من ريف حلب، وتحديداً من الجبّول، حيث بسطت داعش سلطتها، غادر جعفر (12 عاما) سورية عبر الحدود التركية، ليجد فرصاً أفضل له ولعائلته في مدينة مرسين التركية.
ابتسامةٌ لا تُفارق وجهه الصغير خلال تنقّله بين طاولات المطعم المتواضع. يُجيب عن أسئلة الزبائن بلهجته البدوية السورية. مرّت سنة ونصف السنة على وجود جعفر وعائلته في تركيا. الصغير صار دليلا سياحيّا بامتياز: "هون أحسن محل لتياب البحر، وإذا بدكن دخّان في دكان سوري بالشارع ورا، وهالصرّاف بيضلّ فاتح للمسا...".
يدفع بكَ الفضول إلى التساؤل عن أثر تجربة الانتقال إلى تركيا، وعن تأقلم الصغير: "كنتُ سأتسجّل في المدرسة لأتعلّم اللغة التركية أكثر، لكنّني لم أستطع اللحاق بهذا العام الدراسي، إنشالله قريبا بلتحق". لا يشكو جعفر من عمله رغم أنّه الأصغر بين عمّال المطعم.
يُقدّر عدد السوريين، الذين قدموا إلى مرسين التركية هربا من الحرب السورية، بـ50 ألفا تقريبا. الجميع يبحث عن فرص أفضل، لكن بالنسبة إلى جعفر، هذه فرصته المثالية: "الوضع ما كان بينحمل بقى بسورية، كان لازم نطلع ..".
يُقدّر عدد السوريين، الذين قدموا إلى مرسين التركية هربا من الحرب السورية، بـ50 ألفا تقريبا. الجميع يبحث عن فرص أفضل، لكن بالنسبة إلى جعفر، هذه فرصته المثالية: "الوضع ما كان بينحمل بقى بسورية، كان لازم نطلع ..".
ضاقت مرسين بالعائلات السورية، البرجوازية الحلبية تحديداً. عائلاتٌ اعتادت قضاء صيفها، قبل الحرب، في مناطق ساحلية وجبلية سورية، مثل مصياف واللاذقية. فكان بديهياً أن تنتقل إلى مرسين الساحلية، على عكس انتقال جعفر إلى مرسين. فهذا قرارٌ نابعٌ عن حاجته وحاجة عائلته إلى البحث عن ملاذٍ آمن بعيداً عن الحرب، وسعيا إلى تأمين قوتهم اليومي، إذ يتقاضون، مجتمعين، مبالغ لا تتخطى الـ100$ في اليوم.
"بدكن الشاي تقيل أو خفيف؟"، يسألنا الصغير، وينصحنا بتناول الشاي الخفيف بعد الغداء لفائدته خلال فصل الصيف الحارّ. بثيابه البسيطة و"مشّايته"، ودّعنا جعفر رافضاً التقاط صورة. فرغم انتقال السوري من بلد إلى آخر، لا تزال "الصورة" تشكّل التهديد الأكبر، الذي يواجَهُ بديهياً بالرفض.
"سو (ماء).. سو أبله؟"، هكذا استوقفنا صوت عزيزة على الشاطئ بُعَيْد منتصف الليل: "أنا من الكلاّسة، حلب .."، قالت. وهي تُشبه سيّدة صغيرة، تتنقّل بخفّة بين المارّة على كورنيش مرسين حاملةً قنّينتين من الماء، فتدفعُكَ طيبتها إلى شرائهما، حتّى لو لم تكُن المياه باردةً: "تدمّر بيتنا من كم يوم.. قصفوه.. هيك خبّرونا"، تروي لنا بأسى.
يظنّ الآتي إلى مرسين التركية، البعيدة نسبياً عن الهموم السياسية وروتين الحرب اليومية، أنّها بيئة بعيدةٌ عمّا يواجهه العالم العربي من تقلّبات، إلاّ أنّ نتائج الحروب الدائرة تترك آثارها هنا، فتحوّل مرسين إلى أكثر من مجرّد وُجهة اصطيافٍ وسياحة... هنا قصصٌ تُذكركَ يومياً، خلال استمتاعك بشمس الصيف، بأنّ الحرب، في مكانٍ ما، لا تزالُ مُستمرّة.