على حافة جرف من الكلمات

14 نوفمبر 2016
"آنا أخماتوفا"، جويل بيتر ويتيكن، 1989
+ الخط -
يقولون إن فرهاد، المغنّي، لم يغنّ للحب سوى مرة واحدة، وإن كل أغانيه كانت أناشيد لرجل يساري وحيد في ثورة ليس لها وجود. يقولون إن القتلى في أغانيه دفنوا تحت الثلج، مثل حبوب اللقاح الضائعة، يقولون إنه استيقظ ذات يوم ولم يعثر على السماء، يقولون إنه صرخ في وجوه رفاقه: كل عمل معكم فوضى! يقولون إنه عرف أن يوم بلاده الأسود كان مخبأ في كل بيت، يقولون إنه كان يحمل في يده قبضة من القسوة لذلك لم يغنّ للحب سوى أغنية واحدة، أخذ الحبيب الفقير فيها فستان حبيبته وعلّقه على النافذة كستارة، يقولون أشياء أخرى حقيقية عن فرهاد، أما هذه الأمور فقد اختلقتها بنفسي، لأنني تخيلته هكذا!

***

Interrupted Reading من الأعمال المفضلة عندي لجويل بيتر ويتيكن، الذي التقى بالفن لأول مرة عن طريق جثة. كل من شاهد أعمال ويتيكن يعرف عمّا أتحدث، يروي ويتيكن حادثة من طفولته: كان خارجاً من البيت ظهيرة أحد حين سمع أصوات ارتطام سيارات وصرخات استغاثة، وفجأة تدحرج شيء حتى وصل لويتيكن، يقول "كان رأس طفلة صغيرة، انحنيت عليه لألمسه، لأتكلّم معه، لكن قبل أن أتمكن من ذلك كنت قد حُملت بعيداً وبسرعة".

***

عن لوحته "حصة الغيتار" كتب بالتوس لأنطوانيت فاتفيل - ستصبح زوجته في ما بعد - "أريد أن أجلب إلى العلن، بإخلاص وعاطفة، هذه التراجيديا الحيّة للّحم، أن أعلن بعلو صوتي القوانين التي لا تتزعزع للغريزة". مدرّسة الموسيقى في اللوحة تمسك بالفتاة مثل غيتار، الأصابع على الفخذ كأنها تلعب على أوتاره. التعبير على وجهي الفتاة والمرأة ليس حاسماً إن كان يحمل الألم أم المتعة. إنها اللحظة التي لطالما تحدّث عنها بالتوس بوصفها العبور من البراءة إلى التجربة. هذه اللوحة ليست معروضة في أي متحف في العالم، لقد سبّبت الكثير من المتاعب لـ "متحف الفن الحديث في نيويورك"، وتم بيعها لمقتنٍ ضمّها إلى مجموعته الخاصة، ولم تعد تراها عيون المتلقين إلا على الإنترنت.

***

كان إنجيل كارافاجيو مليئاً بالناس العاديين؛ لو كنت واحدة منهم لما غفرت له مساواتي بالقديسين. رسم عشيقاته ورفيقاته العاهرات وأصدقائه من اللصوص والمتسولين مكان الشخصيات الأساسية في القصص الدينية والأساطير. وحين كُلف برسم "موت العذارء" كان كأنه دق آخر مسمار! أصبح مكروهاً من الجميع، الكنيسة والناس وربما العاهرات أيضاً، فهذه ليست مريم المخلّصة التي يلتمسونها، بعضهم تعرف فيها على عاهرة ماتت غارقة، وبعضهم اعتبرها مجرّد فلاحة انتشل المجهولون المحيطون بها جثتها التي قدّمها كارافاجيو بلا خجل متورّمة ومكشوفة القدمين. لقد حققوا في هذه اللوحة كأنها مسرح جريمة، ولم يرضوا عن أي لحية فيها! نعرف أن كارافاجيو لديه صحيفة سوابق بجنح صغيرة ومخجلة ظلت كذلك حتى قتل رجلاً في مشاجرة وفرّ إلى صقلية، سيعثر على جثته متورمة ومكشوفة على شاطئ في توسكان، وكان في آخر أيامه يمزق كل عمل له إذا انتقده أيٌّ كان، وقيل إنه كان خائفاً جداً حتى إنه كان ينام مسلحاً.

****

ثمة لوحة رسمها مارك تانسي لرجلين يتصارعان على حافة هاوية.

حين رأيتها أول مرة حسبتها اللقطة الأخيرة في الصراع بين شيرلوك هولمز وغريمه موريارتي.

"دريدا يتشاجر مع دو مان"، حيث يقف التفكيكيان على حافة جرف من الكلمات.

أكثر من مرة شاهدت هذه اللوحة وتحتها عبارة شليغل "إن ما تسمى بفلسفة الفن ينقصها أحد أمرين الفلسفة أو الفن".




دلالات
المساهمون