عند سوق الخضار الرئيسي بالقرب من مدينة بيروت الرياضية، يتجمع يومياً أطفال من النازحين السوريين وغيرهم. يتنقلون من رصيف دكان إلى أسفل شاحنة بحثاً عن خضار وثمار رميت. بعض هذه الخضار والثمار قد يكون جيداً لكنّه وقع بالخطأ خلال تحميل العمال للشاحنات، وبعضها الآخر "مضروب" لن يجد مكانه في صناديق تتخذ طريقها إلى البيع بأسعار متزايدة يوماً بعد يوم.
وبينما يجمع بعضهم الخضار بتكليف من والده الذي يبيعها في شارع شاتيلا القريب لفقراء آخرين، شأن أنس (7 سنوات) الذي يتجول بكيس بلاستيكي أزرق يحمله على ظهره في المكان، فإنّ نزار يؤكد أنّ وضعه مختلف. يحمل الفتى الذي لا يتجاوز الثانية عشرة حبتي بطاطا وباذنجان كبيرتين، ينوي الذهاب بهما إلى والدته من أجل إعداد طعام العائلة.
يقول إنّ كلّ واحد من إخوته مكلف بعمل ما من أجل تأمين غذاء العائلة وغيرها من المصاريف. هو يحبّ مهمته هذه خصوصاً أنّه لا يتعب فيها أبداً، بل يلعب مع الأطفال الآخرين في كثير من الأحيان ويرمون بعضهم بعضاً بالثمار الفاسدة.
ليس الأمر حكراً على النازحين السوريين الذين يعيشون ظروفاً صعبة في لبنان، فهناك مواطنون لبنانيون كذلك، لا يجدون قوت يومهم إلاّ في النفايات وبقايا المحال التجارية. وفي غياب أيّ ضمانات اجتماعية خصوصاً للمسنين والعاطلين من العمل، بات الخجل من مثل هذا الوضع بعيداً كلّ البعد عنهم. فالأساس تأمين لقمة عيش تبدو عزيزة ومستحيلة أحياناً.
في أواخر السبعين لا تملك الحاجة وفاء أيّ حيلة. لم يبق لها من أبنائها أحد. ولولا الغرفة الواقعة بين طابقين في منطقة الشياح بالقرب من بيروت، لوجدت نفسها في الشارع مثل كثيرين غيرها.
لا تملك الحاجة شيئاً. لا تعرف المال منذ فترة طويلة. يزورها الجيران أحياناً، يساعدونها، ويقدمون لها الغذاء والملابس وبعض الوقود. لكنّ صحن "طبيخ" مرة أو مرتين في الأسبوع لا يكفي أبداً. تحاول ما استطاعت تأمين غذائها بطرق أخرى. تمضي مساء كلّ يوم إلى محل الخضار الأكبر في المنطقة. تنتظر في الخارج حتى يعلن المالك انتهاء البيع فيرمي ما تبقى من خضار وفواكه فاسدة. لكنّها فاسدة بالنسبة للزبائن، أما الحاجة فتجد فيها غذاءها اليومي وتفرّق ما بين جيد وسيئ بينها.
أم جمال التي تعيش في الأوزاعي، جنوب بيروت، على العكس من الحاجة وفاء، لديها كثير من الأبناء والبنات، هم ست بنات وثلاثة أولاد. زوجها الذي يعمل موظف أمن بعد خسارته مكتبه الخاص بسمسرة العقارات، بالكاد يؤمّن إيجار منزل الغرفتين. يعمل بعض أبنائها وبناتها لكنّ الجهل التام بكيفية إدارة المصروف، بالإضافة إلى ضعف مداخيلهم يجعلهم يأكلون يوماً ويصومون أياماً، لولا مهارة أم جمال في التدبير. لا تحرم العائلة من خضار أو لحوم. لكن أيّ نوع هو هذا؟ الخضار حشائش برية عديدة تبحث عنها في التلال الرملية القريبة، منها الخبّيزة والعلت والحمّيض والهندباء البرية. وكلّ منها يمكن أن يتحول إلى طبخة، خصوصاً إذا ما أضيف إلى بعضها البصل والزيت، وإلى بعضها الآخر الكشك والبرغل حين يتأمّنان. أما اللحوم فقد اتفقت أم جمال مع محل الدجاج القريب، الذي تشتري منه كلّما تهيأ لها، أن يحتفظ لها بأقدام الدجاج، تلك الزوائد التي يرميها في النفايات. لكنّ أم جمال تغليها طويلاً حتى "تهرهر لحماً"، كما تقول. فتحوّلها إلى حساء مسائي اعتاد عليه أبناؤها.
عند الكورنيش البحري لبيروت من الرملة البيضاء حتى عين المريسة، يمضي الأربعيني محمد خير في جولة يومية ويعود. تميزه ملابسه الصيفية الخفيفة دائماً حتى في عزّ البرد، وشعره ولحيته الطويلان. وكذلك السيجارة المصنوعة محلياً التي لا تفارق شفتيه. هو متشرد ينام تحت درج شارع أو في مدخل مبنى مهجور ليلاً، وعلى مقاعد الكورنيش نهاراً. ليس نهماً، لكنّه يحاول أن يؤمن غذاءه على قلته من مستوعبات النفايات المنتشرة على طول خط سيره كيفما اتفق. هو محظوظ كما يقول "ففي المنطقة كثير من المطاعم التي غالباً ما تكون بقاياها دسمة". يحصل على المال أحياناً لكنّه يخصّصه لشراء السجائر فقط.
مثله بسام الذي يبحث في صناديق القمامة المنتشرة على الكورنيش وفي مستوعبات النفايات عمّا يأكله. بسام (56 عاماً) ينزل يومياً إلى الشاطئ الصخري أسفل الكورنيش. ينتظر صديقاً من هنا أو هناك ليعطيه بعض الطعام المنزلي. لكنّه عندما لا يحصل على شيء، يأكل مما جمع، بل ويقدم بعضها على سبيل الضيافة إلى مرتادي الشاطئ الآخرين الذين أحوالهم أفضل من أحواله. لكنّ هؤلاء يعتذرون دائماً، أو يأخذون منه خجلاً ويرمونه بعيداً عنه.
اقرأ أيضاً: بات للفقراء في لبنان بنك للغذاء
وبينما يجمع بعضهم الخضار بتكليف من والده الذي يبيعها في شارع شاتيلا القريب لفقراء آخرين، شأن أنس (7 سنوات) الذي يتجول بكيس بلاستيكي أزرق يحمله على ظهره في المكان، فإنّ نزار يؤكد أنّ وضعه مختلف. يحمل الفتى الذي لا يتجاوز الثانية عشرة حبتي بطاطا وباذنجان كبيرتين، ينوي الذهاب بهما إلى والدته من أجل إعداد طعام العائلة.
يقول إنّ كلّ واحد من إخوته مكلف بعمل ما من أجل تأمين غذاء العائلة وغيرها من المصاريف. هو يحبّ مهمته هذه خصوصاً أنّه لا يتعب فيها أبداً، بل يلعب مع الأطفال الآخرين في كثير من الأحيان ويرمون بعضهم بعضاً بالثمار الفاسدة.
ليس الأمر حكراً على النازحين السوريين الذين يعيشون ظروفاً صعبة في لبنان، فهناك مواطنون لبنانيون كذلك، لا يجدون قوت يومهم إلاّ في النفايات وبقايا المحال التجارية. وفي غياب أيّ ضمانات اجتماعية خصوصاً للمسنين والعاطلين من العمل، بات الخجل من مثل هذا الوضع بعيداً كلّ البعد عنهم. فالأساس تأمين لقمة عيش تبدو عزيزة ومستحيلة أحياناً.
في أواخر السبعين لا تملك الحاجة وفاء أيّ حيلة. لم يبق لها من أبنائها أحد. ولولا الغرفة الواقعة بين طابقين في منطقة الشياح بالقرب من بيروت، لوجدت نفسها في الشارع مثل كثيرين غيرها.
لا تملك الحاجة شيئاً. لا تعرف المال منذ فترة طويلة. يزورها الجيران أحياناً، يساعدونها، ويقدمون لها الغذاء والملابس وبعض الوقود. لكنّ صحن "طبيخ" مرة أو مرتين في الأسبوع لا يكفي أبداً. تحاول ما استطاعت تأمين غذائها بطرق أخرى. تمضي مساء كلّ يوم إلى محل الخضار الأكبر في المنطقة. تنتظر في الخارج حتى يعلن المالك انتهاء البيع فيرمي ما تبقى من خضار وفواكه فاسدة. لكنّها فاسدة بالنسبة للزبائن، أما الحاجة فتجد فيها غذاءها اليومي وتفرّق ما بين جيد وسيئ بينها.
أم جمال التي تعيش في الأوزاعي، جنوب بيروت، على العكس من الحاجة وفاء، لديها كثير من الأبناء والبنات، هم ست بنات وثلاثة أولاد. زوجها الذي يعمل موظف أمن بعد خسارته مكتبه الخاص بسمسرة العقارات، بالكاد يؤمّن إيجار منزل الغرفتين. يعمل بعض أبنائها وبناتها لكنّ الجهل التام بكيفية إدارة المصروف، بالإضافة إلى ضعف مداخيلهم يجعلهم يأكلون يوماً ويصومون أياماً، لولا مهارة أم جمال في التدبير. لا تحرم العائلة من خضار أو لحوم. لكن أيّ نوع هو هذا؟ الخضار حشائش برية عديدة تبحث عنها في التلال الرملية القريبة، منها الخبّيزة والعلت والحمّيض والهندباء البرية. وكلّ منها يمكن أن يتحول إلى طبخة، خصوصاً إذا ما أضيف إلى بعضها البصل والزيت، وإلى بعضها الآخر الكشك والبرغل حين يتأمّنان. أما اللحوم فقد اتفقت أم جمال مع محل الدجاج القريب، الذي تشتري منه كلّما تهيأ لها، أن يحتفظ لها بأقدام الدجاج، تلك الزوائد التي يرميها في النفايات. لكنّ أم جمال تغليها طويلاً حتى "تهرهر لحماً"، كما تقول. فتحوّلها إلى حساء مسائي اعتاد عليه أبناؤها.
عند الكورنيش البحري لبيروت من الرملة البيضاء حتى عين المريسة، يمضي الأربعيني محمد خير في جولة يومية ويعود. تميزه ملابسه الصيفية الخفيفة دائماً حتى في عزّ البرد، وشعره ولحيته الطويلان. وكذلك السيجارة المصنوعة محلياً التي لا تفارق شفتيه. هو متشرد ينام تحت درج شارع أو في مدخل مبنى مهجور ليلاً، وعلى مقاعد الكورنيش نهاراً. ليس نهماً، لكنّه يحاول أن يؤمن غذاءه على قلته من مستوعبات النفايات المنتشرة على طول خط سيره كيفما اتفق. هو محظوظ كما يقول "ففي المنطقة كثير من المطاعم التي غالباً ما تكون بقاياها دسمة". يحصل على المال أحياناً لكنّه يخصّصه لشراء السجائر فقط.
مثله بسام الذي يبحث في صناديق القمامة المنتشرة على الكورنيش وفي مستوعبات النفايات عمّا يأكله. بسام (56 عاماً) ينزل يومياً إلى الشاطئ الصخري أسفل الكورنيش. ينتظر صديقاً من هنا أو هناك ليعطيه بعض الطعام المنزلي. لكنّه عندما لا يحصل على شيء، يأكل مما جمع، بل ويقدم بعضها على سبيل الضيافة إلى مرتادي الشاطئ الآخرين الذين أحوالهم أفضل من أحواله. لكنّ هؤلاء يعتذرون دائماً، أو يأخذون منه خجلاً ويرمونه بعيداً عنه.
اقرأ أيضاً: بات للفقراء في لبنان بنك للغذاء