اتصالات العراقيين لا تهدأ بمعارفهم الذين حجزوا لهم مكاناً بين اللاجئين في دول أوروبية، الجميع يستفسر عن أسعار وطرق التهريب، وإن كانت محفوفة بالمخاطر، على الرغم من الصور والمشاهد التي تنقل باستمرار قصصاً مأساوية عن مهاجرين ابتلعهم البحر، وغيرهم يبيتون في العراء على حدود دول أوروبية تمنع دخولهم.
بيع الأملاك والعقارات والمصوغات ارتفع في الآونة الأخيرة بالعراق؛ فلا شيء يرونه يجبرهم على البقاء في وطنهم، ولسان حالهم يقول "وطنك هو المكان الذي تأمن فيه على نفسك"، وهذا ما نقله عبد الرحمن العبيدي، صاحب مكتب لتجارة العقارات في بغداد.
ولفت العبيدي لـ"العربي الجديد" إلى أن الكثيرين لجأوا مؤخراً إلى عرض بيوتهم وعقاراتهم للبيع بأسعار أدنى من قيمتها الحقيقية؛ والسبب وفق قوله "لجمع المال لغرض الهجرة".
النصائح التي يوجهها العبيدي لمن ينوون بيع عقاراتهم بأسعار متدنية، بعدم التسرع في البيع لمغادرة البلد، لا تلقى قبولاً عندهم، لافتاً إلى "أنهم متفقون على رأي واحد، مفاده أن وطنك هو الذي تأمن فيه على نفسك وعائلتك، وذلك الأمان ما عادوا يجدونه في وطنهم".
كثيرون آخرون لا يملكون عقارات يبيعونها ليهاجروا، لكنهم يملكون مصوغات ذهبية، والتي عُرف عن العراقيين حبهم لشرائها، التزاماً بمثل شعبي مشهور بأن "الذهب زينة وخزينة" ويرون أن الوقت حان لاستغلال الشق الثاني من المثل "الخزينة"، أي بيعه للضرورة و"ليس من حاجة ماسة أكثر مما نمر به اليوم"، كما يقول غيث كامل، والذي باع مصوغات زوجته ليتمكن من توفير ثمن الهروب إلى أوروبا.
بدوره قال صاحب عبد النبي، والذي يعمل في صياغة الذهب لـ"العربي الجديد" إن "حراكاً ملحوظاً يشهده سوق الذهب والمصوغات، تمثل في إقبال المواطنين على عرض مصوغاتهم للبيع؛ والسبب هو حاجة أصحابه للمال بغرض الهجرة".
الأسباب القاهرة التي فرضت قرار الهجرة كثيرة ومختلفة، وفق ما يراه عراقيون قرروا المخاطرة بآخر أوراقهم، والغاية "الهروب من الوطن إلى أي مكان" بحسب ما قاله عدد من العراقيين اتخذوا قرار الهجرة، في أحاديثهم لمراسل "العربي الجديد".
وليد الحيالي الذي تمكن من بناء دار صغيرة له منذ عامين، قرر بيعها، على الرغم من سعيه طوال 15 عاماً لامتلاك دار ترحمه من استمرار التنقل في مساكن للإيجار، وعلى الرغم من كل ما كابده ليجتمع وأسرته في دار يملكها لكنه جازف وباع داره تلك.
وقال الحيالي لـ"العربي الجديد" إن قيمة داره تبلغ نحو 120 ألف دولار، لكنه باعها بنحو 100 ألف دولار؛ للحصول على مبلغ من المال يُمكنه من الوصول وأسرته لألمانيا.
ويعزو سبب مجازفته ببيع داره قائلاً "ما قيمة دار أملكها في وطن لم يعد فيه أمان لأسرتي"، موضحا "أخاف على أطفالي من الخطف، وزوجتي من الاعتداء، أخاف على أسرتي من القتل بتفجير ما، ليس هناك أمان في شارع أو سوق، بل حتى في داخل دارنا".
اقرأ أيضاً العراق: تحذيرات من مخاطر هجرة الشباب الى أوروبا
هاشم السعدي هو الآخر، مواطن عراقي يرى أنه لم يعد أمامه خيار غير هجرة وطنه، مبيناً أن جسمه مليء بشظايا تفجير "إرهابي" وقع قبل ثلاثة أعوام، والآلام ترافقه منذ ذلك الوقت، وخبرته الممتدة لعشرين عاماً في مجال الميكانيك، كونه يحمل شهادة البكالوريوس في هندسة الميكانيك لم يعد لها قيمة.
وأضاف: "أعمل في وزارة الصناعة بغير تخصصي، وبمرتب لا يكفي لمتطلبات المعيشة ولا أملك مسكناً وبلغت 45 عاماً من العمر، وبت لا أرى أي مستقبل لأولادي إن بقوا في العراق".
وبيّن أنه باع سيارته ومصوغات زوجته، ويهم بالهجرة، حيث اتفق مع مهربين وصفهم بـ"الثقات" سيساعدونه في الوصول إلى النمسا.
اقرأ أيضاً: العراقيون في تركيا.. هجرة المضطر
حول ذلك يرى المتخصص بعلم الاجتماع حسن عبد اللطيف أن "الأزمات الأمنية التي تشمل احتلال داعش لمدن عراقية وتسلط المليشيات وعدم إدارة البلاد بالصورة الصحيحة، أنتجت مشاكل نفسية حادة للفرد والمجتمع".
وأضاف عبد اللطيف لـ"العربي الجديد" أن "ولادة ظاهرة الهروب من العراق، كانت تنفيساً وملتجأ للعراقيين من الضغوط النفسية التي يعانونها"، مشيراً إلى أن "المشجع الأكبر لولادة هذه الظاهرة، هي دول أوروبا التي فسحت المجال لإيوائهم، ما وجده العراقيون إغراءً يجبرهم على مغادرة وطنهم بأي ثمن، وإن كان التضحية بأملاكهم".
اقرأ أيضاً: الخوف يجبر شباب العراق على الهجرة أو التزام المنازل