عشرات آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة الأولى لرمضان في المسجد الأقصى
محمد محسن
وقدر مسؤولون في الأوقاف الإسلامية في حديث لـ "العربي الجديد" أعداد المصلين اليوم بنحو 180 ألف مصل، فيما أشارت تقديرات فرق الكشافة المقدسية التي تولت حفظ الأمن والنظام والفرق الطبية أعداد المصلين بنحو 200 ألف.
وندد الشيخ محمد سليم خطيب المسجد الأقصى بقيود الاحتلال على المصلين الفلسطينيين وتطرق إلى القضايا التي تشغل الأمة وأهمها القدس وفلسطين. داعيا شعوب الأمتين العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها، مندداً بصفقة القرن ومن يقف من ورائها. كذلك دعا إلى إنهاء الانقسام ورصّ الصفوف دفاعاً عن الشعب وحقوقه.
وحوّلت قوات الاحتلال صلاة الجمعة اليوم إلى رحلة آلام ومعاناة بالنسبة لعشرات آلاف الفلسطينيين، إذ أغلقت شرطة الاحتلال جميع محاور الطرق المؤدية إلى البلدة القديمة من القدس أمام حركة المركبات الخاصة، واقتصرت على حافلات عُهد إليها بنقل القادمين إلى المدينة من مناطق تبعد عنها عدة كيلومترات، فيما بدت المدينة القديمة معزولة عن محيطها وسط انتشار لجنود الاحتلال على جميع الأبواب وعلى محاور الطرق المؤدية إلى الأقصى، واتخذت شرطة الاحتلال من ساحة البراق ومن مراكزها الشرطية داخل أسوار البلدة القديمة تجمعا كبيرا لجنودها.
أما على الحواجز العسكرية المنتشرة حول القدس والتي تفصلها عن الضفة الغربية، خاصة حواجز: قلنديا شمالاً، مسجد بلال بن رباح والنفق جنوباً، وحاجز الزيتونة ومخيم شعفاط في الجنوب الشرقي من المدينة، فقد تدفق الآلاف إلى هناك وحدث تدافع كبير بين المواطنين الذين خضعوا لإجراءات فحص ومراقبة بما في ذلك النسوة، بينما أعاد الجنود أعداداً بالعشرات من الفتية لعدم حيازتهم تصاريح، وكما كان عليه الحال في الأعوام الماضية سلك هؤلاء الفتية طرقا بعيدة متجاوزين الحواجز ونقاط المراقبة للوصول إلى القدس بما في ذلك تسلق جدار الفصل العنصري في مقاطع مختلفة، خاصة بمنطقتي الرام وضاحية البريد وقلنديا البلد، شمال مدينة القدس المحتلة.
وفي ضاحية بيت حنينا القريبة من ضاحية البريد، شوهد بعض الفتية محتجزين من قبل دوريات لحرس الحدود ليتم إبعادهم لاحقا إلى مناطق سكناهم في الضفة الغربية بما في ذلك قرى تجاور القدس كونها مصنفة كمناطق ضفة غربية، مثل: عناتا، حزما، وجبع، بعد اتهامهم بالتسلل إلى القدس دون تصاريح.
وفي الطريق الواصل بين أحياء الشيخ جراح، واد الجوز، والطور، شمال وشرق البلدة القديمة، شوهدت أعداد كبيرة من المصلين يتوجهون سيراً على الأقدام لعدة كيلومترات قبل أن يتمكنوا من الوصول للأقصى.
بينما أقامت شرطة الاحتلال نقاط توجيه للمصلين خاصة بحركة السير إلى القدس في منطقة باب العامود، وخصصت أماكن لتوقف حافلات فلسطينية ستقل لاحقا المصلين إلى الحواجز العسكرية حيث تقع مناطق سكناهم.
وفي بلدة العيساوية وضعت قوات الاحتلال حاجزا عسكريا ومكعبات من الإسمنت، على مدخل البلدة الغربي، معيقة بذلك تحرك سكان البلدة باتجاه المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك.
وفي محيط البلدة القديمة في القدس انتشرت قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلي حيث جرى التدقيق في هويات المصلين المتوجهين إلى المسجد الأقصى واعتقال من ليس بحوزته تصاريح دخول للقدس.
كما اقتحمت قوات الاحتلال، صباح اليوم، منطقة برج اللقلق في حي باب الساهرة بالبلدة القديمة من القدس المحتلة، وحاولت هدم وإزالة فانوس رمضان الذي احتفل بإضاءته الليلة الماضية.
وأفاد مدير برج اللقلق، منتصر ادكيدك، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن القوة المقتحمة تراجعت تحت ضغط الأهالي وتصديهم لها، لكنهم هددوا بالعودة مجددا في وقت لاحق وإزالته.
وروى مصلون من الضفة الغربية لـ"العربي الجديد" رحلة معاناتهم وصولاً للقدس، فوصفوها بالشاقة والمضنية، لكنّ هذه المعاناة والألم الناتج عنها يذهبان مع وصولهم للأقصى، كما أكد محمود جبر، من بلدة العيزرية، جنوب القدس المحتلة، الذي قال: "كل ذلك يهون أمام الأقصى، لقد خرجنا بعد صلاة الفجر، وانتظرنا طويلا على حاجز الزيتونة قبل أن يسمح لنا بالدخول".
في حين قال مواطن آخر من قرية بدو، شمال غرب القدس، وهو محمد منصور: "أمضينا نحو ساعتين على حاجز قلنديا قبل أن نتمكن من تجاوز إجراءات الفحص والتدقيق. وفي الطريق قرب بيت حنينا خضعنا لتفتيش آخر قبل أن يسمح لنا بمواصلة السير، حيث أقلتنا الحافلات إلى منطقة قريبة من باب العامود".
أما في المسجد الأقصى ذاته، حيث يتواصل تدفق الأعداد الكبيرة من المصلين، فقد بدت ترتيبات دائرة الأوقاف الإسلامية وموظفيها وعامليها وعدد من المؤسسات الخيرية والصحية والكشفية وشبان البلدة القديمة بالقدس واضحة للعيان داخل ساحات المسجد وعلى بواباته، تسهيلا لحركة انتقال المصلين وانتظامهم في الساحات.
ووفقا للمدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، الشيخ عزام الخطيب، فإن دائرته ومختلف الطواقم العاملة معها عملت على توفير كل المستلزمات الضرورية ليؤدي الوافدون إلى الأقصى الصلاة والتعبد فيه على خير وجه، وتقديم ما أمكن من سبل الراحة، وقد بدأ تطبيق جميع هذه الترتيبات منذ اليوم الأول من الشهر الفضيل لتبلغ ذروتها اليوم، مشيراً إلى أن دائرته نصبت هذا العام 150 مظلة إضافية في ساحات المسجد لتقي المصلين حرّ الشمس ودرجة الحرارة العالية.
وأفاد الخطيب في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن دائرة الأوقاف وفرت جميع الترتيبات لعمل الفرق الصحية التي تنشط منذ بداية شهر رمضان في مساعدة المصلين، إذ توجد الآن 7 لجان صحية هي: جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني التي هيأت 9 سيارات إسعاف تحت تصرف الأوقاف، المركز الصحي العربي، جمعية المقاصد، جمعية اتحاد المسعفين العرب، جمعية نوران، جمعية برج اللقلق، الإغاثة الطبية، والمراكز الصحية المجاورة للمسجد الأقصى المبارك. كما تم إدخال المستلزمات الطبية وتحديد أماكن لها في باحات المسجد الأقصى، وذلك للعمل على راحة المصلين وصحتهم وسلامتهم.
وفي ما يتعلق بحفظ الأمن والنظام داخل ساحات الأقصى، فقد عهد بذلك بالتعاون مع الأوقاف إلى مفوضية الكشافة الفلسطينية، وإلى كشافة القدس التابعة لمديرية التربية والتعليم بالقدس وعددهم 200 كشفي، لتنظيم دخول وخروج المصلين من المسجد الأقصى المبارك، وفتح الطرق للإسعاف وفصل الرجال عن النساء وأي أمور تستدعي الحاجة لها في المسجد الأقصى لراحة المصلين، وهم يقومون بذلك منذ الصباح على أكمل وجه، يعاونهم أكثر من 150 متطوعاً من شباب البلدة القديمة في القدس.
وفي التطورات الميدانية التي سبقت صلاة الجمعة الأولى من رمضان، كانت المدينة المقدسة حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية مسرحاً لمواجهات مع قوات الاحتلال، خاصة في منطقة باب العامود، إذ أصيب ستة شبان بعيارات جنود الاحتلال المطاطية، إحداها إصابة في العين.
وأكد الهلال الأحمر الفلسطيني، في بيان مقتضب، أن طواقمه تعاملت مع 6 إصابات نقلت منها 4 إصابات لمستشفيات القدس خلال مواجهات مع قوات الاحتلال أمام باب العامود في القدس، وأن إحدى الإصابات هي إصابة برصاص مطاطي في العين، وإصابتان بالمطاط في الكتف والقدم، وإصابة بحروق، تم نقلها إلى المستشفيات، فيما عولجت إصابتان بالمطاط ميدانياً.
وتبع ذلك قيام الشبان بمهاجمة حافلة إسرائيلية ورشقها بالحجارة، ما تسبب بتحطم زجاجها الأمامي.
وفي تطور لاحق من صباح اليوم، منعت قوات الاحتلال طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني من الدخول للمسجد الأقصى المبارك للانضمام إلى الفرق الطبية هناك، وللمرة الثانية منعت سيارات الإسعاف التابعة له من الوصول لمحيط باب الأسباط لنقل عدد من الحالات المرضية من المسجد الأقصى، فيما أشار الهلال إلى إصابة أحد طواقمه باعتداء بالضرب في باب الأسباط بعد محاولة إدخال سيارة لنقل أحد المرضى.
وفي ما يتعلق بعمل فرق الكشافة، قال محمد أبو صوي، المفوض العام لهذه الفرق، إن أكثر من عشرين مجموعة كشفية تولت حفظ الأمن والنظام في ساحات الأقصى، مشيراً إلى أن إجراءات الاحتلال حالت دون وصول العديد من المجموعات الكشفية من الضفة.
وقال أبو صوي: "عملنا جنبا إلى جنب مع إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس، ومع الفرق الطبية التي عملت منذ ساعات الصباح على تأمين أفضل الأجواء وتسهيل الوصول إلى الساحات وتنظيم دخول المصلين إليه.
في حين، قدر مسعفون وأطباء تطوعوا لخدمة المصلين في مختلف العيادات الطبية داخل الأقصى أعداد من تلقوا الإسعافات اليوم بأكثر من 300 حالة وصل منها إلى المركز الصحي العربي وحده 170 حالة، والعدد في ازدياد بالنظر إلى الازدحام الشديد وغالبيتهم عانوا من إعياء ومن انخفاض في نسبة سكر الدم، في حين وصلت عدة حالات مصابة بجروح بعد قفزها عن جدار الفصل العنصري المحيط بالقدس المحتلة للوصول إلى القدس.
وتزدحم أسواق البلدة القديمة حالياً بأعداد هائلة من المصلين، بعضهم توجه إليها للتسوق، والبعض الآخر شق طرقاتها القديمة إلى خارج أسوار المدينة المقدسة، حيث كانت تنتظرهم حافلات لسفريات عمومية، ومن بينها حافلات لشركة إيغد الإسرائيلية قامت بنقلهم إلى حواجز الاحتلال على مشارف المدينة المقدسة، وسط مرافقة شرطية، في وقت أغلقت مساحات واسعة حول تلك الحواجز لمنع دخول المركبات الخاصة إليها.