عراقيات يفضلن القابلات على المستشفيات

12 يوليو 2020
هاجس الإصابة كبير جداً (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -


تتزايد المخاوف من الإصابة بفيروس كورونا الجديد في العراق مع مواصلة تسجيل إصابات بأعداد كبيرة في مختلف مدن البلاد، ما كان سبباً في ارتفاع عدد الحوامل الراغبات في الولادة على يد قابلات مجازات بالتوليد خارج المستشفيات، ممن يعرفن في البلاد بلقب "الجدّات".
الخوف من الإصابة بالفيروس داخل المستشفيات يمثل هاجساً لدى كثير من الأسر، خصوصاً مع تناقل معلومات تفيد بتعرض أشخاص للإصابة هناك. "ذلك كان سبباً كافياً لأحضر زوجتي إلى عيادة القابلة المأذونة كي تولّدها" يقول عمر طارق، الذي يصف المستشفيات بأنّها "موبوءة بفيروس كورونا". يذكر عمر في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ الولادة الأولى لزوجته قبل عامين كانت في مستشفى حكومي، لكنّه يؤكد أنّ الولادة الثانية التي في مايو/ أيار الماضي كانت أفضل، على الرغم من أنّها كانت في عيادة صغيرة مجتزأة من بيت القابلة. يضيف: "قبل عامين لم يكن هناك فيروس كورونا لكنّ المستشفى لم يكن جاهزاً بالشكل المناسب، فقد أصيبت حينها زوجتي بجرثومة في معدتها تبين لاحقاً أنّها ناتجة عن عدوى كانت منتشرة في صالة الولادة". يعقب: "فما بالك اليوم مع انتشار فيروس كورونا؟".
مستوى البنى التحتية الخاصة بالصحة في العراق ليس جيداً، فهي منذ نحو عشرين عاماً لم تشهد سوى ترميمات، بحسب مطلعين وسياسيين، في أكثر من مرة، عبر بيانات وأحاديث للصحافة، قالوا فيها إنّ السبب في ذلك هو الفساد المالي.

العراقيون بدورهم على اطلاع بوضع المنشآت الصحية في بلادهم، وهناك إجماع على أنّ خدمات القطاع الصحي متردية. يقول عامر البهادلي، وهو موظف في مستشفى حكومي، إنّ "الولادة في المنزل آمنة أكثر من المستشفى في الوقت الحالي".
البهادلي يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه يقدم نصائح للحوامل أن يجهزن غرفة معقمة داخل منازلهن بغرض الولادة في حال كانت الولادة طبيعية ولا تعاني المرأة من أمراض تجعل ولادتها صعبة وتتخللها خطورة. ويقول: "في إبريل/ نيسان الماضي ولّدت زوجتي على يد قابلة ماهرة كانت زميلتي في المستشفى الذي أعمل فيه. حضرت إلى منزلي وكانت ولادة ناجحة". وبحسب اطلاعه على واقع المستشفيات، يشير البهادلي إلى أنّ "هناك تعقيماً مستمراً، لكن ليس فقط التعقيم ما يجعل المستشفيات آمنة ولا تتسبب بنقل الفيروسات. هناك إهمال ولا عزل صحياً مناسباً للمصابين بالفيروسات والأمراض، وهذا الأمر نعانيه منذ سنوات، وزاد سوءاً مع انتشار فيروس كورونا".

ليست كلّ ولادة يمكن أن تجرى على يد القابلات في المنازل


ما يذهب إليه البهادلي تؤكده إصابات ووفيات عدة في صفوف الكوادر الصحية العاملة في المستشفيات التي يفترض أن تكون أكثر دراية بخطورة الفيروس، وأكثر وقاية منه بالقياس مع الأشخاص الآخرين، وهو ما زاد من مخاوف النساء الحوامل، ما جعل كثيرات منهن يعتمدن على القابلة المأذونة في ولادتهن. مينا عايد، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ أمامها ثلاثة أشهر حتى يحين موعد ولادتها، وعلى الرغم من أنّها ولّدت مرتين في السابق، تقول إنّ ولادتها المرتقبة هي الأصعب. تضيف: "لأول مرة، سأضع طفلاً على يد قابلة مأذونة في بيتي. هذا قرار زوجي وقراري أيضاً، سنجهز كلّ المستلزمات المطلوبة لتكون غرفتي صالحة للولادة". تستدرك: "هذا في حال بقي حظر السفر قائماً. ففي حال رفع الحظر سألد خارج البلاد، ربما في الأردن حيث جرى القضاء على الفيروس، فيما مستوى العناية الطبية مرتفع جداً، وسبق لزوجي إجراء عملية جراحية في عمّان". تضيف: "لا يهمني المبلغ الذي سيكلفه سفري وولادتي هناك، فمن الناحية المادية، حال زوجي جيدة، لكن في حال بقي الحال على ما هو عليه فقد قرر زوجي أن يجهز غرفة خاصة لولادتي في المنزل، واتفق مع قابلة معروفة بمهارتها".

سرير خاص بالولادة وأجهزة لقياس ضغط الدم وقياس نبض القلب، ومغذيات وجهاز إنعاش للطفل وجهاز تنفس وعلاجات وأدوية وعتاد طبي مختلف، كلّها مرتبة داخل غرفة خاصة في منزل القابلة المأذونة أم علي، التي اشتهرت بمهارتها في توليد النساء. تقول أم علي لـ"العربي الجديد" إنّها خلال عملها في توليد النساء الذي يمتد لأكثر من 25 عاماً، نجحت في تدارك حالات خطرة داخل غرفة التوليد بمنزلها، أغلبها كانت في أوقات صعبة مرت بها البلاد. تضيف: "ليس كورونا هو السبب الأول الذي يجعل النساء يفضلن الولادة على يد القابلات. ففي سنوات سابقة حصل الأمر نفسه". تتحدث القابلة عن سنوات العنف الطائفي الذي عاشه العراقيون من 2006 حتى 2008، وكان القتل الطائفي يجبر النساء على عدم الخروج من منازلهن فيضعن على يد القابلات في داخل مناطق سكنهن. وفي أكثر من مرة كانت حالات ولادة تتطلب أن تجرى داخل المستشفى لخطورتها، بحسب أم علي، لكنّ الخوف من "الإرهابيين والمليشيات الطائفية" كان يجبر هذه الأسر على عدم الذهاب بنسائها إلى المستشفيات.

أما مع كورونا فالأمر مختلف، كما تقول: "لن أجازف باستقبال حالات خطيرة. ليست كلّ ولادة يمكن أن تجرى على يد القابلات في المنازل، بل هناك حالات تحتاج إلى رعاية طبية عالية لا تتوفر إلاّ في المستشفيات". وتوضح أنّها رفضت خلال الشهرين الماضيين توليد ثلاث نساء بسبب خطورة وضعهن الصحي: "هناك حالات تتطلب إشراف كادر طبي وقد تتحول مباشرة إلى الطوارئ أو الإنعاش مباشرة بعد الولادة".

 

 

المساهمون