لا ينجو "بعض" الإعلام اللبناني والعربي من فعل القتل. وإن كان نفسه يحاول تدوير الحدث وإثقاله بمعاني الوطنية المبتذلة وبكثير من افتعال الواقعيّة، فلا بد من الاعتراف أنه يشارك في تأجيج المضمر والمخفي من الحدث المفجع. فأي انفجار انتحاري يصيب منطقة ما، يسارع الاعلام الى تغطيته بالخطة نفسها، وطبعاً بأخطائها الفادحة المكررة، يتم فيها قتل الضحايا مراراً وعلى مرأى ومسامع من الجميع. والتصنيف أسهل ما يمكن فعله في "جعجعة" المحتوى وإضافاته. فيلتزم الضحايا بالموقف السياسي ومكان موتهم يضيّق في كلمة "معقل" لجهة ما. إذ تثبت الممارسة الإعلاميّة، تلفزيونياً وعبر المواقع الالكترونية خصوصاً، أنّ اللغة المستخدمة فيها كثير من العنف والفجاجة وقليل من الإنسانية، التي وإن أقحمت في الدلالة والسياق فإنها لا تخرج عن كونها ادّعاء هشّاً.
يُكرّر المراسلون ومعهم مكاتب التحرير في النقل المباشر الأخطاء عينها. وهنا نبدو مرتبكين في وظيفة كل منهما أو اختلاطها. ليبدو أنّ المذيع يأخذ وظيفة المراسل والعكس. وكأنه تبادل شخصي في محاكاة تبتعد عن المحتوى الأصيل وتفرغه من أدبياته. لا بل تغرق "الماكينة" التحريرية في كل مرة في تجارب ميدانيّة تؤكد أنّ الاعلام يشارك، من دون معرفة نواياه (ان لم نسأل عنها)، في المغالاة والتفرقة والتعصب، وفي كثير من الأحيان في تسخيف الضحية أو تبجيلها إلى حد الابتعاد عن أدنى معايير المهنة، والتي يمكن وفق التجربة الشخصية لكل صحافي وخبرته وقراءاته أن يستنتجها إن لم يطلع عليها. فهي في النهاية ممارسة وليست "كورساً" صحافياً يتم الانتهاج به.
وعلى هذا الحال، تبدو شاشاتنا في أقلّ قدراتها اللوجستيّة. تمزج الخطاب المقعر وتتمادى في استخداماته كأن لا أدوات لها سوى ما يخدم "تصنيفها" جماهيرياً، وبالتالي يرفع أرقام مشاهداتها وفق الفئة المستهدفة والحدث نفسه. والعين دوماً على رفع المشاهدات اللاحقة، أي ما ينتجه "الفعل - الحدث" من شهية للإقبال على الوسائط الأخرى للشاشة، سيما قنواتها المرتبطة بموقع "يوتيوب"، أو بوسائط الإعلام الاجتماعي الأخرى. ويحسب "الترقيم" و"التعداد" بدقة في مساومات إعلانية براغماتية متجاذبة أيضاً، ويدخل من ضمنها فعلياً الحادث الأمني الجلل، كتفجيري يوم الخميس الماضي في برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية مثلاً. فكيفية
التعامل مع هذه الحوادث الأليمة، و"ابتكار" (وعلى الطريقة اللبنانية) مصادر وطرق تغطيتها، تدخل حتماً في معادلة القناة ومدى استمراريتها. وبالطبع فمعايير العمل ونتائجه تحكمها حسابات أخرى، ليس أقلها العلاقات الإعلانية من جهة والممولون من جهة أخرى، والرمز - المعنى في ايديولجية القناة والخط الذي تتبعه. فالتغيير الطارىء في خطة البث ينحصر فقط في المكان الذي يتضرر من فعل القتل الجوال - الانتحاري. فتتحول معه الشاشة/البروباغاندا إلى مادة الحدث وليس الحدث بحد ذاته. وفي هذا الإطار، عمدت بعض الشاشات إلى التركيز على صور الدم والأشلاء على الهواء خلال تغطيتها.
وأحياناً يكرس المراسلون أنفسهم في الهواء المفتوح والمعلن أبطالاً ونجوماً أو محللين ظرفيين لمفاعيل وأبعاد ما جرى. فربما مشاهدة مراسلة تسأل بطريقة مستفزة أحد شهود العيان عن توقعاته وعلاقة ما حدث من موت واستنزاف للدم، بالأحداث وتغيرات المنطقة، أو ربطها "جيوبوليتيكياً" بآنية المتغير السياسي، وطبعاً بـ"الصراع السني - الشيعي"، فهو أمر يمر مرور الكرام.
اقرأ أيضاً: حيدر... كيف سينام؟
وليس ضرورياً النقد الذاتي أو تصويب عمل المراسل أو توجيه ملاحظة إليه. فمن ير أو يحاسب أو يتابع أصلاً؟ إنّه هواء مفتوح وعلينا ان نملأه. أو كأن يأخذ المراسل/ة على عاتقه في طرح اسئلة (تصل إلى حد الوجودية) عن استمرار مسلسل القتل، واستطلاع مستقبل الأيام المقبلة على ضوء ما حدث أو تخمين "ما ورائياتها" بناءً على ما يقوله بعض الأهالي في فورة الحدث وغمامته. فالاستعجال المستميت في الحصول على أي كلام، لمجرد البناء عليه وإفراغ الشاشة من فراغها، ينحو بالمسألة كلها الى أماكن غير متوقعة. فيقول الشاهد أمام شاشة واسعة الانتشار وفي ذورة المشاهدة، كلاماً طائفياً أو غير مسؤول، ويبنى عليه التقرير - الحالة - الحدث، ويعمم على أنه الواقع "كما هو". وهو شعار المرحلة.
والواقعية الراهنة لدى أي محطة نقل "الخفيف" و"غير المبذول" و"الهش" و"الناقص" على أنه صورة تامة يخدم النقل المباشر ومعه مضمون النشرات. وليس هواء الإعلام الاجتماعي أكثر بعداً. مجرد استخدام تدوينات على "فايسبوك" وتغريدات على "تويتر" على أنها إحالات مباشرة للرأي العام، فيها كثير من قلة الحرفية. وهو ما يندرج بفعل "اللعثمة" الإعلامية، فاستدراك الموقف يكون بعشوائية، تتكئ على "السوشال ميديا". وانتاج مواد منها لأي موقع الكتروني أو لموقع القناة أو لتقرير في القناة، باستسهال ومزاجية وشخصانية المعد - المحرر، تنطوي أيضاً على مستوى الضحالة في التعامل مع الحدث. والفعل غير المستدرك في لغة البث المباشر واستعراضيته يؤكد مراراً ان لا أحد في اعلام البلد يتعلم من تجربته، أو أنه لا يريد فحسب.
وإن بالكاد استطاع أحدهم الخروج عن خطابية المؤسسة، وقع في فخ الراهن وسؤاله المحير: ما هو الجذاب في هذا الموضوع؟ أي المادة والمنتج نفسه الممجوج في هواء الميدان. وهنا الخطورة المزدوجة في الممارسة العملية للمراسلين. وفي مواقع التواصل، الحال ليس بعيداً عن خطاب المؤسسات الاعلامية أو كأنه استنساخها المعدل والواضح، لكن بلغة مباشرة و"اكستريم".
فإطلاق وسوم طائفية بات أمراً مألوفاً يحاكي لغة الشارع، كما هو متوقع أن يقال. والاستناد الى أخبار "ملفقة" وغير دقيقة ونشرها، إضافة الى استخدام شرائط فيديو تنتهك الضحايا والقتلى وذويهم. عدا عن التغريدات والستاتوسات المندفعة والعنصرية، كما حصل مؤخراً، بحق السوريين والفلسطينيين أو أهالي عرسال.
اقرأ أيضاً: نحن أيضاً ضحايا
يُكرّر المراسلون ومعهم مكاتب التحرير في النقل المباشر الأخطاء عينها. وهنا نبدو مرتبكين في وظيفة كل منهما أو اختلاطها. ليبدو أنّ المذيع يأخذ وظيفة المراسل والعكس. وكأنه تبادل شخصي في محاكاة تبتعد عن المحتوى الأصيل وتفرغه من أدبياته. لا بل تغرق "الماكينة" التحريرية في كل مرة في تجارب ميدانيّة تؤكد أنّ الاعلام يشارك، من دون معرفة نواياه (ان لم نسأل عنها)، في المغالاة والتفرقة والتعصب، وفي كثير من الأحيان في تسخيف الضحية أو تبجيلها إلى حد الابتعاد عن أدنى معايير المهنة، والتي يمكن وفق التجربة الشخصية لكل صحافي وخبرته وقراءاته أن يستنتجها إن لم يطلع عليها. فهي في النهاية ممارسة وليست "كورساً" صحافياً يتم الانتهاج به.
وعلى هذا الحال، تبدو شاشاتنا في أقلّ قدراتها اللوجستيّة. تمزج الخطاب المقعر وتتمادى في استخداماته كأن لا أدوات لها سوى ما يخدم "تصنيفها" جماهيرياً، وبالتالي يرفع أرقام مشاهداتها وفق الفئة المستهدفة والحدث نفسه. والعين دوماً على رفع المشاهدات اللاحقة، أي ما ينتجه "الفعل - الحدث" من شهية للإقبال على الوسائط الأخرى للشاشة، سيما قنواتها المرتبطة بموقع "يوتيوب"، أو بوسائط الإعلام الاجتماعي الأخرى. ويحسب "الترقيم" و"التعداد" بدقة في مساومات إعلانية براغماتية متجاذبة أيضاً، ويدخل من ضمنها فعلياً الحادث الأمني الجلل، كتفجيري يوم الخميس الماضي في برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية مثلاً. فكيفية
وأحياناً يكرس المراسلون أنفسهم في الهواء المفتوح والمعلن أبطالاً ونجوماً أو محللين ظرفيين لمفاعيل وأبعاد ما جرى. فربما مشاهدة مراسلة تسأل بطريقة مستفزة أحد شهود العيان عن توقعاته وعلاقة ما حدث من موت واستنزاف للدم، بالأحداث وتغيرات المنطقة، أو ربطها "جيوبوليتيكياً" بآنية المتغير السياسي، وطبعاً بـ"الصراع السني - الشيعي"، فهو أمر يمر مرور الكرام.
اقرأ أيضاً: حيدر... كيف سينام؟
وليس ضرورياً النقد الذاتي أو تصويب عمل المراسل أو توجيه ملاحظة إليه. فمن ير أو يحاسب أو يتابع أصلاً؟ إنّه هواء مفتوح وعلينا ان نملأه. أو كأن يأخذ المراسل/ة على عاتقه في طرح اسئلة (تصل إلى حد الوجودية) عن استمرار مسلسل القتل، واستطلاع مستقبل الأيام المقبلة على ضوء ما حدث أو تخمين "ما ورائياتها" بناءً على ما يقوله بعض الأهالي في فورة الحدث وغمامته. فالاستعجال المستميت في الحصول على أي كلام، لمجرد البناء عليه وإفراغ الشاشة من فراغها، ينحو بالمسألة كلها الى أماكن غير متوقعة. فيقول الشاهد أمام شاشة واسعة الانتشار وفي ذورة المشاهدة، كلاماً طائفياً أو غير مسؤول، ويبنى عليه التقرير - الحالة - الحدث، ويعمم على أنه الواقع "كما هو". وهو شعار المرحلة.
والواقعية الراهنة لدى أي محطة نقل "الخفيف" و"غير المبذول" و"الهش" و"الناقص" على أنه صورة تامة يخدم النقل المباشر ومعه مضمون النشرات. وليس هواء الإعلام الاجتماعي أكثر بعداً. مجرد استخدام تدوينات على "فايسبوك" وتغريدات على "تويتر" على أنها إحالات مباشرة للرأي العام، فيها كثير من قلة الحرفية. وهو ما يندرج بفعل "اللعثمة" الإعلامية، فاستدراك الموقف يكون بعشوائية، تتكئ على "السوشال ميديا". وانتاج مواد منها لأي موقع الكتروني أو لموقع القناة أو لتقرير في القناة، باستسهال ومزاجية وشخصانية المعد - المحرر، تنطوي أيضاً على مستوى الضحالة في التعامل مع الحدث. والفعل غير المستدرك في لغة البث المباشر واستعراضيته يؤكد مراراً ان لا أحد في اعلام البلد يتعلم من تجربته، أو أنه لا يريد فحسب.
وإن بالكاد استطاع أحدهم الخروج عن خطابية المؤسسة، وقع في فخ الراهن وسؤاله المحير: ما هو الجذاب في هذا الموضوع؟ أي المادة والمنتج نفسه الممجوج في هواء الميدان. وهنا الخطورة المزدوجة في الممارسة العملية للمراسلين. وفي مواقع التواصل، الحال ليس بعيداً عن خطاب المؤسسات الاعلامية أو كأنه استنساخها المعدل والواضح، لكن بلغة مباشرة و"اكستريم".
فإطلاق وسوم طائفية بات أمراً مألوفاً يحاكي لغة الشارع، كما هو متوقع أن يقال. والاستناد الى أخبار "ملفقة" وغير دقيقة ونشرها، إضافة الى استخدام شرائط فيديو تنتهك الضحايا والقتلى وذويهم. عدا عن التغريدات والستاتوسات المندفعة والعنصرية، كما حصل مؤخراً، بحق السوريين والفلسطينيين أو أهالي عرسال.
اقرأ أيضاً: نحن أيضاً ضحايا