علبة الخياط

28 أكتوبر 2014
+ الخط -
كتاب "اعترافات روائي ناشئ" لأمبرتو إيكو، الصادر حديثًا عن المركز الثقافي العربي، بترجمة سعيد بنكّراد ، ليس تحليلًا أكاديميًا لحقائق علميّة، ولا سردًا لخططّ مسبّقة يعدّها النقّاد وسيلةً لقياس كمية المعنى وتحديد سبل انتشاره في تفاصيل الحكاية، بل هو بوحٌ شخصي حميمي يقع على "هامش" المنجز.

هو اعترافٌ
بما كان من الممكن أن يظلّ طيّ الكتمان، وكشفٌ عمّا يعتمل في "الضفة المظلمة" التي غالبًا ما يسيّجها الكتّاب بكثيرٍ من الحيطة والاحتراز. إنّه "علبة الخياط" التي نعثر في جوفها على حكايات صغيرة ودقيقة، مستخلصة من الصنعة الأدبية، ومستقطرة من الخبرة الإبداعية، عن "سيرورة التكوّن" و"سيرورة البناء" و"سيرورة التفكير بالأصابع".

أكثر من هذا يمكن عدّ هذا الطراز من "الشهادة العاشقة" التي تجعل إيكو يخرج مؤقتًا من جبّة المفكر السيميائي ليرتدي معطف الروائي، الشارِح لسبل ردمِ البون الشاسع بين المعرفة والحس، حديثًا عن سيرورة تبادل الأدوار، عندما تنتقل شذراتٌ من حياةِ المؤلف إلى عوالم التخيّيل بوحيٍ منه أو في غفلةٍ عنه.

نلفي في "اعترافات" إيكو جردًا مفصًّلا لمطبخ كتابة رواياته، وطرائق بناء عوالمها المتشعّبة، وتشخيصًا للعلاقة الشائكة بين افتراضات المؤلّف لنصّه وبين استيهامات مؤوليه بصددِ النصّ ذاته، وتحليلًا عاطفيًا ودفاعًا رومانسيًا عن شخصياته التخييّلية التي يعدّها "أطول عمرًا من كائنات الحياةِ الواقعية" وكذلك تعدادًا للوائحِه الشخصيّة، علميةً أم شعريةً، وما فيها من كتبٍ وأشياء وأشخاص وأماكن ومعارف وطرائف وغرائب.

يقول إيكو:"يحمل هذا الكتاب العنوان الآتي : اعترافات روائي ناشئ، وسيكون من حقّ الناس أن يتساءلوا عن سرّ ذلك، فقد ناهزتُ السابعة والسبعين من عمري.

ولكنّي أسارع إلى القول إنّي لم أكتب روايتي الأولى اسم الوردة إلا سنة 1980، وبذلك لا يتجاوز عمر ممارستي لكتابة الرواية ثمانية وعشرين سنة.

ولهذا السبب، أعتبر نفسي روائيًا ناشئًا...بالتأكيد واعدًا، لم يكتب إلى حدّ الآن سوى خمس روايات، وسيكتب الكثير منها في الخمسين سنة المقلبة!".
المساهمون