عبير سعدي

04 مايو 2014
عبير سعدي
+ الخط -

 

"الحزن والألم يسيطران علي منذ تعرفت إلى جثمان زميلتنا الشابة ميادة في المسجد، دمرني المشهد نفسياً وأعاد إلى ذاكرتي مشاهد كل الجثامين التي تعرفت إليها منذ أول أيام الثورة، وخصوصاً من الزملاء الصحفيين". هذا ما قالته لي الصديقة والزميلة عبير سعدي في آخر حديث بيننا قبل نحو الشهر تقريباً.

عرفت عبير قبل سنوات صحافية جادة وشخصية محترمة تصل الليل بالنهار لتقدم أفضل ما لديها على المستويين المهني والشخصي. يعرفها كل أعضاء نقابة الصحافيين المصرية جيداً لأنها العضو "الخَدُوم" المتواصل والمتاح للسؤال والتدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على مدار الساعة.

رأيي في نقابتنا سلبي جداً، تعرف عبير هذا بوضوح، تحدثنا في هذا الشأن مراراً، وفي المرة الأخيرة التي قررت هي فيها خوض انتخابات مجلس النقابة حاولت إثناءها عن ذلك لأن الوضع لن يناسبها، لكنها بطبيعتها المقاتلة والحريصة على خدمة زملائها قررت خوض التجربة.

منذ أشهر عدة تتعرض عبير سعدي، وعلى يد أعضاء مجلس نقابة الصحافيين، وخصوصاً النقيب ضياء رشوان، إلى ابتزاز مهني وشخصي صريح ومبتذل، هدفه اجبارها على التخلي عن مواقفها الداعمة لحق زملائها والمدافعة عن دمائهم التي تسيل وقمعهم المتواصل. تواصل عبير التصدي بكل ما تملك لانتهاك مهنتها وأبناء مهنتها على يد سلطات الانقلاب، بينما النقابة ومجلسها نائمان في سرير السلطة.

"حولوني للتحقيق لأني تمكنت من اثبات وجود انتهاكات في قضية قتل الزميلة ميادة أشرف برصاص الشرطة، لكنهم في الوقت نفسه يظهرون في التلفزيون ليتاجروا بدم ميادة. أنا لا أزال أرفض الظهور في التلفزيون للمتاجرة بدم الزميلة المقتولة، بينما زميلة أخرى في المجلس تواصل الكذب على الهواء بلا خجل". هكذا تقول عبير بدموعها عن الصحافية الشابة.

وتواصل باكية "اغتيال ميادة فضحهم، للمرة الأولى يتكلمون على بقية شهداء الصحافة، وأنا شاركت مع الأستاذة خيرية شعلان في جمع صور الزملاء الشهداء. الكل يتجاهلهم بينما أنا أراهم يومياً في منامي".

تخجل عبير سعدي من الحديث عن نفسها وعن مواقفها، لكنها أيضاً تخجل من موقف الآخرين منها، لا تحتمل الإطراء ولا الثناء عليها وعلى مواقفها. شخصياً كنت غاضباً منها عندما قررت أن تشارك في مجلس النقابة الأخير، كنت أراه كارثة على النقابة وعلى النقابيين، كما كنت أرى الانقلاب العسكري كارثة على مصر والمصريين، الانتهاكات التي حدثت للزملاء في عهد هذا المجلس الكارثي لا يمكن مقارنتها أبداً بكل ما جرى منذ أيام الثورة الأولى، لكن أعضاء المجلس تم ارضاءهم مالياً ومعنوياً، وهم حالياً مستمتعون بجني المال والنجومية في قنوات الفلول الفضائية، حتى من كنا نعتبره منهم صادقاً ويحافظ على مبادئه.

نقيب الصحافيين صاحب تاريخ معروف، هو الذي طالب المشير حسين طنطاوي علناً بفرض الأحكام العرفية في مصر. نظم النقيب، قبل أيام، وقفة صامتة على درج النقابة واشترط أن تكون بلا هتاف، حضر متأخراً وتحدث إلى الفضائيات، رغم أنه صاحب مطلب الصمت. غضب الحاضرون من موقفه فهتفوا ضد الانقلاب وضد قمع الصحافيين، تشاجر معهم، فهتفوا ضده شخصياً، فهرب كما هي عادته، وانطلق يتنقل بين الفضائيات يتحدث عن الوقفة التي نظمها دون أن ينبس ببنت شفة عن هتاف الحاضرين ضده.

لا ترغب عبير سعدي في أن تكون العلاقة بين النقيب وأعضاء النقابة على ما هي عليه الآن، هي ترى أن مشاكل البيت "النقابة" لا يجب أن يتم تصديرها للفضائيات. أغضب منها مجدداً لأن مثاليتها تلك تنعكس عليها شخصياً، "إنهم يشوهونك ليل نهار في الفضائيات. في برامج هم المسؤولون عنها أصلا". ترد "لن أنجر لمستنقعهم مهما فعلوا، يشهد الله أنني زهدت بكل شيء وليس لي أي مطمع شخصي وراضية تماماً عما فعلته. ما يحزنني هو أن الناس تنخدع في بعض الشخصيات، مثل زميلي الذي انتخبته وشاركت في الدعاية له، والان يشارك في حملة منظمة لتشويهي. لكن الأيام فعلاً كاشفة".

استغرقنا الحديث في المرة الأخيرة التي حدثتها فيها لتهنئتها باختيارها من قبل منظمة "مراسلون بلا حدود" العالمية لتكون الصحافي المصري الوحيد في قائمة "100 بطل إعلامي"، من بين 14 اعلامياً من المنطقة العربية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.

كانت سعيدة، تناست كل أحزانها ومشكلاتها، ممتنة لتلك المنحة في هذا الوقت: "هذه رسالة ربانية واضحة، جاءني الخبر باختياري في نفس وقت حصولي على تأشيرة العمرة. الحمد لله. أنا ممتنة لله على نعمه كلها" هكذا قالت لي.

بعدها بقليل كتبت على حسابها الشخصي في "فيس بوك": "أتصور أن ذلك جزء من رد الاعتبار للمكانة التي تليق بالصحافة المصرية. ولا أعتبر التكريم في هذا التوقيت موجهاً لشخصي بقدر ما هو تقدير للتضحيات التي قدمتها الجماعة الصحافية المصرية التي تصر على ممارسة دورها والوفاء برسالتها نحو المجتمع وحقه في متابعة الأحداث التي تعيشها بلادنا والتي ستشكل عما قريب جزءاً من تاريخنا واجب التوثيق. اسمحوا لي أن أهدي التكريم لمن يستحقه بالفعل: ١٢ صحافياً وصحافية استشهدوا خلال قيامهم بدورهم في تغطية الأحداث في غياب تام لأي ضمانات لممارسة المهنة. هؤلاء وأسرهم هم من يستحقون التكريم".

شكراً عبير سعدي.

المساهمون