يصدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، في بيروت بعد أيام، كتاب المفكر والأكاديمي، وأول رئيس للمجلس الوطني السوري، برهان غليون، "عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل.. سورية 2011 - 2012" في 528 صفحة، ويتضمن إطلالةً على لحظة الثورة السورية، ومقدماتها وجريانها، من خلال شهادة نقدية مباشرة، يطرحها غليون، بشأن الأداء العام لشخصيات وقوى وفاعليات وفصائل، وسياسيين وناشطين ومثقفين في المعارضة السورية.. ينشر "العربي الجديد" أجزاء من الكتاب.
بعكس سياسة الولايات المتحدة المتخبطة والانكفائية معاً، كانت سياسة الاتحاد الروسي بالغة الوضوح والشفافية. لم تغيّر روسيا موقفها من دعم النظام، ولا رفضها فكرة الثورة الشعبية. وقفت منذ البداية في مجلس الأمن، من دون تردد ولا مساومة، ضد استصدار أي قرار يسمح للمجتمع الدولي أن يتخذ موقفاً عملياً ضد المذابح التي بدأت في سورية، مع بداية التحرّكات الشعبية، وغطت على التدخل العسكري الإيراني، وتحالفت من دون أن يرفّ لها جفن مع المليشيات الطائفية. وزوّدت جيش الأسد بالمستشارين العسكريين والأمنيين وبالسلاح والذخيرة. وعندما شعرت أن النظام أصبح في خطر، بعد أن هُزِمت المليشيات، وجيش النظام في أكثر المناطق السورية، على يد الفصائل المسلحة للمعارضة، دخلت بقوة أكبر، واستلمت قيادة العمليات العسكرية، واستخدمت قواتها الجوية على نطاق واسع للفتك بحاضنة المعارضة وفصائلها، وقادت عملية تفكيكها، من خلال الجمع بين التهديد بالدمار الشامل أو القبول باتفاقات خفض التصعيد، واللعب على تناقضات الفصائل، وشقّ صفوفها، وترويضها بالوعود الكاذبة، بحماية من يستسلم منها، قبل أن تنقض عليها في مرحلة تالية.
ما الذي دفع موسكو إلى القيام بكل ذلك؟ في الواقع لم تكن نظرة فلاديمير بوتين ووزيره سيرغي لافروف تختلف كثيراً عن نظرة الرئيس أوباما إلى جوهر الصراع. كان يعتقد أيضاً أن الديمقراطية مزحة سقيمة في الشرق، وأن الأمر يتعلق بالأحرى بهجوم الأكثرية السنّية المهمشة في السلطة على الحكم العلوي الأقلوي، حتى لو أطلق عليه على سبيل الدعاية "العلماني". لكن الفرق أن موسكو كانت ترى في الانخراط مع النظام، ولمصلحة بقائه، مصلحةً استراتيجية كبرى لها، في الوقت الذي لم يرَ الأميركيون في الانخراط مع المعارضة أي مصلحة من أي نوع، إضافة إلى أنه لم يكن لديهم أي اقتناع بأن مثل هذا التغيير يفتح إلى غير الفوضى التي شهدوا نماذج حية لها في التغيير الذي أحدثوه هم أنفسهم في العراق وليبيا.
بعد أسابيع من تشكيل المجلس الوطني السوري، تلقيت دعوة من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لزيارة موسكو في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، للتباحث حول المسألة السورية، وكان ذلك مصدر تفاؤل كبير لنا، اعتقاداً منا بأنها ستكون فرصة ذهبية لفتح نافذة في الموقف المتصلّب والمعادي الذي وقفته موسكو من الثورة السورية خلال الأشهر الثمانية الماضية. وذهبتُ إلى موسكو بعقلٍ مفتوح، واستعداد لتقديم كل التنازلات المطلوبة لكسب القيادة الروسية إلى جانب خيار وقف الحرب الهمجية التي يشنها النظام على المدنيين. لكنني، من اللحظة الأولى للمقابلة، فوجئتُ بخطابٍ عنيفٍ وقاسٍ يستهدف مباشرة القضية التي أتينا للدفاع عنها، من وراء انتقادات الوزير الروسي اللاذعة والهستيرية للغرب. كان حديث لافروف مع وفد المجلس بأكمله مرافعةً اتهاميةً لا تنتهي ضد الغرب وسياساته، في العراق وليبيا وأوروبا، وتدخله الدائم في الشؤون الخاصة بالدول، وتحضيراته للتدخل المقبل في سورية، ومن ثم تأكيد تصميم الروس على مقاومة هذه السياسة، وعدم التراجع خطوة واحدة "هذه المرة".
كان جل جهدي منصباً على إجبار الوزير الروسي على الحديث في الأوضاع السورية ذاتها، وليس عن تدخل الغرب، وإعادته إلى الموضوع كلما هرب منه. وطمأنته منذ البداية أن المجلس الوطني لا يدافع عن التدخل الغربي في سورية، وأن بيانه التأسيسي يرفض ذلك، وأن قدومنا إلى موسكو أكبر دليلٍ على أن رهاننا ليس على هذا التدخل، وأننا نريد التفاهم مع القيادة الروسية، للتوصل إلى حل سياسي يقطع الطريق على احتمال أن يتطوّر الموقف، وينزلق الوضع بما يمهد دولياً للتدخل الغربي. لكن في كل مرة، كان لافروف ينقل الحديث، من جديد، إلى موضوع خداع الغرب وسياساته العدوانية، وتصميم القيادة الروسية على مواجهته هذه المرة، وعدم السماح له بتنفيذ مخططاته في سورية، كما فعل من قبل في ليبيا والعراق.
قلتُ: إن الأمر يتعلق أولاً بحركة شعبية داخلية تنشد التغيير السياسي، وليس لها أي أهداف تتعلق بحرف سورية عن تحالفاتها الاستراتيجية، وتوجهاتها الدولية التقليدية، وإن سورية كانت منذ الخمسينيات حليفاً لروسيا، ولها مصلحة كبرى، مهما كان النظام السياسي، في المحافظة على هذا التحالف. كما أن جيشنا يتزوّد بالسلاح الروسي، ويتدرب قسم من ضباطه عندكم. وقد سعى الشعب السوري، منذ استقلاله، إلى إقامة علاقات قوية مع روسيا، لأنه غيور على استقلاله وسيادته، ولا يريد أن يبقى أسير علاقةٍ أحاديةٍ مع الغرب، وإن المعارضة حريصةٌ على الحفاظ على هذه العلاقات التاريخية، والتعاون المثمر مع روسيا. وإنه لا يوجد أي اعتراضٍ لدى السوريين على وجود قاعدة طرطوس البحرية الروسية وتوسيعها، بل إنه لا مانع لدينا من السماح لموسكو ببناء قاعدةٍ عسكريةٍ إضافية، إذا أرادت ذلك. وإننا متمسّكون بالصداقة مع روسيا مهما كان الثمن. وبالغتُ كي أغير مناخ الحديث السلبي، فقلت: تأكدوا، معالي الوزير، أننا لن نتخلى عنكم، حتى لو تخليتم أنتم عنا، لأننا لا نريد أن نسقط في دائرة التبعية الأحادية للغرب.
ولا أعتقد أنه كان خادعاً عندما رمى بعروضي جميعاً عرض الحائط قائلاً: ليس لقاعدة طرطوس أي قيمة عسكرية، إنها مجرد محطة لتزويد السفن الروسية بالخدمات، وإن روسيا لا تبحث في موقفها عن مكاسب في سورية، وإن الأسد لم يكن حليف روسيا وإنما كان حليف الغرب، ولم يقم بزيارة إلى روسيا سوى بعد خمس سنواتٍ من استلامه منصب الرئاسة، وإن ما يهم موسكو في هذا الموضوع ليس الأسد وإنما الحفاظ على حقوق الشعب السوري والحيلولة دون أي تدخل غربي في سورية.
وقد أصبح جلياً لي، بعد ما يقرب الساعة من المداولات، أنه كان يقصد ما يقول، وأن سورية لم تكن تعني روسيا كثيراً، وهي ليست في محور اهتمامها لتحقيق مكاسب مادية أو سياسية. ما كان يعنيها هو الأزمة السورية التي فجرتها الثورة وتحويلها، وهذا رهانٌ أكبر بكثير من رهان القواعد العسكرية أو المنافع المادية، إلى فرصةٍ لا تعوّض من أجل إظهار إرادة روسيا التي لطختها العنجهية الغربية بالوحل، وقدرة موسكو على تحدّي إرادة الغرب، وإفشال خططه في سورية، وعدم السماح له بخداع روسيا، وتحقيق ما نجح في تحقيقه في العراق وليبيا، ومن قبل في أفغانستان وأوروبا الشرقية. بمعنىً آخر، كانت روسيا تريد، من خلال موقفها المعارض أي تغيير في سورية، بصرف النظر عن أي اعتبارٍ آخر، ومهما كانت التكاليف والخاسرون الذين صدف وكانوا عموم السوريين، أن تعطي درساً للغرب، وأن تفرض وجودها عليه، وتستعيد احترامه لها، وتغيير قاعدة اللعب بإجباره على الحوار معها، بعد أن أهملها وأنكر وجودها وتنكر لها خلال ثلاثة عقود.
قلت، بعدما يئست من إمكانية زحزحة الوزير عن مواقفه المتجمدة على انتقاد الغرب، وإصراره على أن التدخل الغربي لا بد حاصلٌ في سورية، وبهدوء بالغ: معالي الوزير، انظرْ إليّ جيداً؛ أنا لم آتِ إليك ممثلاً للغرب، كما أنني لستُ، ولم أكن يوماً، من مناصري سياساته الدولية، وليس لدي أي اعتراض على انتقاد هذه السياسات، ولستُ بعيداً عن أن أؤيدك في الكثير ممّا تقوله في وصفها، وأعرف مدى ما بينكما من خلافات. أتيت إلى هنا ممثلاً لشعبٍ يُذبح كل يوم مئة مرة، وهو شعبٌ محب لروسيا، وصديقٌ لها منذ سبعين عاماً، لا صديق الغرب، ثم إنك تتحدّث مع إنسان قضى عمره في نقد سياسات الغرب، وأولها حماقته في غزو العراق وليبيا. إذا كانت لديكم حساباتٌ مع الغرب، فالرجاء أن لا تسعوا إلى تصفيتها على حسابنا، فنحن شعبٌ صغيرٌ لا يتحمل كلفة مثل هذا الصراع.
قلت، بعدما يئست من إمكانية زحزحة الوزير عن مواقفه المتجمدة على انتقاد الغرب، وإصراره على أن التدخل الغربي لا بد حاصلٌ في سورية، وبهدوء بالغ: معالي الوزير، انظرْ إليّ جيداً؛ أنا لم آتِ إليك ممثلاً للغرب، كما أنني لستُ، ولم أكن يوماً، من مناصري سياساته الدولية، وليس لدي أي اعتراض على انتقاد هذه السياسات، ولستُ بعيداً عن أن أؤيدك في الكثير ممّا تقوله في وصفها، وأعرف مدى ما بينكما من خلافات. أتيت إلى هنا ممثلاً لشعبٍ يُذبح كل يوم مئة مرة، وهو شعبٌ محب لروسيا، وصديقٌ لها منذ سبعين عاماً، لا صديق الغرب، ثم إنك تتحدّث مع إنسان قضى عمره في نقد سياسات الغرب، وأولها حماقته في غزو العراق وليبيا. إذا كانت لديكم حساباتٌ مع الغرب، فالرجاء أن لا تسعوا إلى تصفيتها على حسابنا، فنحن شعبٌ صغيرٌ لا يتحمل كلفة مثل هذا الصراع.
هذه كانت اللحظة الأولى التي خرج فيها سيرغي لافروف عن تجهمه، وخفف من لهجته العدائية، وأظهر ما يشبه الابتسامة، علامة الرضى. لقد أدرك بالتأكيد أن رسالته قد وصلت. وأصبح بإمكاننا أن ننتقل إلى الحديث في الموضوع الذي قدمنا من أجله، وأتيحت لنا الفرصة لشرح وجهة نظرنا. ولفت نظري أكثر ردّه على محاولتي إقناعَه بأن ما يحصل في سورية هو ثورة شعبية حقيقية، لا نستطيع نحن أنفسنا أن نتحكّم بها ما لم يبادر النظام إلى التغيير، وأن ما نأمله هو أن تمارس موسكو ضغوطاً عليه للاستجابة لنداء التفاهم والسلام وعدم زج البلاد في الحرب الأهلية. قال بلهجة المتهكِّم: تحدثني عن الثورة، نحن الذين نعرف الثورة ونعرف ما هي حقيقتها.
مع ذلك، كان جو اللقاء قد تحول في اتجاه إيجابي، كما يبدو من تمديده وقت اللقاء إلى ضعفه تقريباً، ثم اعتذاره عن متابعة الحديث معنا، بسبب ارتباطاتٍ بمواعيد أخرى، وتكليف نائبه ومستشار الرئيس للشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، بمتابعة النقاش الذي استمر معه أكثر من ساعتين إضافيتين. وقد أظهر بوغدانوف في ذلك اللقاء من التفهم والتجاوب مع وفد المجلس، والعطف على القضية السورية، ما جعلني أشعر أن فرص تغيير الموقف الروسي ليست معدومة بالضرورة.
مع ذلك، لم أخرج من اللقاء متفائلاً. قلتُ ربما نجحنا في تخفيف غلواء موسكو، لكن ماذا يمكن للافروف أن يقدّمه لنا إذا كان بوتين ينوي أن يستخدم "الأزمة السورية"، من أجل تركيع الغرب وإذلاله، بإظهار عجزه وحيرته أمام تحدّي روسيا له في سورية؟ بقيت بين مرتاح لأنني فهمت الموقف الروسي على حقيقته ويائس لإدراكي أن مشكلتنا مع روسيا لن تكون سهلة الحل.
نقل لي معاذ الخطيب الذي التقى الوزير بعد سنوات من لقائي الأول أن لا فروف كان سعيداً جداً من أول لقاء جرى مع المجلس الوطني، لكن انطباعه الإيجابي بدأ يتغير بعد سماعه ما جرى في المؤتمر الصحفي الذي أعقبه. وملخص ما كنتُ قد ذكرته في هذا المؤتمر رداً على سؤال حول تقييمي للِّقاء بلافروف: "لم نستطع أن نقنع الروس بموقفنا، كما أنهم لم ينجحوا في إقناعنا بموقفهم. نأمل أن تكون لنا لقاءات أخرى".
كان هذا التعبيرَ الصادق عما حدث بالفعل. لكن موسكو كانت تنتظر منا ربما شيئاً آخر، توكيلاً علنياً أو على الأقل مبطّناً بالقضية السورية، أو عبارة توحي للرأي العام أننا نفوّض روسيا بالعمل على قضيتنا وننكر تدخل الغرب. ولعلنا لم ندرك عمق الضغينة الروسية تجاه الغرب ورغبة موسكو في أن تسقيه من الكأس ذاتها التي سقاها منها (تدل على ذلك التغطية الإيجابية للصحافة الروسية للمؤتمر؛ فقد ذكرت وكالة أنباء موسكو في اليوم ذاته أن "الجانب الروسي أعرب عن ارتياحه للتواصل مع المجلس، وأكد حرصه على مواصلة الاتصالات معه خلال الفترة المقبلة"، وأنه كان في توافق مع رئيس المجلس حول ضرورة تجنب الانزلاق نحو السيناريو الليبي. وختمت بالقول: "كان غليون أجرى جولة محادثات مع لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف في لقاء دام أكثر من المدة المخصصة له، ما يشير إلى أن المحادثات كانت مطوّلة وعميقة).
في أول لقاء مع المسؤولين الأوروبيين الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر معرفة نتائج لقائنا مع الوزير الروسي، أجبتهم: مع الأسف، ما تقاتل روسيا من أجله في سورية ليس في حوزتنا، نحن السوريين، ولا نملك أي وسيلة لتأمينه. إنه لديكم أنتم. قالوا: ماذا تقصد. قلت: تريد موسكو أن تفتحوا الحوار معها، وتنظروا إليها كنِدٍّ لكم وشريكٍ في قرارتكم الدولية، وقد همّشتموها. وهذا ما يهمها أكثر من أي قواعد عسكرية واستثمارات اقتصادية في سورية، فهي غاضبة منكم، وناقمة على تعاملكم معها بالعقوبات كدولة من الدرجة الثانية. وذكرت لهم بعض أفكار المرافعة العنيفة التي سمعتها من الوزير لافروف ضد سياساتهم. وقلت: إن مشكلة روسيا معكم، لا معنا، ولسنا سوى الوسيلة التي تستخدمها لتذكيركم بوجودها وغضبها وتغيير مواقفكم منها. وأضفت: إذا كنتم جادّين في مساعدتنا، فأنصحكم أن لا تقتصروا على فرض العقوبات عليها، لأن هذا يشعرها بالإذلال أكثر، ويزيد من تشدّدها وغلوائها، ينبغي، بالتوازي، أن تفتحوا حواراً معها، يشعرها بالاعتراف بها قوةً كبرى، ويساعد على فكفكة عقدة غضبها وتمردها. كان الجواب حاسماً وفورياً ومن دون تردد: هذا مستحيل. (كان الغربيون يفتقرون إلى أي خطة عمل من أي نوع، عسكرية أو سياسية، في المسألة السورية، نتيجة الموقف الذي اختاروه في عدم التورط وتكرار نمط التدخلات الكارثية التي جرت في العراق وليبيا ومن قبل في أفغانستان، واكتفوا بفرض بعض العقوبات على رجالات الأسد المقربين ومحاولة تطمين روسيا على مصالحها في سورية، لتشجيعها على القبول بحل سياسي يحفظ ماء وجههم. لكنهم كانوا يرفضون الحوار معها في القضايا الأخرى، بل إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان يرفض لقاء الرئيس الروسي بوتين. لهذا كان الغربيون يدفعون المعارضة للتقرب من موسكو على أمل أن يرموا المسؤولية عنهم. لكن بينما كانت المعارضة تتودد لموسكو التي لا تكاد تراها، من أجل تشجيعها على الضغط من أجل الحل السياسي، كانت موسكو هي التي تضغط في الواقع على النظام لتعطيل المفاوضات والاستمرار في الحرب، لتُبقي مفتاح الحل في يدها وسيلةً للضغط على الغرب، ووضع دبلوماسيته واستراتيجيته السلمية في مأزق، وتجريده من أي خيارٍ بديل عن الحوار مع موسكو والتعاون معها).
كان هذا الجواب كافياً بالنسبة إليّ لفهم غل الروس، لكن أيضاً لفهم تفكير الغربيين، فربما بدا دفاعي عن الحوار مع موسكو مفاجئاً وغريباً في الوقت الذي لا تحتل سورية أيَّ موقع في منظومتها، وليست حليفةً لها، وفي الوقت الذي كانت فيه المعارضة السورية تطالب بإنزال مزيدٍ من العقوبات بروسيا وبعضها بالتدخل العسكري لتحرير سورية من نظام الأسد الذي أصبح تابعاً لها. وقد حاولتُ أن أعبّر عن أفكاري هذه وقتها في مقالٍ ذكرتُ فيه أنه لا مخرج من المحنة السورية إلا بأحد حلين، لا ثالث لهما: التفاهم بين موسكو وواشنطن أو التفاهم بين الأطراف السورية. وكلاهما بدا في تلك اللحظة، وربما لا يزال، بعيد المنال، بل من باب المحال.
كان من الواضح أن مصير سورية أصبح معلقاً بالصراع الغربي الروسي، فإما أن تكون سورية مناسبةً كي تتمكن روسيا من استعادة دورها وكرامتها في المنظومة الغربية التي تريد أن تنتمي إليها، أو ستكون بالعكس مسرحاً لحربٍ مستمرة بينهما، فلن يدخل الروس في حوار حول الملف السوري، ولن يطلقوا مفاوضات التسوية السياسية، ويقبلوا بانتقال سياسي لا مخرج من الحرب الداخلية من دونه، ما لم يضمنوا أن يشكّل ذلك مدخلاً للحوار مع الغرب، حول جميع القضايا الأخرى المعلقة، وكجزء منها؛ وإلا فسوف يجعلون من سورية واجهةً للكشف عن عجز الغرب الاستراتيجي، ولا أخلاقية سياساته، وخيانته مبادئه التي يدّعي حمايتها، وافتقار التزاماته السياسية إلى أي مضمون.
أدركت بعد هذه المحادثة أن قضيتنا، نحن السوريين، في مأزقٍ عميق. فلن نستطيع إقناع الروس بفك رهننا، ولا إقناع الغربيين والولايات المتحدة بالتضحية بمصالحهم، أو ما يعتبرونه كذلك، في عزل روسيا أوروبياً وعالمياً لمصلحتنا. ذهبت القضية السورية ضحية عملية تصفية حسابات.
ومما لا شك فيه أن موسكو هي التي لعبت الدور الحاسم في الحرب السورية، وكانت الرابح الرئيسي حتى الآن منها، على الرغم من أن الجهد الأكبر في دعم مجهودات الحرب كان من نصيب إيران. بل ليس من المبالغة القول إن حرب سورية التي دامت ثماني سنوات كانت، بالدرجة الأولى، حرب روسيا لكسر جدار العزلة والتهميش الذي بُني من حولها، بعد مرحلةٍ أولى بدت واعدةً في تجاوز منطق الحرب الباردة نهائياً، والدخول في عالمٍ جديدٍ قائم على الاعتراف بالتعدّدية القطبية وتبادل المصالح.
وما من شك في أن الخروج غير المنظم من الحرب الباردة، والاستخدام السيئ للأحادية القطبية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، والفشل الذريع الذي مُنيت به "القيادة الأميركية للعالم"، التي لم يكف رؤساء الولايات المتحدة عن تأكيدها، والدفاع عنها، أو ممارستها بالفعل منذ الحرب العالمية الثانية، وتسببها في حروبٍ وتدخلاتٍ كارثيةٍ في أفغانستان والعراق وليبيا، على حساب المصالح الروسية، وإخفاقها في معالجة النزاعات في مناطق عديدة، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، بما في ذلك احتواء إيران الخمينية، ووضع حدٍّ لسياسة الاستيطان الإسرائيلية؛ كل ذلك قد شجع القيادة القومية الجديدة في موسكو التي حلت محل قيادة يلتسين المقرّب من الغرب، على القيام برد فعلٍ منظمٍ لمواجهة التمدّد الجيوسياسي الغربي. وقدّم قرار الأسد مواجهة الثورة بالعنف، بعد انتصار ثورتي تونس ومصر، مناسبة تاريخية لا تثمّن كي تقفز روسيا إلى الواجهة، وتفكر في استعادة المبادرة على صعيد السياسة الدولية.
لم يكن الدافع للتدخل الروسي حماية منطقة نفوذٍ روسيةٍ قديمة، كما يزعم بعض السياسيين الغربيين، فقد كان نظام الأسد أقرب بكثير للغرب، وفي خدمته، ولا الحفاظ على المصالح الروسية في سورية، وهي محدودةٌ جداً، بما فيها مشتريات السلاح والقاعدة البحرية الخدمية في طرطوس. كان دافع روسيا من التدخّل، كما سبق ذكره، أكبر من ذلك بكثير، وهو تحدّي الغرب، وإعادة فرض نفسها قوةً كبرى، يجدر الاعتراف بها، ومعاملتها على هذا الأساس، وإلا فإنها سوف تخرّب مشاريع الغرب، وتعترض سياساته، ليس في المشرق فحسب، ولكن أيضاً في أوروبا نفسها، كما ستفعل بعد تدخلها لدعم نظام الأسد في أوكرانيا لهدفٍ مثيل. وليس الشرق الأوسط سوى الغرفة الخلفية لأوروبا، والمنطقة الأكثر تبعيةً للغرب، وارتباطاً به وبمصالحه.
وإلى جانب تثبيت حكم الأسد ونظامه، ومنع الغرب من مد نفوذه من خلال سياسة دعم الديمقراطية، كانت موسكو تستهدف أيضاً نموذج الثورات الشعبية في المشرق، وفي أوروبا التي تعتقد أنها من وحي الغرب، إن لم تكن من صنعه. لذلك لم يتردّد لافروف في السخرية من الثورة، ومن خطاب المعارضة المتمحور من حولها. وكان إجهاض الثورة السورية يعني، في الوقت نفسه، استرجاع سورية إلى النفوذ الروسي، وتحويلها إلى منصةٍ للتوسع الدولي، بما في ذلك إعادة نظام الأسد نفسه، الذي كان، بعكس المظاهر الخادعة، الولد المدلل للغربيين، إلى بيت الطاعة الروسي. (كانت ميول بشار الأسد وخياراته السياسية والأيديولوجية غربية بشكل بارز. وكان الغربيون أكثر من يدعمونه ويوجهونه، كما أظهر ذلك احتفاء الأميركيين والفرنسيين، والغربيين عموماً، بوراثته حكم سورية عن والده، وحضور وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت، مادلين اولبرايت وجاك شيراك، جنازة حافظ الأسد إلى جانبه. ولا يغير من هذه الحقيقة ما بدر منه من سلوك وتصرفات تعكس عدم نضجه السياسي وتلاعب الإيرانيين به، وتقرّبه من حزب الله بحثا عن خطاب للشرعية، واغتيال رفيق الحريري عام 2005 انتقاما من سعي الأخير إخراجه من لبنان، وفي الإطار ذاته، تنظيم الحرب بالوكالة عن طريق المنظمات المتطرّفة الجهادية في العراق ضد القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي، بعد تهديد الأميركيين له، واعتباره الهدف الثاني بعد صدام).
وإلى حدٍّ ما، هكذا كانت العلاقة مع الأسد الأب، حين بارك الأميركيون تدخّله العسكري في لبنان، ثم غض النظر عن تجاوزاته العديدة فيما بعد، ومنها اغتيال مئات عناصر المارينز، والسفير الفرنسي لوي دولا مار في بيروت عام 1981، وقد غفر الغرب كل ذلك للأسد، الأب والابن، لقاء الدور الجيوسياسي والجيوستراتيجي الحيوي الذي لعبه نظامهما في تفتيت الجبهة العربية وكسرها، والوقوف ضد أي محاولةٍ لإعادة تركيبها منذ حرب 1973، والقبول بتسوية الأمر الواقع مع إسرائيل، على الرغم من استمرار احتلال الجولان، ومساهمته في ضمان التدفق الطبيعي لنفط الخليج إلى الغرب، لقاء قسم من العوائد المقدّمة كمساعدات أو هبات أو استثمارات، ثم بشكلٍ متزايدٍ لقاء التعاون الاستخباراتي في الحرب ضد الإرهاب، واختراق القوى الإسلامية المتطرّفة، وتجييرها لحسابه في بداية عام 2000. كان هناك شعور مشترك لدى الغرب بأنه لا يوجد للأسد في سورية بديل عندهم أفضل منه، قادر على أن يوفّق، بكلفة أقل، بين جميع هذه المهام، ويقوم بها بكفاءة، خاصة التعاون الأمني ضد التطرّف والإرهاب، ومن قبل تقويض وحدة العالم العربي، وتفاهم دوله واستقراره، باسم التقدّمية أحياناً، أو المقاومة والممانعة، أو دعم الفصائل الفلسطينية الأكثر جذرية.
بل إنني أعتقد أن الدلال الكبير الذي شهده الأسد على يد الغرب، والاطمئنان على دوره الذي لا يستغني عنه في محاربة الإرهاب والتعايش مع إسرائيل توسعية، والتخلي عن الفلسطينيين، ولجم الشعب السوري ووضعه في قفص أمين، كل ذلك ساهم في زرع شعورٍ مفرطٍ بالقوة والاستقلال والسيادة لدى الرئيس الغر، فاعتقد أن بإمكانه، من خلال اللعب على تناقضات القوى القائمة، الإقليمية والدولية، كالتعاون مع الغرب، والتفاهم مع إيران، وتبادل المعلومات حول الحركات الجهادية المتطرّفة والاستعانة بخدماتها في الوقت نفسه لابتزاز الغرب، والتسليم لإسرائيل بالمكاسب الترابية التي انتزعتها بالحرب في الجولان، وخرمشتها من خلال حزب الله في لبنان، والعزف على الخلاف الإيراني السعودي، أن ينتزع مكاسب أكبر لنفسه وبطانته الحاكمة في دمشق.
ما كان انتصار الثورة سيقدّم أي فائدة للروس، حتى لو لم يكن النظام البديل حليفاً للغرب. أما إنقاذ النظام المترنح فهو يعني امتلاكه ووراثة موقعه في الصراعات المذكورة جميعها، وبالتالي جني المكاسب لمصلحتهم. وكان كل شيءٍ يشجعهم على المغامرة: تفكّك التحالف الغربي، وانطواء أميركا على نفسها، وتصميم طهران على التضحية بكل ما تملك للاحتفاظ بموقعها في سورية، وطمع تل أبيب في ضم الجولان، وإلحاقه نهائياً بها، بعد إضعاف الدولة السورية وتمزيقها. وما كان للرئيس الروسي أن يحلم بفرصة وشروط أفضل لإبراز استعداده للوقوف في وجه غطرسة الغرب، وإجباره على تغيير سلوكه تجاه روسيا.
وللأسباب نفسها، أي احتجاجاً على استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي، في نظامٍ معولمٍ يقوم أكثر فأكثر على قاعدة الاعتماد المتبادل، أو التبعية المتبادلة، وقفت الصين والهند وجنوب أفريقيا ودول البريكس إلى جانب روسيا، ولو لم يكن بالحماسة ذاتها. لم يفكّر أحد من هؤلاء في الدفاع عن الأسد، أو عن سياساته الدموية، ولا كان حكمه ونظامه يعنيان لهم شيئاً. وحّد بينهم العداء لغطرسة الغرب، وحال بينهم وبين رؤية الكارثة استهتارهم "المعتاد" بمصير الشعب، أي شعب، وحقوقه. وفي النهاية نجحوا في قلب الطاولة بالفعل على الغرب الذي خرج مقصوص الجناح من المواجهة الدولية على الأرض السورية. لكن ليس نحو عالم متعدّد الأقطاب، كما كان يطمح الجميع، وإنما إلى عالم متعدّد النزاعات والتجاذبات والتشنجات، تتحكّم به إراداتٌ منفلتة، لا تفكر إلا في مصالحها السياسية والقومية، كما يشير إلى ذلك تقدّم أطروحات الشعبوية القومية، التي تتناقض بشدة مع بناء نظام عالمي جديد متسق، يقوم على توازن المصالح، والتضامن بين المجتمعات والدول، لضمان مزيدٍ من الأمن والسلام والاستقرار العالمي. لذلك، إذا استمرت المسيرة على هذا المنوال، فإن اللحظة السورية التي مثلت فرصةً استثنائيةً للكشف عن الاختلالات الهيكلية في نظام العلاقات الدولية، وتذكير الحكومات بمسؤولياتها ومراجعة سياساتها الكبرى، يمكن أيضاً أن لا تقود إلّا إلى مزيد من التفكك والانفلات العالميين، مع تفاقم الصراعات الدموية والحروب الوحشية وزيادة عدد الخاسرين.
رداً على سؤال: هل كان من الممكن تعديل موقف روسيا أو تغييره لمصلحة القضية السورية؟ جوابي أن ذلك كان مستحيلاً. كانت تلك فرصةً لا تعوّض بثمن أتيحت لفلاديمير بوتين، كي يقفز خارج الحفرة التي أراد الغرب أن يدفن روسيا فيها استراتيجياً إلى الأبد، ويتجاهل وجودها. لهذا لم يُبدِ بوتين، في أي مرحلةٍ من مراحل المواجهة الدولية على الأرض السورية، في الميدان العسكري، أو في مجلس الأمن والمنظمات الدولية، استعداداً للتراجع أو التسوية أو حتى الحوار. بالعكس، لقد ثابر على الموقف التصعيدي حتى النهاية. وخلال ذلك، لم يتردّد عام 2014 في ضم القرم إلى روسيا، وإثارة القلاقل في أوكرانيا، لتأكيد تصميمه على فرض أجندته على الغرب والعالم، في أوروبا الشرقية وفي الشرق الأوسط معاً.
وفي السياق نفسه، لا أعتقد أن روسيا كانت بعيدةً أو غريبةً عن استخدام الأسلحة المحرَّمة في مسرح العمليات السوري ضد المدنيين، بما فيها الكيميائية. ولكن بالعكس، كان ذلك رسالةً روسيّة مبطنة. وما كان في وسع الأسد وحلفائه الإيرانيين أن يسمحوا لأنفسهم بتحدّي الإرادة الدولية، بهذه الطريقة الفجة، وتكرارها على الرغم من الحظر سنوات، لو لم تكن تلك إرادة الروس أنفسهم، بل فكرتهم، في سعيهم إلى إظهار مدى قدرتهم على الذهاب بعيداً في تحدّي إرادة الغرب، وتحطيم منظومة القيم والتقاليد والأعراف الدولية التي يقيم عليها أركان هيمنته العالمية. المستخدم الحقيقي والأول لأسلحة الدمار الشامل التي طالما ادّعى الغرب أنه لن يقبل باستخدامها من قِبل أحد، وبنى شوكته على فرض احترام تحريم استخدامها عندما يريد، هو موسكو. وهي التي رتبت اتفاق نزع أسلحة الأسد الكيميائية، عندما احمرّت عينا الرئيس أوباما قليلاً، وتركت له ما يكفي لاستعادة سياسة الاستفزاز وتحطيم الصدقية الغربية. والهدف هو بالضبط كسر هيبة الغرب، وإظهار عجزه وقلة حيلته وتراجعه وإذعانه في سورية أمام إرادة روسيا الحديدية.
لقد أراد الروس تمريغ وجه الغرب في الوحل في سورية، وقد فعلوا ذلك، وربحوا هذه الحرب. وحاول الغربيون أن يغطّوا على هزيمتهم وانسحابهم من المواجهة مع روسيا بالاختباء وراء أقصوصة الحرب على الإرهاب، وتضخيم صورتها وأصدائها. لكنهم في المحصلة خسروا المواجهة الجيواستراتيجية، وتركوا سورية رهينةً في يد موسكو وطهران، وتحولوا إلى عرّابٍ صغير لمشاريع التقسيم الاثنية والطائفية.
لم يحصل ذلك بسبب التفوق العسكري الروسي عليهم، فهم أكثر قوةً بكثير، ولا بسبب افتقارهم الحنكة، وعدم التفاهم فيما بينهم، ولكن لأنهم لم يفهموا طبيعة الحرب، وأبعادها العولمية، ونظروا إليها كحرب بين طوائف وعصابات محلية، وقرّروا، منذ بداية الأحداث السورية، أن يبقوا خارجها، وأن لا يتورّطوا فيها؛ أي أن لا يكون لديهم أي خيار، لا سياسي ولا عسكري، وأن يتركوا مفتاح الحل في يد غيرهم، واكتفوا من الخطط السياسية بالعقوبات الاقتصادية الهزيلة، والتصريحات العنترية بحتمية التنحّي ونداءات المبادرة بالإصلاح، استراتيجية وحيدة لردع الروس والإيرانيين، وفرض التراجع عليهم، فخرجوا من الصراع قبل أن يبدأ، وأخفوا انسحابهم واستقالتهم الأخلاقية والسياسية وراء سحابةٍ هشّةٍ من الحديث عن انقسام المعارضة السورية وعدم جاهزيتها وتشتتها.
فكّر الغربيون جميعاً بمنطق الحسابات والمكاسب المادية الصغيرة، واعتقدوا أن سورية لا تملك من الموارد ما يثير الحماس لإنقاذها، وهي لا قيمة لها ولا أهمية؛ أقنعوا أنفسهم بأن روسيا لن تفيد من احتلالها شيئاً، إن لم تجر نفسها إلى السقوط في مستنقع أفغاني جديد. لكن الروس الذين لم تكن تعنيهم سورية أصلاً، كما ذكرت، ولا فكّروا في مواردها الطبيعية، ولم يهمهم مصير شعبها، ولا مستقبلها، ما كان يردعهم، بالعكس، الخوف من إبادة السوريين أمام أنظار الغرب الذي ادّعى دعمه لهم ضد طاغيتهم، واستخدام كل الأسلحة المحرمة من دون استثناء ليحرجوا الغرب، ويظهروا ضعفه وخيانته كل مبادئه أمام العالم أجمع. لقد نظروا إلى الحرب في سورية حربا مع الغرب، على اقتسام حقل الهيمنة والسيادة الدولية، وتغيير علاقات القوة وقواعد الاشتباك العالمية، وإبراز من هو صاحب الكلمة العليا، وتعاملوا معها أنها فرصة لا تعوَّض لتحطيم كبرياء الغرب، وإنهاء استفراده بالقرار الدولي؛ أي حوّلوها إلى مناسبةٍ لتقويض صدقيته الدولية، وإظهار جبنه ونذالته. وهكذا أجهزوا على ما تبقّى من معنى قيادته الدولية. هذه هي النتيجة الطبيعية والحتمية لرفض الغرب الالتزام بمسؤولياته، والتخلي عن مبدأ التضامن الإنساني الذي قام عليه النظام الدولي، والذي يمثل جوهر رسالة منظمة الأمم المتحدة ومواثيقها ومبرّر وجودها.