عرض "الكباريه": أن نحكي عن الألم بجرأة ومتعة

29 يناير 2018
من العرض (العربي الجديد)
+ الخط -
لم تعرف فلسطين خلال السنوات الأخيرة عملاً مسرحيّاً "سولد آوت" (بيعت كل تذاكره) قبل انطلاقه، ومن ثم كل تذاكر عروضه بعد انطلاق عرضه الأوّل يوم 18 كانون الثاني/ يناير 2018، إلّا العمل المسرحيّ الجديد "الكباريه" لمسرح خشبة الفلسطينيّ في حيفا المحتلة، ضمن موسه الثالث بعنوان "أشخاص غير مرئيّين".
كل شكل المسرح تغيّر رأسًا على عقب، المدرج غير موجود، المنصة وُضعت في منتصف البيت الفلسطينيّ الذي ينتمي إلى عائلة الخطيب المهجّرة من حيّ وادي الصليب في حيفا إبان نكبة العام 1948، وأسّس فيه إنسمبل خشبة، مسرحه الذي افتتح في العام 2015. وتحوّل المسرح إلى كباريه تمامًا، أيّ بمثابة سعادة بصريّة مطلقة مستوحاة من الفكرة التي ترتكز عليها الكباريهات، ألا وهي فضاء للاستمتاع المدموج بالموسيقى، الأغاني، الرقص، الاستعراض والدراما أيضًا.
جاءت فكرة العمل على "الكباريه" من سؤال البحث المرافق لمسرح خشبة في موسمه الثالث، والذي تمحوّر حول "الأشخاص غير المرئيين"، فبعد بدء رحلة دراسته والتعمق به، وصل طاقم المسرح إلى منطق الكباريه، والذي يعتمد على انطلاقه من الهامش، عن هذا يقول المخرج بشار مرقص: "ينطلق الكباريه مِن مَنْ يعيش على الطرف، من الذين يصرخون في البارات والحانات كي تُسمع أصواتهم ويخرج غضبهم ويحاولون التأثير على المجتمع بطرقهم التي يفكرون بها، من هذا المكان خرج الكباريه؛ من غضب فئات معينة في المجتمع إلى أن تطوّرت فكرته لتصل إلى ما نقدّمه اليوم في مسرح خشبة".

مسؤولية إطلاق الصّرخة
يتميّز الكباريه، بالإضافة إلى كل عناصره المسرحيّة والاستعراضيّة والجماليّة، بمضمونه الجريء، وهو أيضًا ما ميّز الموسم الثالث لمسرح خشبة؛ فيطرح بجرأة، وأحيانًا بوقاحة ضروريّة، من خلال المونولوغات والمشاهد والأغاني، مواضيع عديدة لربما تبدو للوهلة الأولى بأنها محليّة بسياقها، أي متعلّقة بواقع الفلسطينيّين/ات. إلّا أنه وبسبب ذكاء طرحها وربط خصوصيتها بالعامّ، بإمكانها أن تلائم واقع العديد من المضطهدين والمغيّبين يعيشون في ظروف جيوسياسيّة مختلفة. تتنوع المواضيع بين السياسيّة، الاجتماعيّة، كما الحريات الفرديّة. إلى جانب الأسئلة حول الباقين في وطنهم والاستشهاد، والتي بشكل أو بآخر، تعتبر أحيانًا "مقدسة" خارجة عن إمكانيّة النقاش وطرح الأسئلة.
في إجابة على السؤال هل من خوف رافق سيرورة العمل على "الكباريه" والمتعلّق في مضمونه والمواضيع المطروحة، قال بشار مرقص: "القلق الأساسي بطرح مواضيع حساسة أو صعبة، هي ببساطة أن يكون لها تأثير سلبي وليس إيجابيًا على الجمهور، وبالتالي، إن تحدثنا عن موضوع لا يحكي فيه الناس، أو من الصعب تداوله، على الأقل أن نساعد عند طرحه بأن يأخذ حقه، وأن لا ينتج عن إطلاق هذه الصرخة من يكره هذه الصرخة أكثر، ويرفض سماعها، الفكرة هي كيف تصرخ بوجه إنسان وتجبره على تقبل صرختك. كما أني حاولت طرح المواضيع بقالب متعة ونكتة، يعرف الجمهور تمامًا أنها ليست نكتة، لكن طريقة طرحها هي كسر لقالب الأمان هذا، وبالتالي، إن نجحنا، نستطيع الحديث مع الناس عن كل موضوع، وإن فشلنا، فممكن أن يكون للفشل نتائج سلبيّة، ليس عليّ كمخرج أو على الطاقم، إنّما تمسّ بأصحاب الصرخة الحقيقيّين الذين حاولنا أن نمرر صرخاتهم".

مسرح على هيئة حُلم
يضمّ "الكباريه" مجموعة من الممثلين/ات، الذين عملوا سويةً مع مخرج العمل، بشار مرقص، على المضامين خلال لقاءات عديدة أثمرت عن الشكل النهائيّ للنصوص، المجموعة هي: زيوار بهلول، شادن قنبورة، هنري إندراوس، أيمن نحّاس، فرج سليمان (مؤلف موسيقى الكباريه) وسماء واكيم (التي عملت على تصميم الحركة أيضًا). في حديث مع سماء عن تجربتها في "الكباريه"، قالت: "بما يتعلّق بمواد العمل، فالكثير منها شخصيّة، فالمضطهدون والمغيّبون هم بشكل أو بآخر نحن. تجربتي مع الكباريه مختلفة عن تجارب أخرى، هنالك تعامل آخر مع الممثلين والجمهور، كأنك بمكان ما تكونين في موقع تخلطين فيه بين الحياة اليوميّة وبين العمل/ التمثيل، فجأة هنالك ما يكسر هذه الحدود، هذا التعامل الحرّ مع المضمون، الخجل ينكسر، كما معايير الصح والخطأ، تختفي. على مستوى شخصيّ، شعرت أن الكثير من الحدود الحاضرة في حياتنا زالت قليلًا بعد تجربة الكباريه، فجأة أشعر بأنه بإمكاني الحديث عن قضايا عديدة بأكثر قوة وجرأة وراحة".
تفاعل الجمهور مع العرض الأوّل، له بالضرورة تأثير إيجابيّ على طاقم العمل، عن هذا تقول سماء واكيم: "لا يمكنني أن أستوعب حتّى الآن ما حدث في العرض الأوّل، أعمل لسنوات عديدة في المسرح والرّقص، إلّا أن تفاعل الجمهور والفضاء المشحون بكثير من المشاعر، أعطانا شعورًا بأننا لسننا في مكاننا، خرجنا من الواقع يدًا بيد مع الجمهور محاولين أن نكتشف إلى أين سنصل سويةً. من المهم الإشارة، إلى أن الكباريه هو امتداد لرؤية مسرح خشبة منذ تأسيسه، بمواصلة حضور اللغة البسيطة والذكيّة للحديث مع الناس، وتفاعل الجمهور معها، ومنها، بإمكان كل منا أن يرى نفسه بما يُطرح".



دلالات
المساهمون