في هذا الشأن، لفت النائب عبد الرحيم أيوبي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "علاقات موسكو بطالبان تفضح النوايا الروسية الكامنة إزاء أفغانستان خصوصاً والمنطقة عموماً"، مشيراً إلى "أننا كنا نزعم أن باكستان هي التي تدعم الإرهاب في المنطقة، ولكن يبدو أن روسيا، وقبلها إيران تسيران على خطى باكستان، وأن الشعب الأفغاني بدأ يعرف ذلك".
ودعا أيوبي إلى "تشكيل لجنة خاصة من البرلمانيين ليناقش الموضوع مع الحكومة الأفغانية ومع شورى الأمن والسفارة الروسية في كابول". وهو الأمر الذي أيده البرلمانيون الآخرون، ودعا في هذا الصدد النائب الثاني لرئيس البرلمان نعمت الله غفاري، "اللجنة البرلمانية المعنية بالعلاقات الخارجية لدرس الموضوع وتقديم تقرير بشأنها خلال جلسة البرلمان المقبلة، كي يتخذ البرلمان قرارات بهذا الشأن".
وهدد غفاري بأن "الشعب الأفغاني لن يقف صامتاً إزاء الاعتداء والتدخل الروسي"، مشدّداً على أن "الويلات التي واجهها الشعب على مدى العقود الأربعة الماضية سببها الغزو الروسي، وأن روسيا تسعى من خلال تدخلاتها أن تدفع أفغانستان إلى ما دفعت نحوه دولاً إسلامية أخرى".
وفي وقتٍ لم تعلّق فيه حركة "طالبان" على التطور حتى الآن، أكد القيادي المنشق عن الحركة، وهو أحد المقربين من مؤسس الحركة وزعيمها السابق الملا عمر، ملا عبد المنان نيازي، أن "روسيا بدأت تتدخل في الشؤون الأفغانية من جديد من خلال دعم طالبان، أي جماعة هيبت الله أخوندزاده، زعيم الحركة، وإننا نقول لها إن الشعب الأفغاني الذي لقن الروس دروساً، ما زال ذاك الشعب نفسه وهو يعرف المخططات الروسية". وأضاف نيازي في تسجيل مصور بث على وسائل التواصل الاجتماعي، أن "معظم قيادات طالبان يعارضون التقارب مع الروس وإيران، إذ إنهم يعرفون جيداً مخططات الدولتين، اللتين بسببهما حلّت بالعديد من الدول الإسلامية الويلات".
كذلك هدد نيازي روسيا بـ"الانتقام لأي خطوة عدائية مع أفغانستان"، قائلاً إننا "قريبون منكم والسلاح بأيدينا، ونحن نعرف حماية شعبنا والدفاع عن سيادة دولتنا"، مذكراً روسيا ما حلّ بها بسبب غزوها لأفغانستان. وأشار إلى أن "أي عمل لطالبان لأجل الدفاع عن المصالح الإيرانية والروسية سيقوي الزعم بأن حرب طالبان مع الحكومة الأفغانية والقوات الأميركية هي حرب لأجل المصالح، لا لأجل المبادئ".
وكان السفير الروسي لدى كابول ألكسندر مانتيتسكيي، قد أكد بأن "موسكو قلقة إزاء نفوذ داعش في أفغانستان، وبالقرب من دول آسيا الوسطى وروسيا، وأنها أوضحت للمجتمع الدولي، تحديداً الدول الغربية، بأن أفغانستان ستكون مرة أخرى منطلقاً للجماعات المسلحة التي تشكل خطراً على أمن المنطقة برمتها، لا سيما روسيا والصين وإيران". كما شدّد السفير الروسي على أن "موسكو ترغب في مساندة الجيش الأفغاني وتجهيزه، ولكن لها في الوقت نفسه علاقات مع حركة طالبان، وأنها فعلت ذلك لأجل حماية مواطنيها وحماية الأفغان". ولم يوضح السفير الروسي كيفية دفاع "طالبان" عن المواطنين الروس وعن الأفغان.
من جانبه، أكد المندوب الروسي الخاص لأفغانستان ضمير كابولوف، أن "موسكو تمكنت من خلق العلاقات مع طالبان وطلبت منها عدم استهداف المصالح الروسية ومندوبيها في أفغانستان". ولكن كابولوف لم يوضح إن كانت "طالبان" قد وافقت على ذلك أم لا. إلا أن المراقبين للوضع في أفغانستان وسير الأحداث والتغيرات التي تعرضت لها "طالبان" رأوا أن العلاقات بين الحركة وروسيا تخطت تلك المرحلة، وبدأت موسكو تدعم "طالبان" مالياً ولوجستياً، وهو ما أكدته الحكومة الأفغانية أكثر من مرة. مع العلم أن موسكو تمكنت من استيلاد العلاقات مع "طالبان" بوساطة طهران. من هنا اعتبر الكثير من الأفغان أن "لروسيا وإيران مخططاً واحداً إزاء أفغانستان، ويخشون أن تدفع الدولتان أفغانستان لمصير مشابه لسورية والعراق".
كما أن ثمة تقارير غير مؤكدة عن أن "المجالس القيادية لحركة طالبان طرحت أكثر من مرة، أن الأولوية الميدانية حالياً هي محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد أن كانت الحرب ضد القوات الأفغانية والدولية، وذلك إرضاءً لطهران وموسكو". حتى أن البعض طرح قضية إعلان وقف إطلاق النار مؤقتاً مع الحكومة الأفغانية، كي يتفرغ المقاتلون لقتال "داعش"، الأمر الذي تطلبه موسكو ولأجله تساند "طالبان".
القلق الأفغاني غير مرتبط بالقلق إزاء علاقات "طالبان" بروسيا وإيران، بل إنه حتى قيادة القوات الأميركية المتمركزة في أفغانستان قلقة إزاء علاقات الحركة بروسيا وإيران. وأكد قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون، أن "طهران وإسلام أباد تنسّقان لأجل دعم طالبان، وموسكو تحاول من خلال علاقاتها بالحركة أن تمنحها الشرعية، وهو أمر خطير للغاية".
تُجدر الإشارة إلى أن "طالبان" قد تدفع أثماناً باهظة لتقاربها مع موسكو، إذ إن الأفغان لم يُخرجوا لحد الآن من أذهانهم ما حل ببلدهم نتيجة الغزو السوفييتي (1979 ـ 1989)، وكثير من قيادات الحركة عارضوا التقارب بين "طالبان" وروسيا وإيران، ومنهم أعضاء في مكتب الدوحة وأسرة الملا عمر وأعضاء من شورى كويتا، تحديداً المقرّبين من مؤسس الحركة، زعيمها الراحل الملا عمر. كما أن الحكومة الأفغانية بدأت تستغل الوضع الداخلي لحركة "طالبان"، وتعمل لانضمام قياداتها إلى المصالحة. علاوة على أن المصالحة بين الحزب "الإسلامي" والحكومة قد شجع الكثيرين من قيادة الحركة على المضي على خطى الحزب.