مع ظهور فيروس كورونا في الصين نهاية العام الماضي، ثُمّ انتشاره في القارّات الخمس خلال فترة وجيزة، بدا أنَّ العالَم يختبر مُجدّداً مقولة المُنظّر الكندي مارشال ماكلوهان عن "القرية الكونية"، لكن خارج نظريات علم الاتصال هذه المرّة؛ حيثُ وجد البشرُ أنفسهُم معنيّين بهاجسٍ مشترك بالمعنى الحرفيِّ للكلمة، بغضّ النظر عن البلدان أو الأعراق التي ينتمون إليها أو الأفكار والديانات التي يعتنقونها.
فكرةُ مساواة البشر، غنيِّهم وفقيرهم، أسودهم وأبيضهم، أمام الوباء هي موضوعُ معرضٍ افتراضي للفنّان الكاميروني عليوم موسى (1977) بعنوان "الله والأقنعة" نظّمته "الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي"، أخيراً، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ضمّ المعرض سلسلةً من اللوحات التي أنجزها موسى خلال فترة الحجر الصحّي الذي فرضه تفشّي فيروس كوفيد- 19، وفيها يُقاربُ فكرة الشعور المشتَرك بالخوف من الموت، وما فرضه من إجراءاتٍ متشابهة في بلدان العالَم المختلفة، وما سبّبه مِن خسائر فيها.
في هذه اللوحات التي رسم معظمها بتقنية الأكريليك على الورق، تَظهرُ الكثيرُ من العناصر التي تُحيل إلى الوباء وأجوائه وتبعاته؛ ثمّة وجوهٌ بشريةٌ اتّخذت شكل الفيروس التاجي كما بتنا نعرفه من خلال الرسوم الطبيّة، مع كمّاماتٍ ملوّنةٍ تُحيلنا على الفنون والأزياء الأفريقية وألوانها الزاهية... ثمّة، أيضاً، أقنعة وتمائم أفريقية وأيادٍ ممتدّة ووسائلُ وقاية ونظافة ووجوهٌ غُطّيت أفواهها وعيونها أيضاً.
نقرأ مع كلّ لوحةٍ نصوصاً متفاوتة الطُّول، بعضُها نثريٌّ وبعضها الآخر كُتب في شكل شعري... هي لا تُقدّم شرحاً مباشراً للعمل الفنّي، بل رؤية الفنّان لمواضيع مختلفةٍ مرتبطة بالوباء بشكلٍ أو بآخر. عن أفريقيا الغنية الفقيرة واستمرار مجموعاتٍ صغيرةٍ في احتكار ثروة الأرض، عن اليوم العالمي لحرية التعبير وانتشار الأخبار الزائفة على الشبكات الاجتماعية وصعوبة الوصول إلى المعلومات الصحيحة. وفي أعمالٍ أُخرى، يرسم موسى عن الوباء ليُذكّر بأنَّ كورونا ليس القضيّة الوحيدة التي على العالَم أن ينشغل بها؛ ثمّة حقوق الإنسان أيضاً وسلسلةٌ طويلة من القضايا الراهنة والملحّة.
وفي فيديو مرافقٍ للمعرض، تحدّث موسى من ورشته الفنّية عن أعماله التي تتوزّع بين الرسم والتنصيب والتصوير الفوتوغرافي والسينوغرافيا، وعن تأثّره بالألوان الأفريقية الزاهية، وتطرّق إلى فترة الحجر الصحّي التي أنجز فيها سلسلة "الله والأقنعة"، قائلاً: "لقد كانت بالنسبة إليَّ فرصةٌ للتعبير عن نفسي بالطريقة التي أتقنها؛ الرسم. أرسمُ مشاعري أمام هذا الموقف المخيف. والسلسلةُ بمثابة صرخةٍ حاشدة لفنّان لا ينتظر... فنّان يعمل بطريقته الخاصّة ضدّ عدو مشترك هو فيروس كورونا".