمتني كنز" ما يشبه يوميّات لكنز ووالدتها ومعلومات ومقالات في مجالات تبدأ من الحمل والرضاعة الطبيعية وتمتد إلى الصحة النفسية والجسدية، مرورًا بالتغذية الصحية والتعليم، وليس انتهاءً بنصائح تربوية واجتماعية يقدمها أخصائيون. سرعان ما تحولت الصفحة الوليدة من مشروع شخصي إلى جهد جماعي يضم أكثر من عشرين متطوعة ومتطوعًا من سورية والأردن وفلسطين ولبنان.


يضم الفريق، إلى جانب بغدادي، ثلاثة أخصائيين نفسيين وأخصائية تغذية وطبيبة أسنان ومتخصصة بالعلاج عبر الرسم وأخصائية سمع ونطق، وفريقاً من نحو عشر مترجمات لنقل المقالات الطبية إلى اللغة العربية، ومدققة لغوية ومسؤول تسويق، وفريقاً من أربعة متطوعات لإدارة الصفحة وتحرير المنشورات والإجابة على الاستفسارات وإدارة مجموعة تفرعت عن الصفحة باسم "كنز الأمومة" تضم نحو 135 ألف عضو.
من المتطوعات في الفريق إيناس رباح (32 عاماً)، وهي طبيبة أسنان متخرجة من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، تشير إلى "الجهل" الذي واجهته في عملها في ما يخص عناية "الأهل بتنظيف أسنان أطفالهم"، لافتة إلى اعتقادات خاطئة سائدة بين الآباء والأمهات منها أن "الأسنان اللبنية ستتبدل فلا داعي لتنظيفها". توضح رباح أن التفاعل على صفحة "علّمتني كنز" ومخاطبتها للأمهات بشكل مباشر شجعاها على التطوع فيها لرفع التوعية حول العناية بأسنان الطفل.
محمد أيوب (31 عاماً)، أخصائي سوري حاصل على ماجستير في علم النفس والتربية الخاصة، بات أحد المساهمين في "علمتني كنز" بعد إعجابه "بالطابع الخدمي المقدم من قبل القائمين عليها". يقدم أيوب مثالاً على الآلية التي تتم بها أحياناً الاستجابة لأوضاع راهنة ونماذج حية عن مشاكل رائجة في التعامل مع الأطفال عبر المحتوى الذي يشارك به، إذ اشتكت "إحدى الأمهات من كذب طفلها المبالغ به لدرجة أنه أصبح منهج حياة، على حد تعبيرها"، الأمر الذي استدعى من الأخصائي التربوي كتابة مقالة خاصة بالكذب وأنواعه عند الأطفال وكيفية التعامل معه.
منح تطبيق إنستغرام جانباً جديداً كلياً لـ"علّمتني كنز"، وبات منبراً لتقديم شرح عملي مصور لمنشورات الصفحة على فيسبوك، وعبر خاصية القصص - Stories في التطبيق، دأبت بغدادي على تقديم شرح عملي بالصوت والصورة للمعلومات المنشورة على الموقع الأزرق، وبات لدى الحساب المخصص على إنستغرام نحو 150 ألف متابعة ومتابع.
التفاعل الأكبر من متابعات ومتابعي "علمتني كنز" سواء عبر فيسبوك أو إنستغرام، أو حتى عبر القناة الشخصية لبغدادي على يوتيوب (نحو 23 ألف مشترك)، يأتي من مصر، وكذلك من سورية والأردن، مع متابعة من المغرب العربي والخليج العربي وفلسطين، بالإضافة إلى أمهات ناطقات بالعربية ينتشرن حول العالم.
بدأت غزل بغدادي حاليًا بدارسة دبلوم في منهاج مونتيسوري المخصص لتنشئة الأطفال، فيما هي تسعى لتنشيط لقاءات تفاعلية على أرض الواقع مع متابعات الصفحة، فبعد تجربتين صغيرتي الحجم في ماليزيا وألمانيا اجتمعت فيهما الإعلامية السورية والأم الشابة مع بعض المتابعات، ستشهد تركيا نشاطين توعويين لإتاحة الفرصة لأكبر قدر من الأمهات لتوجيه أسئلة لأخصائيين في فعاليتين، أولاهما في مخيم للاجئين السوريين بالقرب من هاتاي، والثانية في إسطنبول بمشاركة أخصائي نفسي وأخصائية تغذية. توضح بغدادي أن اختيار تركيا أتى بسبب "الصعوبات التي تواجه مجتمعات اللاجئين لعدم إجادة لغة البلد المضيف أو أحيانا بسبب عدم توافر خدمات أساسية".
يواصل مشروع "علّمتني كنز" النمو على الرغم من المصاعب التي تبدأ من سوء الفهم الناتج عن اختلاف اللهجات، ولا تنتهي عند صعوبة القدرة على الاستمرار بمجهود فردي ومساهمات قائمة على التطوع.
دلالات
المساهمون