من غرفة كهرباء صغيرة تنطلق. تزعج السكان، كلّما حاولوا الدخول ليلاً. يخافون لمسها، كي لا يبدأ إنذارها بالعويل.
يرضخون لوجودها هناك. فلا أحد بلا خطيئة، كي يرجمها بحجر. بخاصة خطيئة الكهرباء، وسرقتها من خطوط الشبكات الأخرى.
تشبه الكثير من الدرّاجات النارية الأخرى. وتختبئ هناك فقط، كي لا تُسرق في الخارج. أو تحتجزها الشرطة، عنوة، لتعيد بيعها مجدداً، في دورة لا تنتهي.
في الشارع تخترق الصفوف. وتنتشر بين المركبات، كعشرات من الدبابير. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ. بل كثيراً ما يسخر سائقوها من السيارات، التي لا تتجاوز سرعتها العشرين، في ازدحام بيروت وضواحيها.
"تطير" الدرّاجات بينها، ولا تتوقف عن التعامل مع قانون السير كألعوبة، إذا ما اعترفت به، ومن الصعب أن تعترف.
هي وسيلة النقل الأسرع، والأرخص، والأكثر قدرة على ابتكار الحلول، لكلّ ازدحام.
تلك الخصائص تجعل منها عدواً لأكثر من طرف، على امتداد الشوارع. فأصحاب السيارات يعادونها، لأنها تضرب وتهرب، دون أن يجدوا حقاً أو باطلاً. وسائقو الأجرة يكرهونها، لأنّها تنقص حصتهم من الركاب.
والفتيات يبغضنها، مع بعض الشوق، لأنّها ذكورية بالكامل، "ممنوع" عليهن قيادتها. ويبغضنها كذلك، لأنّها تعني ركوباً مزعجاً، بديلاً عن مقعد سيارة مريح، إلى جانب الصديق والحبيب.
أمّا علاقة سائقي الفانات (ميكروباص) بالدراجات وسائقيها، فملتبسة بين الكره، والعداوة، والمنافسة... والجنون أحيانا.
فالطرفان متّهمان بالسرعة، والالتفاف المفاجئ، وقطع إشارات السير، والانتقال من جهة لأخرى، والتسبّب بحوادث سير، والهرب من الحواجز الأمنية، وخلق المشاكل. حتى يمكن الشكّ أنّ كلّ سائق "فان" هو سائق درّاجة نارية بالفعل، وكلّ سائق درّاجة نارية هو سائق "فان" بالقوة.
أسوأ لحظاتها الحادث، والإصابات الناتجة عنه. وأجملها الفرار من الدرك، والسخرية منهم عن بعد.
أسوأ اللحظات كذلك فراغها من الوقود، واضطرار سائقها لدفعها هذه المرة، مسافات طويلة، للوصول إلى محطة محروقات. وأجملها أيضاً، قدرته على حلّ مشكلة ما فيها، دون اللجوء إلى الميكانيكي... المحتال كعادته.
مشكلة قد تمتد من "التعويم"، إلى ارتخاء "كلب البطارية"، وصولاً إلى انفلات "البوجية".
هي مركبة جدليّة لا شكّ. يستخدمها الجميع. يستغلها النشالون في عملياتهم. ويقودها الشبان الطائشون لمعاكسة الفتيات، والاعتداء على الآخرين، والسخرية منهم.
كذلك يقودها مئات آلاف المواطنين واللاجئين والنازحين لقضاء أعمالهم اليومية.
بينما لبعض الشبّان هي شريكة حياة.