عسكر مصر لا يحبّون السلطة التشريعية

15 سبتمبر 2014
تقتضي مصلحة العسكر عدم وجود برلمان (فرانس برس)
+ الخط -
منذ تولّي المجلس العسكري السلطة في مصر، بعد نجاح ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، لم تنعم البلاد بوجود برلمان منتخب، سوى لفترة قليلة. وقد تمثلت مصلحة العسكر، الذين انفردوا بالسلطة، بعدم وجود مجلس تشريعي منتخب لأطول فترة ممكنة، بهدف تمرير العديد من القوانين التي تخدم مصالحهم، بشكل منفرد، بعيداً عن برلمان منتخب، يمثل أطياف الشعب.

تماطل السلطة العسكرية، منذ الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، في إجراء انتخابات مجلس النواب، والذي كان على رأس استحقاقات "خارطة الطريق"، التي أعلنها الجيش.

وبدأت محاولات المجلس العسكري للانفراد بالسلطة، بمخالفة الإعلان الدستوري، الصادر بعد الاستفتاء الشعبي في 19 مارس/ آذار 2011، والذي نصّ على إجراء انتخابات مجلس الشعب خلال 6 أشهر من تاريخ الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لكن المجلس العسكري لم يدع للانتخابات في الموعد المحدّد دستورياً، وظلت محاولات التسويف مستمرة. وبعد مماطلات وضغوط من جانب بعض القوى السياسية، حدّد المجلس العسكري مواعيد إجراءات الانتخابات، والتي بدأت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 (أي بعد الموعد المحدد بأكثر من شهرين).

قبل الموعد المحدد بنحو 10 أيام، وتحديداً في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، اندلعت أزمة بين الشرطة العسكرية وبعض أسر مصابي الثورة المعتصمين في ميدان التحرير، وسط القاهرة، واعتدت عليهم بشكل همجي، في ما سُمي "أحداث محمد محمود"، نسبة إلى الشارع الذي وقعت فيه، أسبوع كامل.

ويرى البعض أنّ الغرض من افتعال تلك الأزمة، كان تأجيل الانتخابات البرلمانية، لكنّ صمود المتظاهرين في وجه الشرطة، التي قتلت منهم العشرات، دفع المجلس العسكري لمحاولة التهدئة، وبناء سور فاصل بين الطرفين في ميدان التحرير، والرضوخ لمطالب بعض القوى السياسية، وفي مقدمتها جماعة "الإخوان المسلمين"، وحزبها السياسي "الحرية والعدالة"، لإجراء الانتخابات في موعدها.

وبعد الإقبال غير المسبوق من المصريين على المشاركة في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات، اعتدت قوات الجيش المتمركزة داخل مبنى البرلمان على الشباب المعتصم بشارع مجلس الوزراء في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2011، اعتراضاً على تعيين كمال الجنزوري، رئيساً للوزراء، ما تسبب في اندلاع اشتباكات عنيفة، استمرت لأيام بين قوات الجيش والمعتصمين.

واعتبر البعض، أن تلك الأحداث ما هي إلا محاولة أخرى من جانب المجلس العسكري، لإفشال العملية الانتخابية، التي شارفت على الانتهاء في مرحلتها الأخيرة. وبعد انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب، في 23 يناير/ كانون الثاني 2012، والذي سُمّي بـ"برلمان الثورة"، بدأت السلطة التنفيذية، ممثلة في المجلس العسكري، والحكومة التي يترأسها الجنزوري، في تصدير الأزمات للبرلمان، بدءاً من أحداث مقتل 74 من مشجعي رابطة "الألتراس" الخاصة بالنادي الأهلي في ملعب بورسعيد، وانتهاء برفض الحكومة الانصياع لاستجوابات البرلمان المنتخب.

وكان رئيس مجلس الشعب آنذاك، سعد الكتاتني (المعتقل حالياً)، صرح بأنّ الجنزوري، هدّده بحل المجلس التشريعي.

وصدر، في 14 يونيو/ حزيران 2012، حكم المحكمة الدستورية، بحلّ مجلس الشعب كاملاً، بسبب طعن أحد المرشحين، بعدم دستورية قانون الانتخابات، الذي سمح لمرشحي الأحزاب بالترشح على المقاعد الفردية.

وكان الطعن المقدم بخصوص ثلث مقاعد المجلس، المنتخبين على النظام الفردي، من دون وجود أيّ اعتراضات تخصّ ثلثي القائمة، لكنّ المحكمة الدستورية حكمت بحلّ المجلس كاملاً في أسرع حكم لها، وصف وقتها بأنه "حكم سياسي"، خصوصاً في ظل الخلاف الشديد بين أكثرية البرلمان، ممثلاً في جماعة "الإخوان"، وبين المجلس العسكري، وذراعهم القضائي، الذي طالما هاجم المجلس عبر شاشات الفضائيات قبل حله.

وقبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها محمد مرسي، أصدر المجلس العسكري إعلاناً دستورياً، ليعطي لنفسه سلطة التشريع، لحين إجراء انتخابات مجلس الشعب، وهو ما كان يفسر بوضوح وجود رغبة في السيطرة على مقاليد البلاد، خصوصاً السلطة التشريعية، رغم وجود رئيس منتخب من الشعب، والذي ألغى هذا الإعلان في أغسطس/آب 2012.

وبعد إقرار الدستور في عهد مرسي، عبر استفتاء شعبي، ومنح مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) سلطة التشريع بشكل مؤقت، لوضع قانون انتخابات مجلس الشعب، ظلت المحكمة الدستورية، التي يصنفها البعض كإحدى أدوات أجهزة الدولة العميقة التي يديرها العسكر، متمسكة بالاعتراض على نصوص القانون، الذي أعيد إلى مجلس الشورى مرّات عدة.

استمر هذا الوضع، حتى الإطاحة بمرسي، وحلّ مجلس الشورى، والذي ألغي لاحقاً، في التعديلات الدستورية.

وضع المجلس العسكري، بعد الانقلاب، مع بعض الأحزاب والقوى السياسية، خارطة طريق تنص على إجراء تعديل دستوري، ثم إجراء انتخابات البرلمان، ويعقبها الاستحقاق الرئاسي. لكنّ بعد مرور أكثر من 14 شهراً على الاطاحة بمرسي، مررت التعديلات الدستورية، التي حصّنت امتيازات المؤسسة العسكرية، والرئيس المنتمي لها، وأبدلت الانتخابات البرلمانية بالرئاسية، حتى تأتي بالجنرال عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد.

وكانت التعديلات الدستورية قد نصّت على إجراء الانتخابات البرلمانية، في خلال ستة أشهر من إقرار الدستور، أي بحدّ أقصى في 18 يوليو/ تموز الماضي، لكنّ السيسي تجاهل الموعد، ولم يدع للانتخابات، في انتهاك دستوري واضح، مكتفياً بالإعلان عن تشكيل لجنة الانتخابات، التي تجتمع على فترات منذ حوالي الشهرين، من دون أن تعلن عن موعد الانتخابات، وسط ترجيحات سياسية، بإمكانية تأجيلها إلى بدايات العام المقبل. ما يزيد هذا الواقع تعقيداً، أنّ البرلمان هو المسؤول عن مناقشة الموازنة العامة للدولة، والتي لم تمرر عبر برلمان منتخب منذ ثورة يناير، خصوصاً أنّ حلّ مجلس الشعب، كان في منتصف يونيو/حزيران، الذي تمرَّر الموازنة في نهايته، وهو ما تكرر مع حل مجلس الشورى العام الماضي.

وأقر العسكر كل موازنات الدولة، خلال الأعوام الماضية، منذ سقوط حسني مبارك. ومنح الدستور الحالي مؤسسة الرئاسة سلطة مناقشة الموازنة، في ظل امتلاكها السلطة التشريعية في غياب البرلمان. ورفع الرئيس الحالي الدعم عن المحروقات في الموازنة الجديدة، ما تسبب في غلاء الأسعار على المصريين، وسط وضع اقتصادي متأزم.

في هذا السيّاق، يقول المستشار السابق للرئيس مرسي، والخبير السياسي، محمد عصمت سيف الدولة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "النظام الجديد يسير على نهج نظام مبارك في اعتبار أنّ البرلمان يجب أنّ يكون تابعاً، وبعيداً عن القرارات المهمة والمؤثرة في أوضاع البلاد". ويضيف أنه "بعد ثورة يناير، أراد المجلس العسكري الحاكم تهميش مجلس الشعب المنتخب، والقيام بهذا الدور الهامشي، وبالفعل تم تحجيمه، وكان أحد أسباب حله أن نوابه بدأوا في فتح ملفات الفساد، وتصوروا أنّه حقيقي".

وأوضح سيف الدولة أنّه "منذ حكم مبارك، ومروراً بثورة يناير، وحتى اللحظة الراهنة، من يحكم البلاد هي الدولة العميقة، مهما اختلفت الوجوه. وحتى في عنفوان أيام الثورة بذل الثوار مجهوداً كبيراً للمشاركة في الحكم، ولم ينجحوا".

وأشار إلى أنّ "رأس السلطة ممثلاً في السيسي، يريد أن يكون البرلمان مثل أيام مبارك، شكلياً ومكملاً للسلطة التشريعية، وليس برلماناً يجادله، ويحاسب أفعاله، وطالب المصريين من قبل باختيار أعضاء البرلمان من الناس الطيبين، على حد وصف السيسي".

ويلفت إلى أنّ "أنصار السيسي من فلول مبارك، ورجال الأعمال من النواب السابقين، لا يزالون يحاولون تشكيل قائمة موحدة لاجتياز انتخابات البرلمان بأغلبية نيابية مريحة، ومن ثم تشكيل كتلة معاونة له داخل البرلمان، وعند فشلهم في التوحّد أكثر من مرّة، طرح بعضهم فكرة تأجيل الانتخابات".

وبحسب سيف الدولة، فإنّ "الحديث يجري حالياً عن برلمان مؤقت، يتم تعيينه كما فعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1965، وهو الدور الذي تقوم به حالياً لجنة الإصلاح التشريعي المعينة من السيسي، وبرئاسة رئيس الحكومة، إبراهيم محلب، للنظر في التشريعات الجديدة، لحين انتخاب البرلمان". ويشدد على أنّ "الحديث عن تعديل الدستور لتعزيز صلاحيات الرئيس، يصب في اتجاه أنّ السلطة لا تريد برلماناً حقيقياً".

من جهته، يرى أستاذ فلسفة القانون، بجامعة الزقازيق، محمد نور فرحات، أنّ "شرعية الرئيس الحالي على المحك، لأنّ الدستور نص على أن القوانين التي أقرها الرئيس المؤقت عدلي منصور، يجب أنّ يوافق عليها البرلمان المقبل خلال 15 يوماً من انعقاده، وإلا اعتبرت ملغاة دستورياً، وفي مقدمتها قانون انتخابات الرئاسة، الذي انتخب على أساسه السيسي". ويلفت إلى "تخوفات البعض من سيطرة تيارات معارضة للرئيس على مجلس النواب، ما يتيح لهم عرقلة إقرار القانون خلال المدة المحددة".

ويوضح فرحات أنّ "الرئيس من حقه إصدار القوانين ذات الضرورة فقط، في غياب البرلمان، لكنّ ما يحدث حالياً هو الإفراط في استخدام السلطة التشريعية".

وتمنع المادة ١٥٦ من الدستور، رئيس الجمهورية، من" إصدار قرارات بقوانين، في ظل عدم وجود برلمان، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها، خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش، أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك".

من جانبه، يعتبر الأمين العام للحزب المصري الديمقراطي، أحمد فوزي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "قانون انتخابات مجلس النواب، لم يصَغ بهذا الشكل بطريق الصدفة (77 في المائة للقوائم المغلقة، و23 في المائة للنظام الفردي)، بل جاء مقصوداً، لينتج برلماناً موالياً للسلطة، ويضمّ أشخاصاً لهم انتماء كامل للسلطة الحالية".

وأضاف أن "صنّاع القرار في مصر يستندون لفكرة أنّ الشعب راضٍ، طالما يرغب بالاستقرار في ظل المخاوف من خطر الإرهاب، وكل ما يريدونه ألا تكون هناك حياة حزبية سليمة، أو برلماناً يمثل القوى السياسية، خصوصاً الثورية أو المعارضة منها". واعتبر أن "السلطة تريد برلماناً يشكل أداة تشريعية، لتمرير أجندة الرئيس وحكومته، دون اعتراض".

واتهم وكيل مجلس الشعب السابق محمد عبد العليم داوود، في حديث لـ"العربي الجديد"، بعض الأحزاب الحالية بدفع البلاد إلى نظام ديكتاتوري مكتمل الأركان، في ظل محاولات "تنصيب الحاكم نبياً أو رسولاً من خلال إصباغ هالة من القداسة عليه".

وأضاف أنّ "من يدعون إلى تأجيل الانتخابات بدعوى أنّ البرلمان سيصطدم بالرئاسة، هم بعض الجهلاء، لأنه منذ حكم العسكر في 1952، لم يتواجد برلمان واحد اعترض أو انتقد حاكماً، أو سحب الثقة من الحكومة".