أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى تسجيل 2525 جريمة عبودية حديثة في إنكلترا وويلز عام 2016، بزيادة نسبتها 159 في المائة عن سابقه، نقلاً عن معطيات الحكومة البريطانية. ولفتت في تقرير نشرته اليوم السبت إلى أن العديد من الضحايا يقعون في فخ العصابات عبر تطبيقات على الإنترنت، وأن أغلبهم من الأطفال البريطانيين.
هذا كان حال فتاة مراهقة تبلغ من العمر 14 عاماً، اعتادت صباح كل يوم جمعة على مدار عام كامل أن تستقل القطار من محطة فيكتوريا في لندن إلى إيستبورن، وهي بلدة ساحلية تبعد نحو 60 ميلاً عن العاصمة، لتبيع المخدرات بطلب من خاطفها، بحسب الصحيفة.
وتصف الفتاة بأنها كانت ترتدي زيها الرياضي وتحمل حقيبة كتف مغطاة بشارات من رموز البوب، محاولة إعطاء الانطباع بأنها في طريقها إلى المدرسة. في حين أنها كانت تقوم بعملها في موعدها الأسبوعي الذي يستغرق منها ثلاث ساعات.
وتتركّز مهمة المراهقة التي كانت مسلحة بسكين وتحمل كمية كبيرة من المخدرات من الصنف الجيد، بالسفر إلى إيستبورن لبيع الكراك (شكل من أشكال الكوكايين الصلب القابل للتدخين) والهيروين.
وعندما كانت تفشل الفتاة في تلبية مطالب رئيسها المتزايدة، وهو زعيم عصابة يبلغ من العمر 48 عاماً، كانت تتعرض إما للضرب أو الاعتداء الجنسي.
هذا الواقع الذي عاشته الفتاة سبّب صدمة ثانية لوالدتها (الشرطة تخفي هويتها لحمايتها وحماية ابنتها أيضاً)، بعد صدمة فقدانها طوال سبعة أشهر عام 2016. التقتها الصحيفة في حديقة لندن، وتحدثت عن صدمتها عندما أخبرتها الشرطة بأن ابنتها كانت مستعبدة. وقالت: "أواصل تكرار تلك الكلمة. لم أكن أفهم كيف يحصل ذلك". ولفتت إلى أنها كثيراً ما تأتي إلى الحديقة علّها تخفف من اضطراب الهلع الذي كان يصيبها ولا يزال بعد اختفاء ابنتها، وبعد أن عرفت المصير الذي حلّ بها.
وأوضحت الأم أنها طوال مدة اختفاء ابنتها، "فكرت في كل سيناريو ممكن أن يحدث لها، لكن العبودية؟ لم أكن أعرف أن الاستعباد يحدث في إنكلترا".
159% زيادة نسبة الاستعباد في بريطانيا
ووصف تقرير صدر الشهر الماضي عن لجنة حكومية بريطانية حول الرق الحديث والاتجار بالبشر، تنامي وامتداد ممارسة الاستعباد الذي يطاول عشرات آلاف الأشخاص في بريطانيا. وبيّن أن 2525 جريمة استرقاق حديث وقعت في إنكلترا وويلز العام الماضي، بزيادة 159 في المائة عن العام الذي سبقه.
ووفقاً للتقرير الحكومي، فإنه على الرغم من زيادة الوعي لدى الجمهور عن انتشار الاسترقاق والعصابات، وعلى الرغم من زيادة يقظة الشرطة حيال ذلك، إلا أن الرق يزداد ويتعرض الضحايا لمزيد من الاستغلال. واعترف بالقصور في أداء الشرطة والجهات الأمنية، على الرغم من تعاون الوكالات المختلفة بطرق أفضل لمكافحة انتشار تلك الأعمال الإجرامية.
وأوضحت هيئة التفتيش البريطانية التابعة للشرطة والإغاثة والإنقاذ أن الضحايا الذين يتصلون بالشرطة لا يعترفون دائماً بأنهم واقعون في أيدي مستغلّيهم، وأن آخرين "اعتقلوا بصفتهم جناة أو مهاجرين غير شرعيين وليس على أنهم ضحايا الاستعباد من زعماء وأفراد العصابات".
ويرى محللون أن بعض الأشخاص الأكثر ضعفاً ممن يعتمدون على إعانات الرعاية الاجتماعية، ويفتقرون إلى الحياة الأسرية والدعم، يتأثرون بسهولة بهؤلاء الأشخاص الذين يظهرون فجأة في حياتهم.
وقالت منسقة مكافحة الاتجار بالبشر التابعة لجيش الخلاص، وهي مؤسسة خيرية تدير نظام دعم الحكومة للضحايا البالغين، آن ريد: "غالبا ما يسهل التقاط الناس الضحايا خلال تسكعهم، ومن النزل وبيوت الطلبة أو المطابخ العامة". وأضافت "بالطبع هناك الآن شبكة الإنترنت التي تمكن المفترسين من الوصول إلى الناس وهم داخل بيوتهم".
بهذه الطريقة تعرّفت الفتاة المراهقة إلى خاطفها منذ أكثر من عام مضى، من خلال تطبيق للرسائل عبر هاتفها. كانت والدتها قد فقدت وظيفتها للتو في مخبز، واضطرت لقطع مصروف ابنتها الأسبوعي البالغ نحو 26 دولاراً. ما جعل الفتاة تقضي وقتاً أقل مع صديقاتها، ومدة أطول على شبكة الإنترنت، وأن تكون ضحايا عصابات الاتجار بالبشر في بريطانيا من المهاجرين كان أمراً متوقعاً، أما أن يكون العدد الأكبر من الضحايا هم من البريطانيين فكانت صدمة غير متوقعة. إذ شكل البريطانيون ثالث أكبر مجموع للضحايا، ومنهم الفتاة المراهقة، في حين أن المجموعتين الكبريين الأولى والثانية كانت للضحايا الألبان والفيتناميين. كذلك تبيّن أن غالبية ضحايا الاتجار بالأطفال هم من البريطانيين.
ولم يرَ أحد الفتاة المراهقة التي تخفي الشرطة هويتها لأن خاطفيها لا يزالون طليقين، على مدى أشهر، لا في محيط منزلها ولا في المدرسة. كانت تتسلل من شقتها قبل الفجر، وتتغيب عن المدرسة، وتعود إلى البيت في وقت متأخر. ولم ينتبه أحد للكدمات على جسدها، والخدوش الغائرة على ذراعيها وساقيها عندما بدأت تؤذي نفسها.
اعترفت الوالدة بإهمال ابنتها في أغلب الأحيان، إذ كانت تبقى أحياناً خارج البيت لليالٍ عدة، وكانت تتجاهل مكالمات المدرسة التي علمت من بعضها أن ابنتها تتغيب عن صفوفها.
خلال العطلة المدرسية في يوليو/ تموز 2016، اختفت المراهقة. وبعد مرور سبعة أشهر على اختفائها، التي حضرت الأم نفسها فيها لتقبل حقيقة أن ابنتها قد تكون ميتة، وصلها من المخبرين أن الابنة اختطفت واستعبدت.