عزيزي المزايد على وطنية محمد فهمي...

03 فبراير 2015
محمد فهمي وباهر محمد في المحكمة (Getty)
+ الخط -

بينما كان مدير مكتب "الجزيرة الإنجليزية" في القاهرة محمد فهمي يقف مع زميليه باهر محمد و بيتر غريست أمام القاضي المصري، يستمعون إلى اتهامهم بزعزعة استقرار مصر، وتهديد الأمن القومي... كانت الحياة في القاهرة تواصل دورتها اليومية. كانت الشمس تشرق وتغيب، أسعار الطعام ترتفع، المتظاهرون يموتون في الشوارع، وسما المصري تترشح للانتخابات البرلمانية.
بينما كان صحافيو "الجزيرة" ينامون ليلاً في الزنزانة الصغيرة والباردة، محاولين استعادة تفاصيل حياة أخرى قبل الاعتقال، كان "المواطنون الشرفاء" يغرّدون من غرفهم ومكاتبهم الجميلة قصائد عن "حب مصر" و"الموت دفاعاً عنها".
اليوم أُعلن رسمياً أن محمد فهمي تنازل عن جنسيّته المصرية، واحتفظ بهويّته الكندية، بهدف ترحيله من مصر وسجنها، إلى بلاده الأخرى، كندا، حيث سيعيش حراً، وحيث بإمكانه أن يغرّد كثيراً عن "حب مصر".
خوّن محمد فهمي كثيراً، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله: خوّن لأنه يعمل في قناة "الجزيرة"، ثمّ خوّن من الطرف الآخر لأنّه أيّد تظاهرات 30 يونيو. ثمّ لأن شقيقه تبرّع لصندوق "تحيا مصر"، وخوّن لأنه وصف وائل الإبراشي بإلاعلامي الكبير (ربنا يسامحه). بدا فهمي الأكثر جدلاً بين المعتقلين.
ثمّ... تخلّى عن جنسيّته. محمد فهمي حرّ في خياراته، حرّ في جنسيّته، وحر في تصريحاته، هذا هو المفهوم البدائي للحرية الشخصية. لكن أصوات النشاز لم ترحمه. امتلأت صفحات مواقع التواصل بالندبيات عن "الخائن اللي باع وطنه"، وعن "الخائن اللي ترك مصر والجنود بتستشهد على ترابها"...
عزيزي المزايد على وطنية محمد فهمي، هذا الأخير دفع حصّته من حب الوطن، وأضاع لحظات لن تعوّضها كل الشعارات التي يرفعها المخوّنون. محمد فهمي ضحية نظام فاشي يجبر مواطنيه على الاختيار بين وطنهم وحريّتهم، وضحية تصفية حسابات سياسية بين النظام المصري وقناة "الجزيرة".
مصر اليوم سجن كبير، يخرج منه محمد فهمي منتصراً حراً. أما المخوّنون والمزايدون فتكلّموا تكلّموا وتكلّموا أكثر، وبينما أنتم تتكلّمون يتوّجه فهمي إلى بلاد تعرف جيّداً ما هي حقوق مواطنيها، بلاد احتضنته وأعطته جنسيّتها وحقوقها. أما تتمّة القصة فحزينة جداً... تتمة القصة اسمها باهر محمد، وتفاصيلها عائلة وأولاد ينتظرون يومياً عودة والدهم من العمل، ولا يعود. الحرية لباهر.

دلالات
المساهمون