عش نجيباً.. لن تموت مسروراً

20 نوفمبر 2014
آن يا كيخوت للقلب الجريح، أن يستريح
+ الخط -

"أنا ابن الشقاء/ ربيب (الزيبة والمصطبة)/ وفي قريتي كلهم أشقياء/ وفي قريتي عمدة كالآلهة/ يحيط بأعناقنا كالقدر"

نجيب سرور، أو محمد نجيب محمد هجرس، ابن الدقهلية الذي نبت في أرض الشقاء وبدأ رحلة الكفاح والأمل والألم مع أول صرخة أطلقها عام 1932.

نشأ سرور مكافحا لا يعرف اليأس، ليعمل مع أخيه بتنقية دودة القطن، يرتدي الجلباب ومنديلا تربطه أمه إلى رأسه كل صباح مع قطعة من الجبن المغموس في المش، ويعود كل مساء ليضع في يد أبيه أجرة اليوم، خمسة قروش كاملة.

مبكرا بدأت رحلة نضال شاعرنا، نضال إنسان لم يستوحش طريقه رغم قلة سالكيه، نضال حقيقي ضد قمع الإبداع، وضد السلطة التي لمس ظلمها مرتين، عندما شهد حادثة ضرب أبيه على يد عمدة القرية، وأخرى عندما فصلته المدرسة أسبوعا كاملا لأنه كتب نقدا لرواية شعرية ألفها مدرس اللغة العربية، حوادث استمرت تفاعلاتها لتنتج ذلك المناضل الموهوب.

"البحر غضبان ما بيضحكش/ أصل الحكاية ماتـضـحـكش/ البحر جرحه مابيـدبـلــش/ و جرحنا ولا عمـره دبــل"

إلى موسكو طار ليدرس الإخراج المسرحي، وعندما هاجم عبد الناصر من هناك، اتُهم بالاساءة للوطن وسحبت منه البعثة والجنسية، هناك أيضا تلقى علقة ساخنة من الشرطة السوفييتية بعد أن حدثت بينه وبين أحد اليمينيين مشادة كلامية، وفق روايته "بكيت كثيرا ليس من الألم بل على انهيار المثال، لا فرق بين شرطة سوفييتية ومباحث مصرية فكلامها أجهزة قمع، وإنما نحن الذين صدقنا أوهاما عن الإنسانية الاشتراكية". ولا نحتاج أن نسرد ما ذاقه على يد مخابرات صلاح نصر من ألوان وصنوف العذاب، ليظل الظلم مطاردا له في كل مكان.

"قد آن يا كيخوت للقلب الجريح، أن يستريح/ فاحفر هنا قبرا ونم"

أوصانا سرور في مقطوعته البديعة "لزوم ما يلزم" أن ننبش قبره بحنان، ونبحر ونغوص في بحر قصائده وبينها برفق، وأن نتنقل بين مسرحياته، التي سطر فيها طموحاته وآماله للوطن مثل "يا بهية وخبريني" و"ياسين وبهية " و"الذباب الأزرق"، وبين أعماله النقدية مثل "رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ " التي تناول فيها الثلاثية من وجهة نظر ماركسية، ودراسته النقدية عن أبي العلاء المعري، والتي أخرجتها أرملته الروسية بعد وفاته.

عاش سرور مناصرا لمبادئه حد النهاية، ساخطا على الظلم والنفاق، باحثا عن المثالية، فسجل غضبه في "أمياته" الشهيرة، وانتهت رحلة المعاناة في دمنهور عام 1978، وحيدا متهما بالجنون، وكيف لهذا العقل أن يكون مجنونا؟! رحل تاركا لنا إرثا مسرحيا وشعريا ونقديا ونموذجا إنسانيا من الصعب أن يتكرر.