عذرًا موطني

14 سبتمبر 2017
+ الخط -
موطني، كلما أحببناك ازددت تمزقًا وأمعنتْ الحرب في تجريدك من كل حُلل الجمال. عذرًا موطني، فكلما كتبنا عنك، وجمعناك في كتابٍ جميل تزينه الأحرف، وتأسر كلماته الألباب، وجدناك مرميًا في أواخر الصفحات، أو محترقًا في مكتبة ما.
عذرًا موطني، فعندما كنت طالبًا في المرحلة الإبتدائية، كنت أحضر طابور الصباح، وحنجرتي تكاد تنفجر من كثرة ترديدي تلك الأنشودة التي ألفها ولحنها مدير المدرسة، ولم أردّدها لأنها من تأليف مدير المدرسة، بل لأنها أنشودة وطنية، ولأني كنت أظن الوطنية هي التي تنبع من أصواتنا: اسأل التاريخ عن أرض اليمن/ يشهد التاريخ لنا منذو يزن/ كم معارك خاضها شعب اليمن/ لأجل سبتمبر وتمزيق الفتن.
ظننت الوطنية ذلك الشعور الذي يخالج نفسي، عندما أستمع للنشيد الوطني في إذاعة المدرسة، كم كان جميلًا ذلك الشعور، شعورٌ لا يشبه الشعور المتدفق عند استماعك لأغاني كاظم الساهر أو أُم كلثوم، وخالد عبد الرحمن، شعورٌ مختلف جدًا، شعورٌ أيقنت بعده أنّ سماع القرآن الكريم يمنحني الطاقة الروحية الدينية، بينما النشيد الوطني وأغاني أيوب طارش الوطنية، تمنحني التذوق الروحي والحب المقدس لهذا الوطن.
عذرًا موطني، فقد علمونا أنّ حب الوطن مجرّد أغانٍ وأناشيد نردّدها كلّ صباح، فلم نكن ندري أنّ الهدف من ذلك إرهاق حناجرنا، لتلتزم الصمت بعدها عن كل ما يُرتكب من جرائم ضد هذا الوطن.
عذرًا موطني، فذات يومٍ أخبرني زميلي وصديقي العزيز عن نيته الإلتحاق بالجيش، فشجعته ذلك اليوم، لأني ظننت أنّ كلّ هذا التحشيد لبناء الجيش هو من أجل حماية هذا الوطن من الأعداء، فمرّت أربع سنوات عرّف خلالها صديقي بنفسه أنّ تجنيدهم كان لأجل تخريب هذا الوطن، فترك السلك العسكري، وذهب إلى الإغتراب خارج الوطن، بينما كان هو الذي يكره الإغتراب كثيرًا ويفضل تراب هذا الوطن.
ندمتُ كثيرًا لأني لم أنصحه بعدم التجنيد، بل شجعته لأجل هذا الوطن، ولولا انقطاعه وتركه السلك العسكري، لكنتُ نادمًا اليوم أكثر على حياته الذي يفترض أن تكون في إحدى جبهات القتال العبثية، وتحت إمرة تاجرٍ ما من تجار الحروب الجهابذة، أو تحت التراب كنتيجةٍ لرغبة أدعياء حب الوطن.
عذرًا موطني، فقد صدّقّتُ قديمًا أنّ حب الوطن من الإيمان، ولكني أدركت اليوم أن من علمونا هذه العبارة لم يمتلكوا الإيمان، فضلًا عن حب الوطن، وكما يُقال فاقد الشيء لا يعطيه.
عذرًا موطني، فقد تهافت السياسيون إلى التحالف مع ملوك الغرب، ونسوا أن يتحالفوا مع شعوبهم المكلومة. عذرًا موطني فحكامنا اجتهدوا كثيرًا كي يصير هذا الوطن مجرّد حراج عمّال كبير، وما تبقّى من أبناء يصبح جنديًا يسيّر هؤلاء العمّال.
عذرًا موطني، صارت أحلامنا هباءً منثورا، والحلم الوحيد الذي لا يفارقنا هو الرحيل عنك بعيدًا، حيث يوجد معنى صحيح لحياة الإنسان، حيث لا يُعصى الله بقتل عباده ومخلوقاته، حيث أرى أخلاق الإسلام تُطبّقُ في الواقع، لا تُقال في الكتب فقط، وحيث حب الوطن يظهر في خدمة أبنائه، لا في الخطابات المزيفة والكاذبة.
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
مطهر الخضمي (اليمن)
مطهر الخضمي (اليمن)