برحيل الممثل الهندي عرفان خان (1967 ـ 2020)، صباح الأربعاء، 29 إبريل/ نبسان الماضي، تفقد السينما الهندية أحد رموزها وعلاماتها البارزة في تاريخها، قديماً وحديثاً. فقوّة خان وموهبته الفنية وضعتاه في مكانة مرموقة في السينما الهندية، التي أصبح أحد نجومها في وقت قصير، وفي السينما الهوليوودية أيضاً، مشتغلاً مع مخرجين وممثلين كبار، كتوم هانكس.
حرص عرفان خان على أنْ يكون مؤثّراً في السينما البوليوودية، بفضل أدوار مُذهلة له فيها. فرغم صغرها وتنوّعها، رسمت له شخصية سينمائية فذّة، ومنحته حضوراً بهيّاً في مُتخيّل المُشاهد العربي. لذا، زلزل خبر وفاته المشهد الفني المغربي، للمكانة التي حظيّ بها في وجدان المُشاهد المغربي. فثقافة المغاربة في السينما الهندية قوية، لا يُصيبها شرخ أو نسيان، بحكم الوشائج القوية المنسوجة بين المغاربة وأفلام خان منذ الثمانينيات الفائتة، رغم قلّة مشاركاته السينمائية في تلك الفترة، الخاضعة لسطوة "الممثل النجم"، كشاه روخان وأكشاي كومار وسلمان خان وغيرهم. أفلام هؤلاء بارزة، لأدوارهم الرومانسية والتراجيدية، أو لمشاركاتهم في أفلام حركة ومُطاردة، أسّست مسارهم السينمائي.
لم يكن عرفان خان منتمياً إلى هذا النوع من الممثلين، لقدراته الفنية التي تبدو كأنّها محدودة، لكن التأمّل فيها يكشف أن هذا هو سرّه: بساطة أداء، وتسلّل هادئ إلى قلب المُشاهد، وسحر مُخيّلته. لكنّ هذه الموهبة الفطرية، المنعكسة في جسد خان وملامحه، لم تمنعه من تأدية أدوار أخرى مُركّبة في السينما الهندية والأميركية. تمييز قُدرته وموهبته يتّضح أكثر في السينما البوليوودية، لأنّ أداء الممثلين، منذ أواسط الثمانينيات الفائتة، يبدو كأنّه مُبالغ به، وفيه تأثّر كبير بأجيال وأسماء سابقة عليهم، كأميتاب باتشان ودارموندرا وسانجيف كومار وفينود خانا، وآخرين.
في Billu Barber، الذي أخرجه بْراياد أرشان عام 2009، مثّل عرفان خان دور حلاّق بسيط، يعيش في قرية فقيرة في الهند حياةً هادئة مع زوجته (لارا دوتا) وأطفاله، إلى أنْ يزور النجم الهندي ساهر خان (شاه روخان) القرية، فيُصاب الناس بالجنون، كما تؤدّي الزيارة إلى رواج تجاري، وتحريك بعض الحياة. يزداد الأمر جنوناً وإمتاعاً ورواجاً لمهنته كحلاّق، عندما يخبر بيلّو (عرفان خان) زوجته وأهل قريته أنّه كان صديقاً لساهر خان في صغره، وأنّه سبب نجاحه وصداقته، بعد مساعدته على شراء تذكرة القطار إلى مومباي لتحقيق حلمه. بين تصديق الحكاية وتكذيبها، والمحاولات الكثيرة لبيلّو للقاء النجم، وإقناع أهل القرية ومديرة المدرسة بأنّ أقساط تدريس أطفاله ستتزايد بمجرّد اللقاء به، الذي يزداد صعوبة بسب تطويق الشرطة لموقع التصوير، حاول عرفان خان التأثير بقوّة في المُشاهد لصدق الأداء، ولانغماسه في شخصية بيلّو، التي لم يفارقها ولو في مشهد واحد. ربما يحسّ المرء من خلاله بخروج الممثل عن الشخصية، لكنّه ظلّ في 3 ساعات وفياً لتراجيديته وبؤسه ومرارة حياته وسخرية واقع قريته، الذي يُجبر الناس والأطفال والنساء على مغادرة مدارسهم ومنازلهم والذهاب إلى رؤية النجم. عكس الفيلم صورة السينما في المتخيّل الهندي، وكيفية تأثير الممثل السينمائي في طبيعة الحياة اليومية للمواطنين في الهند، وفي مسارات حياتهم اليومية، واختياراتهم الجماليّة لمظاهرهم وألبستهم.
في فيلم Paan Singh Tomar، يُقدّم عرفان خان أحد أفضل أدواره الهندية، بسرده سيرة العداء الهندي المشهور بان سينغ تومار، المنخرط باكراً في الجيش الهندي، والمعروف بكونه أحد أهم الرياضيين فيه، لتحطيمه أرقاماً قياسية في أعوام مديدة في العَدْو داخل الهند. وبسبب الحيف والظلم اللذين تعرّضت لهما العائلة، بسرقة أراضيها ومحصولها الزراعي، يُصبح أكبر ثائر في الهند. يتميّز الفيلم عن الأول بقوة السيناريو، وبجماليّات التصوير والتذكّر، فالمخرج والمؤلف الهندي تيجمانشو دهوليا عمل على ضخّ الفيلم بشعرية الصُورة والحلم في النص، ما أخرجه من النمط المألوف للسيرة الحياتية السينمائية، والتقاط تفاصيل وحكايات صغيرة في حياة تومار، وتخيّلها قبل عرضها، فازداد أداء خان قوّة وجمالاً، بحكم طبيعته التلقائية في تعامله مع هذا النوع من الواقعية التراجيدية. يبرز هذا بشكل مدهش في حواراته مع الفلاحين الثائرين، المنضّمين إليه للنضال واستعادة أراضيهم.
اقــرأ أيضاً
حرص عرفان خان على أنْ يكون مؤثّراً في السينما البوليوودية، بفضل أدوار مُذهلة له فيها. فرغم صغرها وتنوّعها، رسمت له شخصية سينمائية فذّة، ومنحته حضوراً بهيّاً في مُتخيّل المُشاهد العربي. لذا، زلزل خبر وفاته المشهد الفني المغربي، للمكانة التي حظيّ بها في وجدان المُشاهد المغربي. فثقافة المغاربة في السينما الهندية قوية، لا يُصيبها شرخ أو نسيان، بحكم الوشائج القوية المنسوجة بين المغاربة وأفلام خان منذ الثمانينيات الفائتة، رغم قلّة مشاركاته السينمائية في تلك الفترة، الخاضعة لسطوة "الممثل النجم"، كشاه روخان وأكشاي كومار وسلمان خان وغيرهم. أفلام هؤلاء بارزة، لأدوارهم الرومانسية والتراجيدية، أو لمشاركاتهم في أفلام حركة ومُطاردة، أسّست مسارهم السينمائي.
لم يكن عرفان خان منتمياً إلى هذا النوع من الممثلين، لقدراته الفنية التي تبدو كأنّها محدودة، لكن التأمّل فيها يكشف أن هذا هو سرّه: بساطة أداء، وتسلّل هادئ إلى قلب المُشاهد، وسحر مُخيّلته. لكنّ هذه الموهبة الفطرية، المنعكسة في جسد خان وملامحه، لم تمنعه من تأدية أدوار أخرى مُركّبة في السينما الهندية والأميركية. تمييز قُدرته وموهبته يتّضح أكثر في السينما البوليوودية، لأنّ أداء الممثلين، منذ أواسط الثمانينيات الفائتة، يبدو كأنّه مُبالغ به، وفيه تأثّر كبير بأجيال وأسماء سابقة عليهم، كأميتاب باتشان ودارموندرا وسانجيف كومار وفينود خانا، وآخرين.
في Billu Barber، الذي أخرجه بْراياد أرشان عام 2009، مثّل عرفان خان دور حلاّق بسيط، يعيش في قرية فقيرة في الهند حياةً هادئة مع زوجته (لارا دوتا) وأطفاله، إلى أنْ يزور النجم الهندي ساهر خان (شاه روخان) القرية، فيُصاب الناس بالجنون، كما تؤدّي الزيارة إلى رواج تجاري، وتحريك بعض الحياة. يزداد الأمر جنوناً وإمتاعاً ورواجاً لمهنته كحلاّق، عندما يخبر بيلّو (عرفان خان) زوجته وأهل قريته أنّه كان صديقاً لساهر خان في صغره، وأنّه سبب نجاحه وصداقته، بعد مساعدته على شراء تذكرة القطار إلى مومباي لتحقيق حلمه. بين تصديق الحكاية وتكذيبها، والمحاولات الكثيرة لبيلّو للقاء النجم، وإقناع أهل القرية ومديرة المدرسة بأنّ أقساط تدريس أطفاله ستتزايد بمجرّد اللقاء به، الذي يزداد صعوبة بسب تطويق الشرطة لموقع التصوير، حاول عرفان خان التأثير بقوّة في المُشاهد لصدق الأداء، ولانغماسه في شخصية بيلّو، التي لم يفارقها ولو في مشهد واحد. ربما يحسّ المرء من خلاله بخروج الممثل عن الشخصية، لكنّه ظلّ في 3 ساعات وفياً لتراجيديته وبؤسه ومرارة حياته وسخرية واقع قريته، الذي يُجبر الناس والأطفال والنساء على مغادرة مدارسهم ومنازلهم والذهاب إلى رؤية النجم. عكس الفيلم صورة السينما في المتخيّل الهندي، وكيفية تأثير الممثل السينمائي في طبيعة الحياة اليومية للمواطنين في الهند، وفي مسارات حياتهم اليومية، واختياراتهم الجماليّة لمظاهرهم وألبستهم.
في فيلم Paan Singh Tomar، يُقدّم عرفان خان أحد أفضل أدواره الهندية، بسرده سيرة العداء الهندي المشهور بان سينغ تومار، المنخرط باكراً في الجيش الهندي، والمعروف بكونه أحد أهم الرياضيين فيه، لتحطيمه أرقاماً قياسية في أعوام مديدة في العَدْو داخل الهند. وبسبب الحيف والظلم اللذين تعرّضت لهما العائلة، بسرقة أراضيها ومحصولها الزراعي، يُصبح أكبر ثائر في الهند. يتميّز الفيلم عن الأول بقوة السيناريو، وبجماليّات التصوير والتذكّر، فالمخرج والمؤلف الهندي تيجمانشو دهوليا عمل على ضخّ الفيلم بشعرية الصُورة والحلم في النص، ما أخرجه من النمط المألوف للسيرة الحياتية السينمائية، والتقاط تفاصيل وحكايات صغيرة في حياة تومار، وتخيّلها قبل عرضها، فازداد أداء خان قوّة وجمالاً، بحكم طبيعته التلقائية في تعامله مع هذا النوع من الواقعية التراجيدية. يبرز هذا بشكل مدهش في حواراته مع الفلاحين الثائرين، المنضّمين إليه للنضال واستعادة أراضيهم.
عدم التكلّف والتصنّع في صنع صورة مرهفة، مغمورة بالأحاسيس والمشاعر، ومن دون كليشيهات جسدية، أمور تُميّز عرفان خان في جيله، وتجعله محبوباً ومتفرّداً ومتنصّلاً من التقاليد الفولكلورية الهندية للتمثيل، كما عند سونيل شيتي وريتيك روشان ورانبيير كابور وجون أبراهام، وغيرهم من الممثلين الجدد، الذين برزوا مؤخّراً في الهند، الآخّاذة في صناعة سينما ترفيهية، ينعدم فيها الخطاب السياسي والاجتماعي، الذي ميّزها مع رائدها ياش شوبرا منذ نهاية سبعينيات القرن الـ20، جاعلاً صُورتها تنطبع أكثر فأكثر في الوجدان العربي. ولشوبرا دور مؤثّر على جيل كاملٍ، ينتمي عرفان خان إليه.